ما وراء قرع أنخاب مقايضة النفط العراقي بالغاز الإيراني؟

ما وراء قرع أنخاب مقايضة النفط العراقي بالغاز الإيراني؟

لم تمر أكثر من أربع وعشرين ساعة، بعد العاشر من يوليو، على إطلاق رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني تصريحا باليستي عابر للغاز الإيراني، متجها صوب بديل عربي.. و آخر من آسيا الوسطى (قطر وتركمانستان)، حتى عادت تصريحاته للتدفُّق في أنبوب النفوذ الإيراني، معلنا صفقة مقايضة نفط البلاد الخام والأسود مقابل الغاز الفارسي.

الرئيس محمد شياع السوداني، كشف أيضا، بالتزامن مع الانقلاب القطري – التركمانستاني، ثمّ العودة إلى التوقيت الإيراني، وعبر الاجتماع الدوري لكابينته الحكومية، الأسبوع الماضي، الموافقة على استيراد الغاز من حقل “كورمور” العراقي! وهو حقل غاز “حر”، أي إنّ استخراجه ليس مُصاحِبا لاستخراج النفط، يقع في السليمانية، تحت عُهدة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. طبعا، معظم حقول الغاز “الحر”، في إقليم كردستان العراق، تقع في القبضة الجغرافيَّة لـ “اليكتي”، بعيداً عن أربيل.

صفقة المقايضة، وشراء الغاز من “كورمور”، كلاهما صالحان ليكونا أنبوبا، لتمرير بعض الفهم، عن دوافع الأولى، وبعض النتائج المتوقعة من تطبيقها. إذا ما هو الدافع وراء مُقايضة، تبدو أنها تُصيب أقدام التحليل، بـ “فلات فوت”، و يجعلها غير قادرة على تحريك جسد الفهم؟

العلاقة الوثيقة بين طهران و”اليكتي”، استطاعت ضرب عرض الجدار الإيراني بالدستور العراقي، خاصَّة أنَّ رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي كان قد تهكم من إمكانية تصدير الإقليم للغاز

نبدأ أولا، إن كانت هناك آثار جانبية، من استخدام طهران للنفط العراقي (خامه و أسوده). المتحدث باسم الجمارك الإيرانية روح الله لطيفي كان قد صرّح، بأنّ العراق استورد “34 ألف طن من البنزين، من مارس وحتى يونيو الماضيين”. هذه الكمية تُغطَّي تقريباً العجز العراقي الشهري، البالغ “15 مليون لتر” منه، بحسب تقييم شركة النفط الوطنية العراقية، والتي بيّنت كذلك أنّ “حاجة البلاد تصل إلى 30 مليون لتر، شهريا”.

العراق وبحسب بيانات هذه المؤسسة، استورد ما قيمته “3 مليارات دولار أميركي، من المشتقات النفطية في 2021، كي يغطي الطلب المحلي عليها. إضافة إلى إنفاق العراق ما قيمته 2.1 مليار دولار أميركي كدعم للمنتجات النفطية، خاصة البنزين والنفط الأبيض”.

إيران كذلك تُصدِّر ما يُقارب الـ3 ملايين لتر من وقود الديزل إلى العراق، ولا يُعرف إن كانت قد وصلت إلى طموحها بتصدير 5 ملايين لتر منه إلى البلاد. عموما، وبحسب حديثي مع لؤي الخطيب، الذي مسك حقيبة وزارة الكهرباء، في زمن رئيس الحكومة الأسبق عادل عبدالمهدي، فإنّ مقدار الدعم الحكومي لقطاع الكهرباء وصل إلى 20 مليار دولار أميركي في 2023. هكذا، نستطيع و بكلِّ أريحيَّة أن نستنتج بأنّ الدعم الحكومي للقطاع الكهربائي، والمشتقات النفطية، مُحيط من الدولارات، تمخرهُ قوارب الفُرص الإيرانية، السريعة جدا.

إيران في صفقة المقايضة سوف تُسيطر بنسبة أكبر على الدعم الحكومي لقطاع الكهرباء. ارتفاع نسبة سيطرتها سيحدث بالتحكُّم في “شركات الوساطة” المحليَّة، والتي تشتري الوقود من الحكومة العراقية، لتُعيد بيعه إلى وزارة الكهرباء العرقية، وبالتالي، سيطرتها على سوق الكهرباء، المعروف عراقيّا بـ”المولِّدات الأهليَّة”.

حجم خسارة وزارة الكهرباء، وبحسب تغطية مؤسسة “تشاثام هاوس”، للفترة من 2003 إلى 2011، يُقدَّر بـ200 مليون دولار شهريا. لهذا لم يكُن غريبا أن يُعلن مصدر من سومو أنها وبحسب صفقة المقايضة الأخيرة ستقوم بـ”بيع النفط الخام وزيت الوقود إلى شركات مُختارة من قبل إيران”. “شركات الوساطة”، أغلبُها واجهات لشراكة مسؤولين حكوميين، مع الشركات الأجنبية، التي لا يمكنها نيل العقود بدونهم. الخبير النرويجي العراقي الأصل أحمد موسى جياد، وفي رسائلٍ متبادلة بيننا، اعتبرها دليلا على “حوكمة اللصوص” في إدارة البلاد.

