الآفاق المنتظرة لحرب حماس وإسرائيل: قراءة أوّلية

الآفاق المنتظرة لحرب حماس وإسرائيل: قراءة أوّلية

الحرب التي بدأتها حركة حماس ضد إسرائيل، صباح السابع من أكتوبر الجاري (2023)، لا تشبه أياً من الحروب الثلاثة الكبرى التي خاضتها الحركة في مواجهة الدولة العبرية منذ عام 2008، لا على مستوى الحجم ولا على قدر المفاجآت.

على مستوى المفاجآت، لم يكن متوقعاً أن تشن حماس حربها ضد إسرائيل، بتكرار ما فعلته مصر وسوريا عام 1973 (اختيار يوم السبت في ساعات الصباح الباكر في ظل احتفال ديني أسبوعي تتعطل فيه الحياة بشكل شبه كامل في إسرائيل)، حيث كان الإسرائيليون يزعمون منذ حرب أكتوبر قبل خمسين عاماً أن ذلك لن يتكرر أبداً Never Again، ولكنه تكرر ليس على يد جيش نظامي بل على يد منظمة عسكرية لا يرقى تسليحها وقدراتها الاستخبارية لمستوى جيوش الدول، وهي هزيمة قاسية لإسرائيل بغض النظر عن الآفاق التي ستصلها هذه المواجهة في الأيام القادمة.

وعلى مستوى الحجم حتى هذه اللحظة، نوعت حركة حماس هجماتها باستخدام قدرات عسكرية غير متوقعة على كافة الأصعدة: براً وبحراً وجواً، وهو تطور مختلف عن الهجمات السابقة التي كانت تقتصر على إطلاق الصواريخ نحو المدن والمستوطنات الإسرائيلية.

ووفقاً للحصيلة الأولى لتلك الحرب المفاجئة، هناك أعداد من القتلى والجرحى والأسرى الإسرائيليين يمكن مقارنته بالأعداد نفسها في حرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، وإن كان هناك اختلاف واضح بين الحربين فيما يتعلق بتمكن حماس من الدخول إلى عدد من المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود مع قطاع غزة والسيطرة عليها، والدخول في قتال ممتد مع القوات الإسرائيلية من داخل إسرائيل، وهو ما لم يتمكن حزب الله من فعله في حربه مع إسرائيل.

السؤال الآن هو: ما هى دوافع حماس وأهدافها من شن هذه الحرب؟، وما هو المدى المتوقع لرد الفعل الإسرائيلي في غضون الأيام القليلة القادمة؟

حماس ومحاولة تغيير الوضع القائم
تراكمت جملة من التطورات التي كانت حماس تتوقع حدوثها، وكانت ترى أنها تهدد مكانتها في غزة، كما تهدد مستقبل مشروعها إجمالاً داخل المعادلة الفلسطينية الداخلية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- نجاح إسرائيل في إبرام اتفاقات سلام مع دول عربية، وخشية حماس من أن تتسبب هذه الاتفاقات، أو تلك التي ستوقع مع دول أخرى مستقبلاً، في القفز على مكانتها (أي حركة حماس) كحاكم لقطاع غزة بفعل الضغوط الإسرائيلية التي استهدفت عدم مرور الدعم المالي لحماس، أو تقليل ما يصل إليها من أموال عبر بعض الدول.

2- تفاقم الأزمة الاقتصادية داخل القطاع مع تناقص أموال الدعم التي كانت تتلقاها الحركة من بعض الدول، وهو ما أدى إلى رفع مستوى الغضب من قبل السكان في قطاع غزة من سياسات الحركة إجمالاً.

3- تأثر شعبية حماس بموقفها الرافض للانضمام إلى المواجهات التي جرت بين حركة الجهاد وإسرائيل في العامين الماضيين.

4- تمكن إسرائيل من القضاء على عدد من قواعد حماس والجهاد في الضفة الغربية خاصة في مدينة جينين ومخيماتها في الصيف الماضي، وهو ما كان يستوجب رداً حاسماً وقوياً من جانب حماس.

