إذا اتضح بالفعل أن المجندة الإسرائيلية أوري مغيديش كتبت بالفعل تدوينة على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بتاريخ 12 تشرين الأول/ أكتوبر، فكيف يعقل أنها كانت ضمن عناصر جيش الاحتلال الذين أسرتهم المقاومة الفلسطينية خلال عملية «طوفان الأقصى» بتاريخ 7 من الشهر ذاته؟ وإذا لم تكن أصلاً على قوائم الأسرى الرسمية التي عممتها السلطات الإسرائيلية وتمت إضافة اسمها لاحقاً، فكيف تستقيم استطراداً رواية الاحتلال بأن الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) نجح في تحريرها مؤخراً؟
غير مستبعد أن تكون هذه الواقعة مجرد إضافة جديدة إلى سلسلة طويلة من سيناريوهات التضليل التي اعتادت أجهزة الاحتلال العسكرية والأمنية على اعتمادها والترويج لها، قبل أن تتكفل الملابسات اللاحقة بفضح زيفها، ولعل المثال الأقرب في هذا الصدد ما صدّره الجيش الإسرائيلي من اتهامات كاذبة خلال الساعات الأولى التي أعقبت اغتيال الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة. محتمل أيضاً أن اختلاق سيناريو تحرير المجندة الإسرائيلية جاء رداً على الشريط المصور الذي نشرته المقاومة الفلسطينية لثلاث رهائن إسرائيليات، وتضمن رسائل توبيخ مباشرة إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
وأياً كانت الحال فإن واقعة المجندة الإسرائيلية تحيل مباشرة إلى ملف الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال، ومعادلة إطلاق سراح الأسرى والرهائن الإسرائيليين مقابل تبييض السجون الإسرائيلية والإفراج عن نحو 10 آلاف معتقل فلسطيني هم أقرب إلى صفة الأسرى منهم إلى أي تعريف قانوني للسجين أو الموقوف أو المحتجز. والميزان هنا يتجاوز بكثير صيغة المبادلات التقليدية في الحروب والنزاعات العسكرية، وليس ثمة معايير متوازنة للمقارنة بين جنود نظاميين أو مستوطنين مسلحين إسرائيليين، وبين أسرى فلسطينيين تقرّ منظمة الأمم المتحدة ذاتها بأنهم «يُعتبرون مذنبين دون دليل، ويُعتقلون دون أمر قضائي، ويُحتجزون دون تهمة أو محاكمة، ويتعرضون لمعاملة وحشية في السجون».
أسير وقائد مقاومة مثل مروان البرغوثي يواصل قضاء 5 أحكام بالسجن المؤبد على خلفية اتهامات بالمشاركة في الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وللسيدة لطفية أبو حميد أربعة أبناء أسرى يخضعون لأحكام مؤبد مختلفة وكانت قد ودّعت ابنها ناصر أبو حميد الذي استُشهد تحت التعذيب والإهمال الطبي بعد إصابته بسرطان الرئة، وهنالك ما يقارب 4 آلاف عامل فلسطيني من أبناء غزّة كانوا يعملون في مشاريع إسرائيلية يوم «طوفان الأقصى» فألغى الاحتلال تصاريح عملهم وحوّلهم إلى أسرى. الشرائح الأخرى تتنوع بين 559 محكوماً بالسجن المؤبد، و423 قضوا حتى الساعة أكثر من 20 سنة، و22 من أسرى ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو. وأما من حيث التصنيف «القضائي» فهنالك 2140 أسيراً حوكموا وأُدينوا، و1463 في انتظار الإحالة إلى المحاكم، و1319 قيد اعتقال إداري بلا تهمة أو محاكمة تعتبره الأمم المتحدة اعتقالاً تعسفياً.
وإذا أفلحت المقاومة الفلسطينية في إجبار الاحتلال على القبول بتبييض السجون مقابل إطلاق سراح الأسرى والرهائن الإسرائيليين، فإنها لن تكون قد أحرزت واحداً من أبرز أهداف عملية «طوفان الأقصى» فحسب، بل سوف تسجل أيضاً جولة انتصار جديدة بين صدق المقاومة وضلال الاحتلال.