تساءلَ جون شوارتز، في موقع “ذي إنترسيبت” عن مصير مهندسي الحرب على العراق، التي حضرتْ ذكراها العشرين في الأيام الماضية، وفي المحصلة قال إنهم “بخير، وشكراً على السؤال”.
ففي آذار/مارس 2003 شنّت الولايات المتحدة وحلفاؤها عملية “الحرية للعراق”، والتي أشار إليها المتحدث الإعلامي باسم الرئيس جورج دبليو بوش، آري فليتشر، بالخطأ، ومرتين، بأنها “عملية تحرير العراق”، ولم يكن هذا هو اسمها الرسمي، وكان سيؤدي لاختصار مؤسف لها.
ولم يدفع الرجال والنساء الذي شنّوا هذه الحرب الإجرامية الثمن لما قاموا به قبل عقدين. وعلى العكس، فقد أُغدِقت عليهم الأموال والترفيعات. وهناك طريقتان للنظر إلى هذه الحادثة؛ الأولى أنها كانت وظيفة لاتخاذ القرار الصائب للسياسيين الأمريكيين وإخبار الحقيقة من قبل الصحافيين. وكان هذا يعني أن النظام عانى من عطل مرة بعد الأخرى، وأنه قام بترفيع الأشخاص الخطأ، والذين أثبتوا فشلاً ذريعاً.
منذ مغادرته البيت الأبيض، قضى تشيني وقته في الصيد، وصادقَ على ترشيح دونالد ترامب للرئاسة عام 2016، ولم يعاقَب على جرائم التعذيب. ومع أنه عاش على قلب اصطناعي خارجي كان يضخ الدم لشرايينه، إلا أنه في صحة جيدة.
وفي حالة دونالد رمسفيلد، فقد تساءلَ، في ليلة 9/11، والبنتاغون لا يزال يحترق، إن كانت الولايات المتحدة تستطيع ضرب العراق الآن. مات رامسفيلد في 2021، ولكنه قضى وقتاً ممتعاً في بيته الصيفي في خليج تشيزابيك في ميرلاند. وأطلق على مزرعة رامسفيلد اسم “بيت البؤس”، حسب صحيفة “نيويورك تايمز”، فقد كان يملكه مرةً رجل عُرف بسمعته السيئة، واسمه إدوارد كوفي، كانت مهمته معاقبةَ العبيد الذين يعملون لدى مزارعين آخرين. وهناك مقاربة تاريخية بين مالك البيت القديم ورمسفيلد، ويمكن للمرء أن يتخيّل زيارة كوفي وزير الدفاع السابق، ويثمّن جهوده في تعذيب الآخرين.
وهناك كولن باول، وزير الخارجية في حينه، الذي قدّم كلمةً مرتبة أمام مجلس الأمن، وكان يعرف أنه يمارس عملية كذب. وقالت المعلقة في صحيفة “واشنطن بوست” ماري ماكغوري إن كلامه أقنعها، مع أنه كان من الصعب إقناعها مثل فرنسا. ولم تكن ماكغوري تعرف أن باول متخصص بالكذب، وأنه صعدَ في سلك العسكرية بالكذب حول مجزرة ماي لاي في فيتنام، ثم كذبه حول فضيحة إيران- كونترا.
ومات باول عام 2012، ولكنه قضى حياته ما بعد السياسة ثرياً، وظلَّ يجيب على من يسأله حول خطابه في الأمم المتحدة بأنه تعرَّضَ للتضليل من أفراد لم يسمهم.
ولعب جون بولتون، مساعد وزير الخارجية في حينه، دوراً مركزياً في قرار بوش وأكاذيب إدارته بشأن أسلحة الدمار الشامل. فقد أجبر خوسيه بستاني، رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيماوية على الاستقالة. وكانت جريمة بستاني أنه أراد تنظيم عملية تفتيش، والتأكد من امتلاك العراق الأسلحة الكيماوية. وكان بولتون يخشى من فضح المنظمة الكذبة، وأن العراق ليس لديه أسلحة غير تقليدية. وهدّدَ بولتون أولاد بستاني. وكوفئ بولتون على جهوده بتسميته مستشاراً للأمن القومي لترامب. وعانى من بعض الضغوط، وبخاصة أن ترامب لم يكن يفرّق بينه ووزير خارجيته، ويناديه أحياناً “مايك بولتون”.
وفي عصابة حرب العراق، لا بد من ذكر كوندوليزا رايس، مستشارة الأمن القومي التي شرحت، في كانون الثاني/يناير 2003، سبب غزو أمريكا للعراق حتى في ظل الغموض: “لا نريد أن يتحول الدليل القاطع إلى غمامة فطر”. وقرر معهد هوفر المرموق في جامعة ستانفورد تعيينها مديرة له، لأنها الشخص التي أرادها لكي تشغل المنصب، ونظراً “لالتزامها بمبادئ المعهد ومهمته الأساسية في ضمان الأمن والازدهار والحرية”. ويعلق الكاتب ساخراً أن مئات الآلاف من العراقيين لم يكونوا حاضرين للتعليق على هذا البيان.