5- تصاعد الحديث إقليمياً ودولياً عن ضرورة تقوية مكانة السلطة الفلسطينية كجهة يمكن الحديث إليها في مستقبل القضية الفلسطينية والحلول السياسية الممكنه لها، مع تجاهل وجود حماس داخل المعادلة الفلسطينية وداخل آفاق أي تسويات سياسية محتملة.

تداعيات محتملة
إذا كانت تلك العناصر هي التي دفعت حماس للتفكير في شن حربها ضد إسرائيل، فإن حجم المفاجأة التي أحدثتها في مواجهة الدولة العبرية بشن حرب تبدو أنها قد تم الإعداد لها بشكل جيد منذ عامين على أقل تقدير، سيرتب العديد من النتائج التي يتمثل أبرزها في:

1- انكشاف الردع الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، وهو ما سيضع على إسرائيل عبئاً نفسياً وأمنياً قد يمتد لسنوات بغض النظر عن النتائج النهائية لتلك الحرب.

2- استرداد مصداقية الردع الإسرائيلي سيقتضي رداً أكبر من أي توقعات بما في ذلك عملية عسكرية برية في عمق القطاع.

3- ستعتمد إنجازات حركة حماس على مدى نجاح أو إخفاق الرد الإسرائيلي على تلك الحرب.

4- بغض النظر عن نتائج الحرب النهائية، سيكون الحساب عسيراً لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وعلى رأسها جهاز “الشاباك”، المسئول الأول عن تقدير الموقف في الضفة الغربية وقطاع غزة. فإذا كانت لجنة “أجرانات” قد حمّلت جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان” مسئولية الإخفاق في توقع حرب أكتوبر (حرب يوم الغفران كما تطلق عليها إسرائيل)، فإن المسئولية الكبرى هذه المرة ستقع على جهاز “الشاباك” – دون إعفاء “الموساد” و”أمان” من بعض المسئولية على الأقل – على نحو يمكن معه توقع الإطاحة برئيسه وعدد من ضباطه قريباً.

5- لن يتوقف الحساب عند أجهزة الاستخبارات، بل ربما ستطول المحاسبة أيضاً الجيش الإسرائيلي من قائد الأركان إلى قائد الجبهة الجنوبية وحتى وزير الدفاع وبعض كبار الضباط.

6- ربما تكون هذه الحرب هي نهاية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسية، مهما كانت نتائجها المحتملة، فإذا كانت لجنة “أجرانات” قد انتهت إلى أنها جعلت من القيادات الأمنية والعسكرية في حرب أكتوبر كبش فداء للسياسيين من أمثال رئيسة الوزراء جولدا مائير ووزير الدفاع موشيه ديان، فإن اللجنة المتوقع تشكيلها بعد نهاية الحرب الجارية، كما جرت العادة في إسرائيل في أعقاب معظم حروبها، ستكون أكثر تشدداً في التوصية بعزل القيادات السياسية أولاً.

7- ستكسب المعارضة الإسرائيلية ضد نتنياهو زخماً كبيراً في المجتمع الإسرائيلي في المستقبل المنظور، مستخدمة تحذيراتها التي أطلقتها ضد الحكومة المتطرفة التي يقودها نتنياهو، وهو ما سيجعل من بقاءه وبقاء حكومته في الحياة السياسية وفي الحكم مشكوكاً فيه إلى حد كبير.

8- سيكتسب الخطاب العلماني في إسرائيل زخماً جديداً، لاسيما أنه يطالب بوضع حد لنفوذ الأحزاب الدينية سياسياً، والتيار الديني ثقافياً، لعدم تكرار مواجهة إسرئيل لحروب مفاجئة تشن ضدها في المناسبات الدينية التي تفرض حالة استرخاء كامل في الدولة بكل مؤسساتها وفي المجتمع بكل طبقاته (الثورة الثقافية).

وفي النهاية، فإن أحد أكثر السيناريوهات التي تخشاها إسرائيل الآن يتمثل في توسع القتال بانضمام حزب الله إلى الحرب، وإن كان ذلك مرهوناً بحسابات معقدة للحزب في الداخل اللبناني، وفي إيران التي تعرف جيداً أنها ستكون المتهم الأول بتحريك الجبهة اللبنانية أمام المجتمع الدولي.