إيران ستستفيد كذلك من استخدام هذه الصفقة لتسويق المزيد من نفطها الأسود، بغطاء النظير العراقي. هذا الاحتيال الإيراني كُشف عنه لأولِّ مرَّة في مارس 2020. طهران استخدمت خور الزبير العراقي لهذا النشاط. يُساعِدها في ذلك عدم وجود عقوبات أميركية مُحدَّدَة على تصديرها لـ”النفط الأسود” عن طريق طرف ثالث.

وارد جدا، أن تفكِّر إيران، نتيجة ارتفاع مخزون النفط الأسود لديها، بفضل صفقة المقايضة، في إقناع الحكومة العراقية، بإنشاء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية، باستخدام هذا النوع من الوقود، لترفع بذلك حصَّة ما تبيعه من كهرباء. هي تبيع حاليا 1200 ميكا واط للبلاد. طبعاً، هناك شركات إيرانية مثل “مابنا”، تحصل على نسبة ثمان وسبعين في المئة! من عوائد بيع الكهرباء لشركة غاز البصرة، أي إننا نتحدَّث هنا عن توسع، لا المبدأ المعمول به أصلا.

صفقة المقايضة، لا تُسبِّب تأثيرات جانبيَّة إذاً على طهران. ولكن ما الدافع الحقيقي لسماحها بأن يُزاحم غاز “كورمور” العراقي غازها الآري؟

رئيس الحكومة أعلن شراء الغاز من حقل “كورمور، الواقع في السليمانيَّة. هذا ليس جديدا من ناحية المبدأ. الاختلاف الوحيد، هو التصريح عنه بصيغة أكثر مباشرة وتزامنا مع الإعلان عن صفقة المقايضة.

عند كشط سطح البيان الرسمي، فإنَّ الطبقة الأعمق منه ستكشف لنا أنَّ ما تقوم به الحكومة يعطي القوى المتنفِّذة في الإقليم، ومنها حزب “اليكتي”، “سابقة قانونية”، بالتعامل مع حقول الغاز فيها كملك صرف.

الغاز اليراني

العلاقة الوثيقة بين طهران و”اليكتي”، استطاعت ضرب عرض الجدار الإيراني بالدستور العراقي، خاصَّة أنَّ رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي كان قد تهكم، في تصريحٍ سابق، من إمكانية تصدير الإقليم للغاز قَصَدَ أربيل تحديدا، بدون تشريع قانون النفط والغاز!

يُفسِّرُ ذلك، حرارة بعض المحطات الفضائية المحلية، التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني “البارتي”، بدعوة بغداد، تلفازيا، في الأيّام الماضيَّة، إلى شراء الغاز من الإقليم، تحديدا أربيل، بدلا من إيران، لكي يُصبح ذلك سابقة، تُضاف إلى سياسة الأمر الواقع “الهورامية” – نسبة إلى وزير الموارد الطبيعية الأسبق في الإقليم آشتي هورامي – في التعاطي مع موارد الطاقة العراقية. عدم الاستجابة للدعوة، دفع بلبل “البارتي” الفضائي إلى تسريب فضيحة سرقة إيران للنفط من الحقول المشتركة مع العراق، وبما يُعادل 17 مليار دولار سنويا.

أضعف الإيمان المتوقع أن سعر غاز “كورمور” لن ينخفض كثيرا عن سعر المليون وحدة حرارية بريطانية، التي تبيعُها طهران للعراق! وبذلك سوف تكون إيران قادرة، عبر حليفها، على إبقاء سيطرتها على سوق الغاز العراقي، وفي المستقبل، عبر الوكلاء المحليين. أمّا مزاعم عدم دفع الحكومة العراقية لإيران ما تشتريه من غاز، فهو لا يمكن تأطيره إلّا بالكذب الفج. وزير الكهرباء العراقي كان قد أعلن في يونيو الماضي إنَّ الحكومة العراقية دفعت كُل المستحقات!

إيران وبحسب “الفايننشال تريبيون”، تُنتج “850 مليون متر مكعب من الغاز يوميا. وهي تستطيع تصدير عشرة في المئة منه، فقط. أي 85 مليون متر مكعب”. أيضا، وبسبب عقودها التصديرية للغاز مع دول أُخرى، مثل تركيا وأرمينيا، وتنامي حاجتها محليا، هي كانت وما زالت غير قادرة على تلبية احتياجات العراق البالغة 50 – 55 مليون متر مكعب يوميا، بناء على هذه المعطيات.

