اختتم في العاصمة الكوبية أمس الأحد، اجتماع سمي قمة «مجموعة الـ77 + الصين» وذلك بعد أسبوع من اختتام قمة «مجموعة العشرين» في العاصمة الهندية نيودلهي، وقرابة ثلاثة أسابيع من اختتام قمة «البريكس» في جوهانسبرغ عاصمة جنوب أفريقيا.
الظاهرة الأولى التي يمكن تسجيلها في القمم الثلاث هي الحضور الوازن والكبير لبكين بحيث أن قمة هافانا أضافت اسمها إلى الاجتماع، كما لو كانت موازيا لوحدها لمجموعة الدول النامية التي شكلت هذا التحالف (والتي ارتفع عددها من 77 الى 135 دولة) فيما تجسّد هذا الحضور في قمة «العشرين» (التي تضم أغنى 19 دولة في العالم إضافة إلى الاتحاد الأوروبي) بمفارقة هي غياب الرئيس الصيني شي جي بينغ، الذي أحدث هزّة، بالمقارنة مع حضوره لقمة «بريكس» التي تعتبر بكين الدولة الأكثر تأثيرا على سياساتها.
تمثل القمم الثلاث، ضمن السياق الآنف، جهدا دبلوماسيا صينيا كبيرا بحيث يتناسب وزنها باعتبارها الاقتصاد الثاني الأعظم في العالم، مع وزنها في تقرير السياسات العالمية، وبدت آثار هذا الحراك الدبلوماسي واضحة في حماس دول عديدة تسعى بدورها لتفعيل أجندتها العالمية للانضمام إلى بريكس، وكذلك في استخدام الصين لهذه المنصّة العالمية لمنافسة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين.
غير أن غياب الصين عن قمة «العشرين» وبعض ما جرى خلف كواليس قمة «بريكس» يكشف الظاهرة الثانية التالية في أهميتها عالميا، وهي الدعم الأمريكي والغربي لصعود الهند كمنافس اقتصاديّ (وسياسي وعسكري بالتالي) للصين، والذي تمثّل بجلاء في ما سمي بمشروع «ممر بايدن» لربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا.
… وهو ما يوصلنا إلى مسألة الحضور العربي في هذه المجموعات الدولية الكبرى التي تحاول تحديد مسارات العالم. يمكن أن نبدأ ذلك بذكر أن الاجتماع الرئيسي الأول لـ «مجموعة الـ77» كان في الجزائر عام 1967، وهو ما جعل إنشاء الهيكل التنظيمي للمجموعة يحمل اسم «إعلان الجزائر» وأن مجمل الدول العربية أعضاء في المجموعة، وكان أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس حاضرين في قمة هافانا الأخيرة.
من اللافت، في هذا الإطار، أن قمة «بريكس» استثنت الجزائر، ذات الدور الكبير في «مجموعة 77» من قبول عضويتها، فيما وافقت على قبول عضوية السعودية والإمارات ومصر، وأن «ممر بايدن» سيمتد من الهند إلى الإمارات عابرا السعودية والأردن وصولا إلى حيفا ومنها إلى أوروبا عبر اليونان، وهو ما يشير إلى أن المشروع لا ينافس «طريق الحرير» الصيني فحسب، بل يحمل، في العالم العربي تحديدا، أجندة سياسية واضحة.
تتضمن هذه الأجندة استدخال إسرائيل في المعادلة الاقتصادية العالمية الكبرى، وربطها المباشر بالدول العربية المذكورة، وهو ما يعني أن المشروع يستخدم كأحد الحوافز الكبرى لجلب السعودية، التي أعلنت مصادر مقربة منها أمس، وقفها مفاوضات التطبيع مع إسرائيل، على خلفية «معارضة أركان حكومة نتنياهو لأي لفتة تجاه الفلسطينيين» و«نسف أي إمكانية للتقارب» معهم.
لـ»ممر بايدن» أهداف أخرى منها تأمين النفط والغاز العربيين لأوروبا كبديل عن نفط وغاز روسيا، كما أنه سيحمل تداعيات مضرة لاقتصاد مصر، حيث أن جزءا كبيرا من البضائع التي تمر عبر قناة السويس ستكون متاحة عبر الممر الهندي ـ العربي ـ الإسرائيلي ـ الأوروبي.
الظاهرة الأخرى التي تشير إليها هذه القمم هي تصاعد الاستياء العالمي في دول الجنوب من الدول الغنيّة، وعلى رأسها أمريكا وأوروبا، نتيجة سياسات الاستئثار والظلم والتجاهل وخصوصا بعد حقبة كوفيد، وتداعيات الصراع الروسي ـ الأوكراني، وصعود التيارات اليمينية المتطرّفة، التي يشهد جناحها الإسرائيلي تغطية أمريكية ـ غربية، والمحن التي تتعرض لها أجزاء كبيرة من العالم العربي.