الجانب المظلم للذهب الأسود: النفط، وعدم الاستقرار، والركود الاقتصادي

الجانب المظلم للذهب الأسود: النفط، وعدم الاستقرار، والركود الاقتصادي

الباحثة شذا خليل*
يعتبر الذهب الأسود، أو ما يُعرف بالنفط، رمزًا قديمًا للرخاء والقوة. فهو السلعة الأكثر تداولًا في العالم، وقد حقق أكثر من 1.7 تريليون دولار من العائدات للدول المصدرة في العام الماضي وحده. ومع هذا التدفق الهائل للثروات من باطن الأرض، قد يتوقع البعض أن تكون الدول الغنية بالنفط في طليعة التصنيفات العالمية من حيث التنمية والرخاء ورفاهية المواطنين. لكن الواقع، خاصة في العراق وكثير من دول الشرق الأوسط، يقول غير ذلك.

بين الإمكانات والمخاوف

رغم أن النفط يمتلك القدرة على دفع عجلة التقدم، إلا أنه في كثير من الأحيان يصبح مصدرًا للقلق وعدم الاستقرار. فأسعاره مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأسواق العالمية المتقلبة، مما يجعل الاقتصادات المعتمدة عليه عرضة لهزات مفاجئة في الأسعار. وفي دول مثل العراق، حيث تعتمد الميزانية بشكل شبه كلي على صادرات النفط، تشكل هذه التقلبات تحديات مالية كبرى وتعوق أي تخطيط للتنمية المستدامة.

المفارقة العراقية

يعد العراق من أغنى الدول من حيث احتياطات النفط المؤكدة، إذ يشكل النفط أكثر من 90٪ من إيرادات الحكومة. ومع ذلك، لا يزال الملايين من العراقيين يعيشون في فقر، ويعانون من انقطاعات الكهرباء، وضعف خدمات المياه والتعليم. وقد أدت عقود من الفساد وسوء الإدارة، بالإضافة إلى عقود تأجير غير منصفة، إلى استفادة فئة صغيرة فقط من ثروات البلاد، بينما يُستثنى غالبية الشعب من نصيبهم من هذه الثروات.

كما أن سنوات من الحروب والانقسامات السياسية جعلت من قطاع النفط في العراق هدفًا للعنف والاستغلال، وبدلًا من أن يُستخدم النفط كأداة لإعادة الإعمار والتحديث، غالبًا ما تُهدر عائداته في نفقات غير واضحة أو تُسخّر لأغراض سياسية قصيرة الأجل.

لعنة الموارد

يشير الاقتصاديون منذ فترة طويلة إلى ما يُعرف بـ”لعنة الموارد”، وهو مصطلح يصف التناقض الذي تعاني منه الدول الغنية بالموارد الطبيعية، إذ تسجل غالبًا نموًا اقتصاديًا بطيئًا ومؤسسات ديمقراطية ضعيفة. ويبدو هذا جليًا في دول عديدة مثل العراق وليبيا وفنزويلا. فالمشكلة ليست في النفط بحد ذاته، بل في كيفية إدارته.

إيرادات النفط تميل إلى تركيز السلطة وتقلل من حاجة الدولة إلى فرض الضرائب، مما يضعف العلاقة التعاقدية بين المواطن والدولة، ويؤدي إلى تراجع المساءلة العامة. كما يؤدي الاعتماد على النفط إلى إهمال قطاعات أخرى مثل الزراعة والصناعة والخدمات، مما يترك الاقتصاد هشًا وضعيفًا أمام أي تقلب في أسعار النفط.

انعكاسات إقليمية

لا يقتصر الأمر على العراق، فالكثير من دول الجوار الغنية بالنفط تواجه تحديات مماثلة. ففي حين أن دول الخليج مثل السعودية والإمارات استثمرت في البنية التحتية وسعت إلى تنويع اقتصادها، إلا أنها لا تزال مرتبطة بقوة بأسعار النفط العالمية. أما في الدول الفقيرة والأقل استقرارًا، فإن الوضع أكثر حدة، حيث يتحول النفط إلى مصدر للصراعات والفساد والتدخلات الخارجية.

في المقابل، نجحت بعض الدول ذات الموارد المحدودة مثل الأردن وتونس في التركيز على التعليم والسياحة وريادة الأعمال، مما منحها قدرة أكبر على الصمود في الأزمات الاقتصادية.

طريق نحو المستقبل؟

للخروج من دائرة الاعتماد، تحتاج دول مثل العراق إلى اتخاذ خطوات جريئة للإصلاح، مثل:

تعزيز الشفافية والمساءلة في عقود وإيرادات النفط.

استثمار عائدات النفط في التعليم والصحة والبنية التحتية.

تنويع الاقتصاد لتقليل الاعتماد على النفط.

تعزيز المشاركة المدنية والحكم الشامل.

يمكن للذهب الأسود أن يكون أداة لتحول حقيقي، ولكن من دون إدارة مسؤولة ورؤية طويلة الأمد، قد يتحول إلى أداة دمار. ويبقى التحدي أمام العراق ودول المنطقة واضحًا: تحويل النفط من لعنة إلى فرصة، ومن عبء إلى أداة لبناء المستقبل.

وحدة الدراسات الاقتصادية /مكتب شمال امريكا

مركز الروابط للبحوث  والدراسات الاستراتيجية