حذر وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني من أن قوة العمل المتعددة الجنسيات المقترحة والمدعومة من الولايات المتحدة لحماية الملاحة في البحر الأحمر ستواجه مشكلات غير عادية، قائلاً إنه “لا يمكن لأحد أن يتحرك في منطقة نسيطر عليها”، في إشارة إلى البحر الأحمر.
وجاء التصريح بعد إعلان الولايات المتحدة الأسبوع الماضي أنها تجري محادثات مع دول أخرى لتشكيل قوة عمل في أعقاب سلسلة من الهجمات التي نفذها الحوثيون على سفن في البحر الأحمر خلال الأسابيع الماضية.
ولم يحدد أشتياني الإجراءات التي كانت إيران مستعدة لاتخاذها رداً على تشكيل قوة مهمات للبحر الأحمر تدعمها الولايات المتحدة، لكنها قد تكون دفع الحوثيين إلى مزيد من مهاجمة السفن في ممرات الشحن وإطلاق طائرات مسيّرة وصواريخ على إسرائيل على بعد 1000 ميل من مقر قوتهم في العاصمة اليمنية صنعاء، فخلال الأسابيع الماضية هاجم الحوثيون إسرائيل والسفن المارة في البحر الأحمر وقرب باب المندب عبر إطلاق الصواريخ الباليستية، بينما أسقطت سفينة حربية أميركية ثلاث طائرات من دون طيار رداً على تلك الهجمات، وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجمات حيث أعلن المتحدث العسكري هجومين قائلاً إن السفينة الأولى أصيبت بصاروخ والثانية بطائرة من دون طيار أثناء وجودها في مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن، مهدداً بأن الحوثيين سيواصلون منع السفن الإسرائيلية من الإبحار في البحر الأحمر وخليج عدن حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأن جميع السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها ستصبح هدفاً مشروعاً في حال مخالفة ما ورد في بيانهم.
وتمثل هذه الضربات تصعيداً في سلسلة من الهجمات البحرية في الشرق الأوسط المرتبطة بالحرب الدائرة في غزة، وتقول الولايات المتحدة إنها تفكر في الرد المناسب، إذ أعلنت القيادة المركزية للجيش الأميركي في بيان أن “هذه الهجمات تمثل تهديداً مباشرا للتجارة الدولية والأمن البحري”، لكن في الغالب فإن تقييد واشنطن الرد حتى تلك اللحظة في أضيق الحدود يأتي رغبة منها في عدم تصعيد الأوضاع بما يدفع المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة في ظل ما يحدث في غزة.
ويأتي تصريح وزير الدفاع الإيراني في أعقاب إعلان الولايات المتحدة أنها تدرس إنشاء قوة عمل لحراسة السفن في البحر الأحمر، وقال مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، جيك سوليفان، إن مثل هذه الدوريات أو المرافقة يمكن أن تكون الرد المناسب على استهداف السفن في المنطقة.
لكن يبقى السؤال لماذا تهدد إيران حال تشكلت تلك القوة البحرية في البحر الأحمر؟
إنها من جهة تريد استعراض القوة في ممر بحري مهم واستعراض نفوذها باعتبارها، عبر الحوثيين، قادرة على تهديد الملاحة والشحن البحري الدولي بما يؤثر في التجارة العالمية، ومن جهة أخرى لا تريد زيادة القوى الدولية المتعددة العاملة في البحر الأحمر، إذ تستخدم مياهه لعمليات التهريب ونقل الأسلحة للحوثيين.
وتعمل إيران على توسيع أنشطتها في المجال البحري، إذ نشطت حرب الظل بينها وبين إسرائيل عبر حرب الناقلات خلال العام الماضي، فاستولت طهران على ناقلات دولية وهاجمت سفناً، فتعرضت السفن المرتبطة بكل منهما إلى هجوم في المياه المحيطة بالخليج العربي وخليج عُمان ضمن سلسلة من الهجمات المتبادلة.
كما تستهدف إيران إحداث قلاقل عند مصب خليج العقبة والبحر الأحمر إلى جانب ما يثيره الصراع في السودان من قلاقل، للتأثير سلباً في المشاريع الاقتصادية الطموحة التي تتبناها السعودية، أي إن إيران لا تسهم في إرساء الأمن والاستقرار الإقليمي ولا تزال تستهدف المصالح السعودية.
وتريد طهران كذلك، من خلال الحوثيين، رفع كلفة النقل البحري للدول عبر دفعها للمرور من طريق رأس الرجاء الصالح، أي دوران السفن حول أفريقيا للوصول إلى خليج إيلات أو الخروج من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي عبر رأس الرجاء الصالح الواقع جنوب غربي أفريقيا، وفي حقيقة الأمر فقد لا تكون الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر لدعم غزة، والدليل أن الحرب في القطاع لم تتوقف حتى الآن، لكنها مجرد أفعال رمزية تستهدف من الحوثيين إثبات أن هناك ما يسمى محور مقاومة، ومن جهة أخرى استعراضاً لقوة امتلاك ورقة عند التفاوض، وهناك أمر آخر وهو اختبار للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي تحصل عليها من إيران، أي اختبار للقدرات العسكرية في الميدان تحسباً لأي تصعيد إقليمي شامل قد يقع.
ويشكل البحر الأحمر أحد أهم الطرق البحرية في العالم إذ يعمل كحلقة وصل حيوية بين الشرق الأوسط والبحر المتوسط وأوروبا عبر قناة السويس، وقد أثرت الأنشطة الأخيرة في هذه المنطقة، إضافة إلى وجود الحوثيين في مضيق باب المندب، في أمن هذه الممرات البحرية وكذلك في الاقتصاد العالمي، إذ تريد إيران تحويل المجال البحري إلى ساحة صراع، ولذا فقد عززت القوات البحرية الأميركية والفرنسية وجودها في البحر الأحمر لحماية السفن من خطر الاستيلاء أو الهجوم عليها من قبل الحوثيين.
ومن خلال تهديد وزير الدفاع الإيراني فيمكن تصور المشكلات التي قد تواجهها الولايات المتحدة والقوة البحرية المعلن عنها، عبر تصعيد طهران من سلوكها العدواني في المجال البحري، مثل الهجمات على أهداف استراتيجية كمنصات النفط، والاعتداء على قوات الأمن البحرية أو الهجمات الساحلية، وكذلك التدخل في طرق التجارة البحرية والهجوم على السفن التجارية.