لا يزال لبنان الغارق في انهيار اقتصادي مزمن بعيداً عن استخراج موارد النفط والغاز، إن وجدت، وفق ما يقوله خبراء. وفي بلد يستشري الفساد في مؤسساته، ويُتهم مسؤولوه بنهب المال العام، يتساءل كثيرون عما إذا كان استخراج تلك الموارد سيعود على الدولة بأرباح تساعد اقتصادها على النهوض.
بيروت – تراهن الطبقة السياسية في لبنان على عائدات نفطية لإنعاش موازنتها المالية المنهارة وإنقاذ اقتصادها الذي يوشك على الانهيار، إلا أن خبراء يؤكدون أن بيروت على بعد سنوات من استخراج النفط والغاز إن وجد. ويقول مراقبون إن الطبقة السياسية الفاسدة التي أوصلت لبنان إلى وضع اقتصادي منهار ستعيد التلاعب بالعائدات النفطية المحتملة، إذ أن أزمة لبنان أكبر من أن تحلها عائدات نفطية.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن أزمة لبنان الحقيقية هي الطبقة السياسية الفاسدة والفساد المحمي بالسلطة وبالقانون في الكثير من الأحيان، وهو ما يجعل إنقاذ لبنان مهمة شبة مستحيلة في ظل تواصل تحكم هؤلاء في مؤسسات الدولة. وستبدأ أعمال الحفر في البلوك رقم 9 البحري في لبنان غدا الخميس للتنقيب عن النفط والغاز بعد اتفاق تاريخي توسطت فيه الولايات المتحدة العام الماضي بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل لأول مرة.
وقال وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض الثلاثاء إنه سيكون “نهارا تاريخيا” للبلد الذي يعاني من أزمة مالية. وتقود شركة توتال إنرجيز الفرنسية اتحاد الشركات القائم على أعمال الحفر في البلوك رقم 9 وتعاونها شركة النفط الإيطالية العملاقة “إيني” وشركة قطر للطاقة المملوكة للدولة. وأعرب رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري الثلاثاء عن أملهما في أن تحمل الأيام المقبلة بداية لإزاحة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان.
وقام ميقاتي وبري بجولة تفقدية الثلاثاء إلى منصة الحفر للتنقيب عن النفط والغاز في الرقعة التاسعة بالمياه الإقليمية اللبنانية لمواكبة انطلاق العمل اللوجستي، واطلعا على الاستعدادات اللوجستية لبدء أعمال الحفر. وقال ميقاتي في تصريح صحفي “في هذه المناسبة المهمة التي يشهدها لبنان، فإننا نتطلع بأمل لأن تحمل الأيام المقبلة بوادر خير تساعد لبنان على معالجة الأزمات الكثيرة التي يعاني منها”.
وبدوره قال بري إنه يأمل ألا “تنقضي بضعة أشهر إلا ويمنّ الله على لبنان بدفق من كرمه، مما يشكل بداية لإزاحة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان وشعبه وكذلك بتوافق اللبنانيين على انتخاب رئيس يقوم بدوره كبداية لحل سياسي نتخبط فيه”. وأشار النّائب إبراهيم منيمنة إلى أنّ “في قول رئيس مجلس النّواب نبيه بري وتمنّياته أن يشكّل استخراج الغاز المحتمَل بداية إزاحة الأزمة الاقتصادية، صُلب الخلاف السّياسي مع هذه الطّبقة، الّتي لا ترى في ثروات البلد إلّا دجاجة تبيض ذهبًا، لتغطية فساد الطبقة السّياسيّة ورهاناتها وسياساتها الماليّة”.
وتوجّه، في تصريح عبر مواقع التّواصل الاجتماعي، إلى برّي قائلًا “الأزمة ليست قضاءً وقدرًا، ولن نسمح بالسّطو على مقدّرات الأجيال المقبلة، كما تمّ السّطو على مستقبل جيل كامل”. وكانت باخرة التنقيب عن النفط والغاز وصلت إلى النقطة المحدّدة لها في البلوك رقم تسعة في المياه الإقليمية اللبنانية الأربعاء الماضي.
