القاهرة- بعثت الحكومة المصرية برسائل عديدة الثلاثاء مفادها أنها تمضي في اتجاه تعزيز فرض سيطرتها على سيناء، وتأكيد أن مشروعات التنمية التي تجري بالقرب من الحدود الملتهبة مع قطاع غزة تتم وفقًا لرؤيتها وبما يخدم أمن البلاد، وأن مسارات التنمية مكملة للموقف الرسمي الرافض لتوطين الفلسطينيين في سيناء.
وعقد رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي مؤتمرا صحفيا الثلاثاء في مقر الكتيبة 101 التابعة للجيش في شمال سيناء دشن خلاله المرحلة الثانية من تعمير سيناء، بحضور عدد كبير من الوزراء وأعضاء البرلمان ورؤساء الأحزاب وقادة قبائل سيناء، ومجموعة من الإعلاميين والمثقفين.
وبدا الحشد المصري بالقرب من غزة معبّراً عن رغبة في تأكيد أهمية خطط التنمية التي تتمدد سريعا في سيناء مع تراجع الإرهاب فيها، وأن تطورات الأوضاع على الحدود لن تثني أجهزة الدولة عن العمل، في محاولة لسد منافذ جعلت إسرائيل تفكر في أن سيناء مكان مناسب لاستيعاب فلسطينيي غزة.
واستبقت الحكومة اندلاع الحرب على غزة وكثفت جهودها لإعادة توطين أهالي مدن قناة السويس ومنطقة الدلتا بشمال القاهرة في سيناء، ووفرت حماية للشركات العاملة في مشروعات التنمية التي دشنتها، وقدمت مغريات لجذب المواطنين والطلاب للدراسة في المؤسسات التعليمية وإنشاء الجامعات الأهلية والمدارس في مناطق متفرقة.
وقال مدبولي من سيناء إن المستهدف تدشين مشروعات تنموية بـ11 مليار دولار، في المرحلة الثانية من تنمية سيناء في السنوات الخمس المقبلة، وإن الدولة رأت مبكرا أهمية القضاء على الإرهاب وتهيئة محافظة شمال سيناء (القريبة من غزة) للاستقرار.
ونفذت الحكومة المرحلة الأولى من خطة التنمية الاقتصادية لسيناء خلال الفترة من 2014 إلى 2023، وأنفقت حوالي 74 مليار دولار على مشروعات التنمية.
وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين أن زيارة الحكومة حملت مغزى سياسيا وآخر اقتصاديا، ما يؤكد أن سيناء مشروع قومي للدولة ويتم توظيفها لإيجاد فرص عمل والحد من البطالة وتمهيد الأجواء لتكون بيئة صالحة لجذب السكان المصريين والحد من الاكتظاظ في الوادي والدلتا.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن التواجد الحكومي بالقرب من غزة يدعم التصريحات الرئاسية التي تفيد بأن الأمن القومي المصري لا تهاون فيه ولا تفريط، ما يؤشر على أن الموقف المعلن من مسألة التهجير مدعوم بخطوات تنفيذية على الأرض.
وشدد على أن الإعلان عن المرحلة الثانية للتعمير من أحد أبرز الوحدات العسكرية (الكتيبة 101) بمشاركة قبائل سيناء يبرهن على وحدة الموقف الرسمي مع الجهات التي لديها تواجد على الأرض، وأن أهالي سيناء هم خط الدفاع الأول عن الدولة بالتعاون مع القوات المسلحة.
وثمة قناعة مصرية بأن عملية تعمير سيناء تواجه تحديات اقتصادية، وأن تخصيص موارد مالية هائلة في مشروعات بمناطق صحراوية في حاجة إلى خطط أكبر للتوطين قد لا يأتي بثماره سريعا، ولذلك فالزيارة حملت رمزية حول تكاتف الجميع خلف القيادة السياسية لرفض المخطط الإسرائيلي للتوطين.
وأوضح بدرالدين أن تنمية سيناء أمر تنظر إليه الدولة باهتمام شديد لأنه يرتبط بمساعدتها على فرض سيطرتها التامة، وتبقى أهداف الأمن القومي مُقدّمة على أيّ أهداف أخرى ما يجعل الحاجة ملحة إلى توفير الأموال ومنحها أولوية مطلقة حاليا.
وتدرك مصر حجم الأخطار التي ترتبت على تجاهل الحكومات المتعاقبة لتنمية سيناء، خاصة المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة، والاكتفاء بالتركيز على السياحة في جنوب سيناء، ما دفع إلى انتشار تنظيمات إرهابية وخوض أجهزة الأمن حربا ضروسا خلال السنوات الماضية كانت كلفتها المالية والبشرية باهظة.
وكشفت القيادية بحزب التجمع فريدة النقاش أن تسريع خطط التنمية رسالة إلى من يهمهم الأمر بأن مصر لن تفرط في سيناء، وأن توالي التقارير التي تشير إلى وجود فريق عمل بوزارة الخارجية الإسرائيلية مهمته الضغط على جهات دولية لمنح حوافز لمصر مقابل توطين سكان غزة يتطلب تحركات عاجلة لوأد الأطماع.
وأشارت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الحكومة المصرية تريد التأكيد على أن الشعب الذي يواجه أزمات اقتصادية صعبة وفي حاجة إلى إجراءات للتخفيف منها لن يقبل أن يكون ذلك على حساب مناطق جغرافية قدم المصريون تضحيات جسيمة لتحريرها من الاحتلال والإرهاب.
ولفتت النقاش إلى أن الحكومة المصرية تتعامل مع دعاوى التهجير على أنها مخطط لتعطيل مشروعاتها التنموية التي تعد هدفاً قوميا مهما، وأن تحقيق نتائج إيجابية خلال السنوات الماضية أوجد تربصا لعرقلتها، وأن عدم تأمين الجبهة الداخلية انطلاقاً من تعمير مناطق صحراوية وتقديم الخدمات للمواطنين أضر بالأمن القومي.
وجاءت زيارة رئيس الحكومة وكبار المسؤولين إلى سيناء بعد أيام قليلة من الإعلان عن سقوط طائرتين دون طيار كانتا متجهتين من جنوب البحر الأحمر (من جماعة الحوثي في اليمن) إلى إسرائيل، وتم استهداف إحداهما خارج المجال الجوي المصري بمنطقة خليج العقبة، ما أسفر عن سقوط حطامها في منطقة غير مأهولة بالسكان بمدينة نويبع، وسقطت الأخرى على طابا بالقرب من الحدود الشرقية مع إسرائيل، ما تسبب في إصابة ستة من المصريين إصابات طفيفة.
وتطرقت المشروعات التي تحدث عنها مدبولي إلى ما يتم إنجازه في مدينة رفح الجديدة القريبة من الحدود مع غزة، عقب انتهاء المرحلة الأولى منها، وإنشاء 13 مشروعا سياحيا في شمال سيناء و21 تجمعا تنمويا حضريا في المحافظة ذاتها.
العرب