جاء التغيير الأخير في “مجلس الأمن القومي” الإيراني وفقاً للجدول الزمني المعتاد لمثل هذه التعيينات، ويُعتبر الأمين الجديد للمجلس موالياً واضحاً سينصاع على ما يبدو للأوامر الصارمة للمرشد الأعلى.
في 22 أيار/مايو، أعلنت إيران تعيين علي أكبر أحمديان أميناً لـ “المجلس الأعلى للأمن القومي” الذي يتمتع بنفوذ كبير. وكان أحمديان قائداً سابقاً لـ “سلاح البحرية التابع للحرس الثوري” الإيراني، وشغل لاحقاً منصب رئيس “قسم التخطيط الاستراتيجي” في “الحرس الثوري”، وعميد “جامعة الإمام الحسين”، وهو عضو في “مجلس تشخيص مصلحة النظام” منذ أيلول/سبتمبر 2022. وحل أحمديان الآن محل علي شمخاني الذي انتهت فترة عمله كأمين لـ “المجلس الأعلى للأمن القومي” قبل ثلاثة أشهر فقط من المدة الزمنية المعتادة البالغة عشر سنوات لمثل هذه التعيينات.
وعيّن الرئيس إبراهيم رئيسي، الرئيس الشكلي لـ “المجلس الأعلى للأمن القومي”، رسمياً أحمديان أميناً للمجلس وذلك وفقاً للممارسة المتبعة. والأهم من ذلك، عيّن خامنئي على الفور أحمديان كأحد ممثليه في المجلس، مما منحه حقوق التصويت وخط اتصال رسمي مباشر مع المرشد الأعلى. وتجدر الإشارة إلى أن الممثل الآخر لخامنئي في المجلس هو المتشدد الموالي الآخر، سعيد جليلي، الذي شغل منصب أمين “المجلس الأعلى للأمن القومي” بين عامَي 2007 و 2013 وقاد المفاوضات النووية الإيرانية خلال تلك الفترة.
وفي مرسوم منفصل، شكر خامنئي شمخاني على خدمته وعيّنهمستشاراً سياسياً وعضواً في “مجلس تشخيص مصلحة النظام”. ودحضت هذه الخطوة الشائعات القائلة بأن شمخاني فقد تأييد خامنئي، على الأقل في الوقت الحالي. فبعض المراقبين يعتبرون تعيينات “مجلس تشخيص مصلحة النظام” والتعيينات الاستشارية بمثابة “مدارات انتظار” للأصول المستهلكة التي ستظل تحت المراقبة طالما رافقتها حراسة أمنية. وفي الأشهر الأخيرة، هاجم المتشددون والشخصيات المناهضة للنظام على حد سواء شمخاني وعائلته بشكل متزايد على خلفية تكديسهم لثروة كبيرة من أعمال البناء والبتروكيماويات والشحن المشبوهة. وفي وقت تتدهور فيه نوعية حياة معظم الإيرانيين بسبب انخفاض الدخل وارتفاع التضخم، يُتهم شمخاني وعائلته بالاستفادة من الريع التفضيلي للحكومة تحت ستار خرق العقوبات. على سبيل المثال، في معرض ما تم تسريبه كما يُزعم عن إجراءات اجتماع عُقد في كانون الثاني/يناير بين خامنئي وكبار مسؤولي الأمن، تعرّض شمخاني لانتقادات مباشرة بسبب نمط حياة أبنائه القائم على البذخ.
من هو أحمديان؟
وُلد أحمديان في عام 1961 ونشأ في كرمان، وكان يتدرب ليصبح طبيباً بيطرياً قبل أن ينضم إلى ثورة عام 1979 ويقاتل في الحرب العراقية الإيرانية. وقد صوره المرصد السياسي في عام 2018 على أنه مهندس رئيسي لعقيدة الحرب البحرية غير المتكافئة لـ “الحرس الثوري” الإيراني عندما ترأس هيئة الأركان المشتركة في “سلاح البحرية” التابع “للحرس الثوري” الإيراني. ووفقاً لبعض التقارير، شارك في تكييف القدرات البحرية الآخذة في التوسع التي تتمتع بها هذه القوة بهدف مواجهة الوجود الإقليمي للولايات المتحدة والتخطيط لتدريبات بحرية واسعة النطاق عند قيادته “سلاح البحرية” التابع “للحرس الثوري” الإيراني بين عامي 1997 و 2000. ولكن المعلومات الداخلية التي برزت منذ ذلك الحين تقدم صورة أوضح وأقل إيجابية عنه، إذ تصوره على أنه موظف بيروقراطي وسياسي انتهازي ودقيق أكثر من كونه قائداً ميدانياً محنكاً للعمليات. وتعكس مقالاته الأكاديمية القليلة المتاحة على الإنترنت بشكل أساسي آراء المرشد الأعلى بشأن تصورات التهديد و”الإدارة الجهادية”. كما حاول الجمع بين مفاهيم الحرب غير المتكافئة وتلك المكرسة للشيعةلابتكار مفهوم قتالي جبار في خطاب ألقاه عام 2009.
