كان المواطنون الأتراك، يوم الأحد الماضي، على موعد مع ليلة انتخابية طويلة لم ينته فيها فرز الأصوات إلا في ساعات الصباح الأولى، حين حسمت النتائج غير الرسمية، مع بقاء قسم من الصناديق القادمة من خارج البلاد قيد الفرز. وحملت تلك النتائج عدداً من المفاجآت التي كسرت توقعات استطلاعات الرأي والأحزاب المشاركة معاً، فيما يلي أهمها:
حقق الرئيس أردوغان نجاحاً كبيراً بحصة من الأصوات اقتربت كثيراً من نصف الناخبين، لكنه فشل في المقابل في تحقيق الفوز بالمنصب الرئاسي الذي من المتوقع أن يحسم في الجولة الثانية بعد أقل من أسبوعين.
وحصل المرشح المنافس، زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو، على نتيجة تجاوزت 45 في المئة من أصوات الناخبين، محققاً بذلك أعلى نسبة تصويت لمرشح المعارضة في تاريخ الانتخابات الرئاسية، لكنه فشل في المقابل في إنجاز ما توقعته استطلاعات رأي كثيرة في الأشهر الماضية، أي الفوز في الجولة الأولى كما كانت تأمل أحزاب المعارضة وتظهر تفاؤلها بتحقيقه.
أما المرشح الثالث سنان أوغان فقد حقق المفاجأة الأكبر بحصوله على نسبة تفوق 5 في المئة من أصوات الناخبين، في حين لم تتجاوز التوقعات بشأنه نسبة 2,3 في المئة. وبذلك سيكون لمن انتخبوه دور حاسم في ترجيح كفة أحد المتنافسين في الجولة الثانية.
هذا بخصوص الانتخابات الرئاسية، فماذا عن نتائج الانتخابات النيابية؟
فشل تحالف الأمة المعارض في تحقيق اختراق كبير على رغم حصول حزب الشعب الجمهوري على أكثر من 25 في المئة من أصوات الناخبين و169 مقعداً في البرلمان، بزيادة مقدارها 2,73 في المئة من نسبة الأصوات و23 مقعداً إضافياً بالقياس على انتخابات 2018. ولكن 36 من هذه المقاعد هي لشركائه في التحالف المعارض الذين قدموا مرشحيهم على قوائمه، وهذا ما يكشف عن تراجع عدد نوابه في البرلمان، ويفسر الزيادة الطفيفة في نسبة التصويت.
جبهة السلطة تحمل الجولة الثانية على محمل الجد بأكثر من جبهة الخصوم الذين سيطر عليهم، في اليوم التالي للانتخابات، جو خيبة الأمل وتبادل الاتهامات وربما اليأس من القدرة على الفوز
غير أن حزب العدالة والتنمية الحاكم لم يحقق نتائج أفضل من منافسه الرئيسي، فقد تراجعت نسبة التصويت لقوائمه من أكثر من 42 في المئة إلى نحو 35 في المئة من أصوات الناخبين، وعدد نوابه في البرلمان من 295 إلى 266 نائباً، محتفظاً بموقع الحزب الأول في البرلمان من حيث عدد نوابه.
وحقق حزب الحركة القومية المتحالف مع الحزب الحاكم مفاجأة بتجاوزه نسبة 10 في المئة من أصوات الناخبين، و50 نائباً في البرلمان، بزيادة نائب واحد عن الانتخابات السابقة، وذلك بخلاف معظم التوقعات التي كانت تدور حول نسبة 7 في المئة أو حتى أقل من ذلك، على رغم دخوله الانتخابات على قوائم مستقلة عن قوائم حليفه الكبير. في حين تراجعت نسبة التصويت للحزب الخيّر تراجعاً طفيفاً من 9,96 إلى 9,75 في المئة من أصوات الناخبين، بالقياس إلى الانتخابات السابقة، ولكن بتخلف كبير عن توقعات استطلاعات الرأي (13-16 في المئة). الأمر الذي يعزوه المعلقون إلى انسحاب زعيمة الحزب مرال آكشنر من التحالف المعارض ثم عودتها إليه في شهر آذار.