ومن بين المتهمين بجريمة حرب العراق، ديفيد فرام، كاتب خطابات بوش في البيت الأبيض. وهو الشخص المسؤول عن اختراع مصطلح “محور الشر” الذي ضم العراق وكوريا الشمالية وإيران، وذكره بوش في خطاب حالة الاتحاد عام 2002. وكان وضع العراق وإيران في المحور مثيراً للدهشة نظراً للعداء الأبدي بينهما، لكن فرام لم يلتفت لهذه الحساسية. وبعد تركه البيت الأبيض شارك فرام في كتاب بعنوان “نهاية الشر: كيف ننتصر في حرب ضد الإرهاب”، ولم نستمع لنصيحته، فالشر لا يزال بيننا. وقال في كتابه: “هناك أدلة كثيرة عن برامج واسعة كيماوية وبيولوجية يملكها صدام حسين”. ومنحته مجلة “ذي أتلانتك” مكافأة على جهوده بتعيينه واحداً من كتّابها. وكتب في المجلة مقالة، بمناسبة عشرين عاماً على الحرب، بأن “العراق كان يملك ترسانة القنابل والرؤوس الكيماوية”.
بايدن عقدَ اجتماعات لدعم الحرب، وأصبح من أكثر الأصوات الديمقراطية دعماً للغزو، وهو اليوم الرئيس الأمريكي.
ومن الصحافيين، عليك أنت تقرأ ما كتبه الصحافي ديفيد بروكس في “ديلي ستاندرد”، صوت اليمين في حينه، بعنوان “انهيار قصور الأحلام”، وهو، كما يقول الكاتب، من أكثر الأشياء حماقة التي كتبت باللغة الإنكليزية، إذ قال إن معارضي الحرب على العراق “لم يكونوا قادرين كفاية على فصل عواطفهم من مواقفهم السياسية لكي يروا العالم كما هو”. واكتشفت صحيفة “نيويورك تايمز” هذه الموهبة وعيّنتْه لاحقاً كاتبَ رأي لديها.
وكان جيفري غولدبيرغ، كاتباً في مجلة “نيويوركر”، وكان من أكثر الدعاة المؤثرين للحرب على العراق. واستُخدمت كتاباته في سجلات الكونغرس أثناء النقاش حول تشريع الحرب على العراق في خريف عام 2002. وهو كتبَ في “نيويوركر”: “لا مجال للجدال أن العراق سيحصل على السلاح النووي لو ظل بدون رقابة”، وأن “الجميع يعرفون أن لديه مخزوناً من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية”. وناقش غولدبيرغ، في تشرين الأول/أكتوبر 2002، قائلاً: “تحضّر الإدارة، اليوم، لشن ما يراه الكثيرون، وبدون شك، عدواناً ضيّق النظر، وبدون مبرر. لكنني، وخلال السنوات الخمس الماضية، اعتقدت أن الغزو القادم للعراق سيكون فعلاً ذا أثر أخلاقي عميق”. وأصبح غولدبيرغ محرراً لمجلة “ذي أتلانتك”.
وهناك جوديث ميلر، التي كتبتْ مقالات في صحيفة “نيويورك تايمز” تعدّ الأكثر سذاجة ومدعاة للضحك. وحذّرت فيها من الأثر الفظيع لأسلحة الدمار الشامل العراقية. وكان من أكثر المقالات سذاجة ما قالت إن عالِماً عراقياً أكَّدَ لها أن “الأسلحة غير المشروعة ظلت تقتل حتى ليلة الحرب”. ولم يقم المقال بمقابلة مع العالم، هذا “في الوقت الذي لم تستطع هذه المراسلة مقابلة العالِم، ولكن سُمح لها برؤيته عن بعد”. وبعد ذلك خرجتْ لتقول عبر التلفاز إنهم عثروا على الدليل القاطع. ولم تعاني ميلر، مثل البقية، من عواقب أكاذيبها، فقد استقالت من الصحيفة، بل وطُردت نظراً لمحاكمة مسؤول في إدارة بوش اسمه سكوتر ليبي، وليس لما كتبتْه حول أسلحة الدمار الشامل. وهي لم تخسر، فقد عملتْ في شبكة “فوكس نيوز”، ثم أصبحت عضواً في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.
ولا تنس جو بايدن، فقد كان وقت الحرب سيناتوراً من ديلاوار، ومسؤولاً عن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وعقدَ جلسات اجتماع لدعم الحرب، وأصبح من أكثر الأصوات الديمقراطية دعماً للغزو، وهو اليوم الرئيس الأمريكي. وهناك الآلاف الذين لا يزالون يترفّعون في مناصبهم واستفادوا من الحرب.
القدس العربي