وتمكن أحمديان بسرعة وبفضل ولائه المطلق من إقامة روابط مع مكتب المرشد الأعلى، وتجاوز التسلسل القيادي، وتقديم تقارير مباشرة إلى خامنئي، مما عزز مكانته في “الحرس الثوري” الإيراني. فلم يكن مفاجئاً أن يختاره خامنئي لاحقاً كرئيس لـ “هيئة الأركان المشتركة” في “الحرس الثوري” الإيراني في عام 2000، ليحل محل رئيسه السابق حسين علائي، الذي كان يخسر تأييد المرشد الأعلى جزئياً بسبب تقارير أحمديان. وانطلاقاً من دوره هذا، يُقال إن أحمديان قام بتطهير “الحرس الثوري” الإيراني من القادة الإصلاحيين، وذلك بالتعاون الوثيق مع حليفه المقرب ماجد مراحمادي، الذي يشغل حالياً منصب نائب وزير الداخلية للشؤون الأمنية وشؤون الشرطة وكذلك سكرتير الأمن في “المجلس الأعلى للأمن القومي”.
وفي عام 2007، فرض “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أحمديان بصفته قائداً في “الحرس الثوري” الإيراني وفقاً لـ “قرار مجلس الأمن رقم 1737″، وسرعان ما حذا حذوه “الاتحاد الأوروبي” وأستراليا واليابان. وتم استبدال هذا القرار في عام 2015 بـ “القرار رقم 2231” الذي أدرج أحمديان كأحد الأفراد المتعددين المشاركين في جهود الانتشار النووي الإيرانية ووجه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتجميد أصوله حتى 18 تشرين الأول/أكتوبر 2023. لذلك، لا يزال يتعين عليه من الناحية التقنية مواجهة بعض القيود على السفر على الأقل حتى ذلك التاريخ.
ما الذي ينتظر “المجلس الأعلى للأمن القومي”؟
وفقاً “للمادة 176″ من الدستور الإيراني، فإن “المجلس الأعلى للأمن القومي” مكلف بتأمين المصالح الوطنية، وحماية الثورة الإسلامية، والحفاظ على وحدة أراضي الجمهورية والسيادة الوطنية من خلال تحديد السياسات الدفاعية والأمنية ضمن المبادئ التوجيهية التي حددها المرشد الأعلى. ويستلزم ذلك تنسيق جميع الأنشطة التي تؤثر على الدفاع الإيراني (وهجومه) واستخدام جميع الموارد لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. ويرأس المجلس رئيس الجمهورية ويحضره رؤساء الفروع الأخرى للحكومة، ورئيس هيئة الأركان المشتركة في القوات المسلحة، ورئيس شؤون الميزانية، ووزراء الخارجية والداخلية والاستخبارات، وممثلان عن خامنئي، وعند الحاجة، قادة الجيش النظامي المعروف بـ “أرتش” و”الحرس الثوري” الإيراني.
وكما سبقت الإشارة، فإن الرئيس هو المسؤول الرسمي عن “المجلس الأعلى للأمن القومي”، ولكن الأمين هو العضو الثابت الأعلى رتبة. ويشرف الأمين بصفته الممثل الأعلى للمرشد الأعلى في المجلس على قرارات المجلس وكيفية تنفيذها، كما لديه عدد من النواب.