أما حزب الشعوب الديمقراطي – الممثل الرئيسي لكرد تركيا – الذي قدم مرشحيه على قوائم حزب اليسار الأخضر، فقد تراجعت نسبة التصويت له من 11,7 في المئة إلى 8,8 في المئة من أصوات الناخبين بالقياس إلى الانتخابات السابقة، مع خسارة 5 مقاعد نيابية.
ودخل البرلمان للمرة الأولى كل من حزب الرفاه مجدداً من تحالف السلطة بخمسة نواب، وحزب العمال التركي من تحالف العمل والحرية بأربعة نواب. كذلك أحزاب السعادة والمستقبل الإسلاميين، والديمقراطية والتقدم الليبرالي الذين قدموا مرشحيهم على قوائم حزب الشعب الجمهوري.
نلاحظ من مجمل هذه الصورة صعوداً لافتاً للتيار القومي. فبحساب نسبة التصويت لكل الأحزاب القومية (التركية) نرى أن حزب الحركة القومية بزعامة دولت بهجلي قد حصل على 10,06 في المئة ، والحزب الخيّر 9,75 في المئة ، وحزب النصر بزعامة أوميد أوزداغ المعروف بعدائه للاجئين 2,25 في المئة ، وحزب الوحدة الكبرى 0,99 في المئة ، بمجموع يفوق 23 في المئة من أصوات الناخبين، وهي نسبة كبيرة بالمقاييس التركية تنبئ بصعود موجة يمينية قومية معادية لكرد البلاد وللأجانب، بخاصة منهم اللاجئين السوريين الذين يقارب عددهم أربعة الملايين. كما أن انقسام ممثلي التيار القومي بين تحالفات عدة ينبئ أنهم سيشكلون جزءاً رئيسياً من السلطة بصرف النظر عن نتائج التنافس بين تلك التحالفات. وسياسياً يشكل هذا الصعود ترجمة سياسية شفافة للتوجهات الاجتماعية من عداء للأجانب والأقليات واقتراب من الكتلة الأوراسية مقابل الابتعاد عن الكتلة الأطلسية في العلاقات الدولية.
أما التيار الإسلامي فقد شهد تراجعاً ملحوظاً بالنظر إلى نسبة التصويت للعدالة والتنمية، وإن كانت الأحزاب الإسلامية الصغيرة تمكنت، بفضل التحالفات، من دخول البرلمان.
يبقى أن حسم اتجاه تركيا، في السياسات الداخلية والخارجية، سيتحدد أساساً بنتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 28 من الشهر الجاري. ويبدو الرئيس أردوغان، للوهلة الأولى، الأوفر حظاً في احتمال الفوز فيها بالنظر إلى تقدمه على أقرب منافسيه بأكثر من أربع نقاط، ولكن أساساً بسبب امتلاكه لكل إمكانات الدولة في معركته الانتخابية. مع ذلك لا يمكن التنبؤ بهذه النتيجة، بسبب تقارب النتائج بين المرشحين، وسيتوقف الأمر على قدرة كل منهما على دفع ناخبيه للإدلاء بأصواتهم للمرة الثانية، وكسب الناخب المتردد أو أولئك الذين صوتوا في الدورة الأولى للمرشح الثالث سنان أوغان. غير أن إضفاء صفة «صانع الملوك» على أوغان قد لا يكون في محله، لأنه لا يملك كتلة ناخبة منظمة يضمن تصويتها في الاتجاه الذي سيحدده لهم. إذ من الممكن أن يمتنع ناخبوه، أو قسم منهم، عن التصويت في الجولة الثانية، أو يتوزعوا بين المرشحين. كما يمكن أن يجد الممتنعون عن التصويت في الجولة الأولى حافزاً يدفعهم للمشاركة، فيساهمون بترجيح هذا المرشح أو ذاك.
مبدئياً يلاحظ أن جبهة السلطة تحمل الجولة الثانية على محمل الجد بأكثر من جبهة الخصوم الذين سيطر عليهم، في اليوم التالي للانتخابات، جو خيبة الأمل وتبادل الاتهامات وربما اليأس من القدرة على الفوز. في حين ستعمل جبهة السلطة بكامل طاقتها على الحشد لضمان فوز مرشحها أردوغان.
القدس العربي