سعر شراء الغاز الإيراني من قبل العراق، يبقى لغزا محيّرا. يعتمد سعر الشراء، عراقيا، وبحسب لؤي الخطيب، على معادلة “إحدى عشرة في المئة من معدل بيع برميل نفط برنت الخام لستة أشهر، تُضاف إليه نسبة 0.08”. هذه المعادلة تجعل العراق يدفع 11.23 دولارا أميركيا، بحسب أحد الخبراء السياسيين.

الخطيب، والذي عمل في عدَّة شركات نفطية عالميَّة، قبل استيزاره، قام بجراحة تفسيرية للمعادلة، “إنَّها مُتغيَّرة، لأنها تعتمد على عوامل عديدة، مثلا، إن كان تصدير الغاز، يتم عبر ناقلات الـ:أل.أن.جي أو عبر الأنابيب، والمسافة، وكُلف تكثيفه عند مراكز التصدير، ثم إعادة تسييله عند مراكز الاستلام، والكميات المُشتراة”. الخطيب، اقترح هذه المقارنة للتوضيح “لو استوردت الحكومة العراقية الغاز من قطر، كما أعلنت قبل أيام، فإنها ستدفع ضعف ما تدفعه لإيران، مقابل كل مليون وحدة حرارية بريطانية“.

صفقة المقايضة، لا تُسبِّب تأثيرات جانبيَّة إذاً على طهران. ولكن ما الدافع الحقيقي لسماحها بأن يُزاحم غاز “كورمور” العراقي غازها الآري؟

حمزة الجواهري، وهو خبير نفطي، رأى أنَّ سعر الشراء “مجحف جداً”، وأنَّ المعادلة السعرية المُرتبطة بالنفط الخام “قد هجر العالم استخدامها”. أُشير إلى أنَّه وبسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن معظم دول العالم فضَّلت اعتماد معادلة سعريَّة مُرتبطة بسعر برميل نفط برنت الخام، وبعقود طويلة الأجل، تضمن استقرار الأسعار. وعن السعر المناسب للغاز الإيراني، بحسب الجواهري، “2.50 دولار لكل مليون وحدة حرارية، مثلما كانت تبيعه روسيا لألمانيا، قبل الحدث الأوكراني”. أمّا عن كُلفة استيراد الغاز من قطر، وباستخدام ناقلات الـ”أل.أن.جي”، علَّق “سعر المليون من الوحدة سيكون أقل من سعر شراء نظيره الإيراني”.

قصر المسافة بين العراق وإيران، وصعوبة تصنيف نوعية “العقود الآجلة” بين العاصمتين، حيث إن العقود طويلة الأجل هي للمدَّة التي تتجاوز الخمس سنين، يجعلنا نرى أنها عقود “قصيرة الأجل”، والتي تتراوح مدّتها عادة من 1 – 4 سنوات. إضافة إلى عدم وجود عقوبات على الجانب الإيراني، في حال عدم توريده لكمية الغاز المتفق عليها مع الجانب العراقي، وتوضيح الجانب العراقي لطريقة الدفع. أي وكمثال: هل يتم الدفع بعد كُل ستة أشهر أو سنة أو.. إلخ؟ تخبرنا وبالفصيح: إنَّ عقد الغاز بين العراق وإيران، هو عقد مبني على البركة المذهبية. ولهذا ربّما جُدِّدَ العقد، في مايو الماضي، لخمس سنين جديدة، رغم أن الحكومة العراقية كانت قد زعمت في 2023، شرقا وغربا، بأنها ستصل بالبلاد إلى الاكتفاء الغازي، بعد ثلاث سنين!

بقي لي التذكير بأن الغاز الإيراني يؤثِّر على ما نسبته خمسة وأربعين في المئة من كهرباء العراق، التي لا تتجاوز الـ15 ألف ميكا واط، بحسب تقديرات خبير الطاقة هاري استيبانيان، المنشورة في الثامن والعشرين من مايو 2021، والتي زعمت الحكومة أنَّها 26 ألف ميكا واط في 2023.

التصريحات الرسمية عن النفط والكهرباء في العراق عموما، “كلام لا يدفع الضرائب”. استقالة الحكومة كمثال، أو الصمت عن صدقها الفاضح جداً! كتوضيحها أن “أحد أسباب صفقة المقايضة هو لتصريف الـ450 ألف برميل من نفط كردستان العراق، والتي نصَّت عليها موازنة 2023، المُتعذَّر حالياً تصديرها إلى تركيا”. رغم أن أربيل بدأت منذ الخامس والعشرين من يونيو الماضي بتسليم 50 ألف برميل لا غير! وإنَّ مكافحة الفساد في الأنبار لا علاقة لها بحقل عكَّاز الغازي، أو أن تدهور ديالى الأمني لا علاقة له بحقل المنصورية.

العرب