وكان مجلس الوزراء اللبناني وافق على منح تراخيص لاستكشاف النفط والغاز لثلاث شركات هي “نوفاتيك” الروسية و”إيني” الإيطالية و”توتال” الفرنسية، في ديسمبر من عام 2017 في كل من الرقعتين الرابعة شمال بيروت والتاسعة جنوب لبنان. ووجّهت شركة “نوفاتيك” الروسية كتاباً إلى وزارة الطاقة اللبنانية في يونيو 2022، تبلغها فيه بأنها لم تعد ترغب في الاستمرار بالتزاماتها التعاقدية من ضمن حصّتها البالغة 20 في المئة من العقد الموقع مع تحالف الشركات الملتزمة باستكشاف الرقعتين.
وتم في 29 يناير الماضي توقيع الملحقين التعديليين لاتفاقيتي الاستكشاف والإنتاج في الرقعتين بمناسبة دخول شركة “قطر للطاقة” كشريكة لـ”توتال إنيرجيز” و”إيني”. وأصبحت نسب المشاركة في كل اتفاقية من الاتفاقيتين كالتالي: “توتال إنيرجيز” 35 في المئة، و”إيني” 35 في المئة، و”قطر للطاقة” 30 في المئة، وتتراوح حصة لبنان في حال اكتشاف النفط والغاز ما بين 54 و63 في المئة بعد حسم الكلفات التشغيلية والرأسمالية.
وتتضمن المياه البحريّة اللبنانيّة 10 رقع أو بلوكات، تُعرَض للمزايدة تباعاً خلال دورات التراخيص التي تنظّمها الدولة اللبنانيّة. ويقول الباحث في معهد عصام فارس بالجامعة الأميركية في بيروت مارك أيوب “التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود خطوة إلى الأمام، لكنه لا يعني أن لبنان أصبح دولة منتجة للغاز أو النفط”.
ويوضح “نتحدّث عن إطار زمني من خمس إلى ست سنوات قبل أول (استخراج) غاز” في حال تمّ العثور على مكامن تجارية صالحة، واصفاً التقدير الزمني بأنه “متفائل”. ومع ارتفاع الطلب على الغاز عالميا، على وقع أزمة الطاقة التي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا، يأمل لبنان أن يسهم أي اكتشاف بحري في التخفيف من حدة الانهيار الاقتصادي.
◙ نتحدّث عن إطار زمني من خمس إلى ست سنوات قبل أول استخراج غاز في حال تمّ العثور على مكامن تجارية صالحة
لكن بعد مرور أكثر من عقد من الزمن على إعلان حدوده البحرية ومنطقته الاقتصادية الخالصة، لا يملك لبنان اليوم دلائل على احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي. ووجدت عملية تنقيب أجراها ائتلاف شركات “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية عام 2020 في إحدى الآبار آثار غاز فقط، من دون العثور على مكامن تجارية.
ويشرح أيوب أن الاتفاق “يسمح باستمرار أنشطة التنقيب البحرية، لكنه لا يعني أن لبنان أصبح ثرياً.. أو أن أزمته قد تمّ حلّها”. وقدّر مسح زلزالي أجرته شركة “سبكتروم” البريطانية لمنطقة بحرية محدودة في عام 2012 احتياطيات الغاز القابلة للاستخراج في لبنان بـ25.4 تريليون قدم مكعبة. وأعلنت السلطات اللبنانية بدورها عن تقديرات أعلى.
وستشكل الرقعة رقم 9 حيث يقع حقل قانا منطقة رئيسية للتنقيب من قبل شركتي توتال وإيني اللتين حصلتا في 2018 مع شركة روسية على عقود للتنقيب عن النفط والغاز، قبل أن تنسحب الأخيرة العام الحالي. ويضيف أيوب “إذا كان لدينا اكتشاف فلن يستغرق الأمر بعده أقل من ثلاث إلى خمس سنوات” قبل أن يبدأ الإنتاج.
ويفترض هذا التقدير الزمني وفق أيوب عدم وجود أي عرقلة أو تأخير من جانب السلطات اللبنانية، المتهمة على نطاق واسع بالفساد والفشل في إدارة أزمات البلاد المتلاحقة وصولاً إلى الانهيار الاقتصادي الذي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.
العرب