وانتقدت المعارضة الإيرانية وجماعات حقوق الإنسان “المجلس الأعلى للأمن القومي” بشدة في السنوات الأخيرة. ففي عام 2021، اتهموه بالفشل في فرض منطقة حظر طيران فوق غرب إيران ووسطها في وقت تصاعدت فيه التوترات العسكرية مع الولايات المتحدة، مما أسفر وفقاً لبعض التقارير عن إسقاط طائرة مدنية أوكرانية بالقرب من طهران ظنت وحدة دفاع جوي بالخطأ أنها طائرة انتقامية أمريكية. وخلال الاحتجاجات الجماهيرية التي اجتاحت إيران في الأعوام 2019 و 2022-2023، اتُهم المجلس بإصدار أوامر لعناصر الأمن بإطلاق النار على المتظاهرين الشباب، مما أدى إلى سقوط آلاف القتلى والجرحى.
وفيما يتعلق بنوايا إيران النووية، انتُزع هذا الملف من “المجلس الأعلى للأمن القومي” عندما أصبح شمخاني أميناً للمجلس عام 2013، وقادت وزارة الخارجية المفاوضات النووية بعد ذلك. ومع هذا، لا يزال شمخاني يُعلّق على حالة المحادثات النووية في نقاط مختلفة. على سبيل المثال، في 22 أيار/مايو 2018 – بعد وقت قصير من انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 – أعلن أن إيران لن تتفاوض تحت أي ظرف من الظروف على اتفاق نووي جديد مع الغرب. لذلك، من غير الواضح ما إذا كان خامنئي سيأمر أحمديان بتمهيد الطريق لاستئناف المفاوضات المتوقفة حالياً. ففي ملاحظات أدلى بها المرشد الأعلى مؤخراً، شدد في وجهة نظره حول “المرونة البطولية” التي أظهرها من خلال سماحه بإجراءمحادثات جديدة في المقام الأول – أي أنه أعاد تعريف عملية التفاوض على أنها مجرد وسيلة مؤقتة لتجاوز العقبات في الأهداف النهائية غير المحددة لطهران. (لمزيد من المعلومات حول كيفية تأثير فكرة “المرونة البطولية” على استراتيجية الردع الإيرانية، راجع المرصد السياسي 2512).
وعلى صعيد آخر، كان “المجلس الأعلى للأمن القومي” مسؤولاً رسمياً عن المفاوضات الأمنية مع الدول المجاورة، بما في ذلك المحادثات الأخيرة مع المملكة العربية السعودية بوساطة صينية. ولكن لا تزال الشكوك قائمةبشأن نوايا إيران لجهة التقارب مع الرياض على المدى الطويل. وخلال الاجتماع المذكور أعلاه الذي عقده خامنئي في كانون الثاني/يناير مع كبار مسؤولي الأمن، يُزعم أنه ذكر “قرار” «المجلس الأعلى للأمن القومي» بتنفيذ تحوّل سلوكي مؤقت في المنطقة من أجل تخفيف الضغط على النظام في الداخل، “حتى يحين الوقت لإنهاء الأزمة الحالية [في إشارة إلى الاحتجاجات الجماهيرية التي بدأت في أيلول/سبتمبر الماضي] باستخدام إجراءات أكثر صرامة وحتى أكثر سرية وتحقيق الاستقرار”. ولم يوضح التسريب المزعوم ما قد يترتب عليه مثل هذا التحوّل، علماً أنه لا يتم الإعلان أبداً عن مداولات “المجلس الأعلى للأمن القومي” بشأن هذه الأمور وغيرها.
الخاتمة
يبدو توقيت ترقية أحمديان غير ملفت، إذ أنه وقت عادي من العام لخامنئي لإجراء التعيينات السياسية، وكان شمخاني قد أكمل العقد العادي من ولايته في هذا المنصب. بالإضافة إلى ذلك، فإن أحمديان شديد الولاء لخامنئي وابنه مجتبى، مما يمنح المرشد الأعلى المزيد من الطمأنينة بأن أمين “المجلس الأعلى للأمن القومي” سوف يتبع تعليماته بدقة. والأمر الأكثر أهمية هو التدفق المستمر للأدلة حول نوايا خامنئي الواضحة – أي أن إظهاره الأخير للمرونة في المنطقة هو محاولة محسوبة لنزع فتيل أزمات النظام في الداخل، في حين أن تصريحاته المتشددة وتعييناته لا تظهر أي علامة على التسوية في الملف النووي أو التهدئة الإقليمية طويلة المدى.
فرزين نديمي