العودة إلى اللغات المحلية بداية نهاية المشروع الثقافي لفرنسا في أفريقيا

العودة إلى اللغات المحلية بداية نهاية المشروع الثقافي لفرنسا في أفريقيا

واغادوغو – أعلنت حكومة بوركينا فاسو تقديمها مقترحا لتعديل الدستور ينص على التخلي عن اعتماد اللغة الفرنسية كلغة رسمية للبلاد، وذلك في تأكيد على طبيعة التحولات الجذرية التي تعرفها البلاد، والتي تسعى لتكريس سيادتها الوطنية على كافة جوانب الحياة العامة بما في ذلك الجانب الثقافي والهوية اللغوية.

وكانت الحكومة البوركينابية صادقت في السادس من ديسمبر الجاري على مشروع قانون مراجعة دستور البلاد، والذي يقرّ اعتماد اللغات الوطنية في بوركينا فاسو كلغة رسمية بدلا من اللغة الفرنسية التي سيتم تغيير تعريفها من لغة رسمية إلى “لغة عمل”.

وانسجاما مع رؤية السلطات الانتقالية بقرارها جعل اللغات الوطنية لغات رسمية بدلا من الفرنسية أشرف رئيس الوزراء أبولينير يواكيمسون كيليم دي تامبيلا، السبت الماضي، على إطلاق قناة RTB3 التلفزيونية المخصصة حصريا للغات الوطنية.

التحولات السياسية والاجتماعية التي تعرفها أفريقيا تعيد تشكيل الهويات اللغوية بإعادة إحياء اللغات الأصلية

وسيتمكن السكان المحليون من متابعة الأخبار والمعلومات لأول مرة بـ12 لغة وطنية، وهي موري، وجولا، وفولفولدي، وجولماسيما، وداغارا، وبيسا، ولوبيري، وبوامو، ولييلي، وبوبومانداري، وسان، ودافينغ.

وتهد القناة التلفزيونية الجديدة المخصصة بالكامل للغات الوطنية إلى إضفاء الطابع الديمقراطي وتعميم المعلومات، من خلال وضعها في متناول غالبية بوركينا فاسو، من أجل تشجيع مشاركة السكان في أعمال التنمية.

ورحب رئيس الوزراء بولادة هذه القناة التلفزيونية المخصصة للغات الوطنية، مشيرا إلى أنه سيتم إبلاغ جميع شرائح السكان بمختلف الإجراءات التي اتخذتها الحكومة.

ويوجد في بوركينا فاسو عدة لغات محلية لعل أوسعها انتشارا خاصة في العاصمة هي لغة موري، ولكن لغة التعاملات والإدارة هي الفرنسية، كما أن العربية أيضا منتشرة بكثرة فقد أظهرت دراسة صدرت سنة 2003 أن 63 في المئة من التلاميذ تعلموا باللغة العربية في مدارس دينية مجانية وأن السكان وخاصة المسلمين يفضلون العربية على الفرنسية.

وكانت جمهورية مالي تخلت في دستورها الجديد عن اللغة الفرنسية التي كانت اللغة الرسمية لدولة غرب أفريقيا منذ عام 1960.

وبموجب الدستور الجديد الذي جرى التصديق عليه بأغلبية ساحقة بنسبة 96.91 في المئة من الأصوات في استفتاء 18 يونيو الماضي، لم تعد الفرنسية هي اللغة الرسمية، وإنما ستكون لغة العمل فقط، فيما ستحصل اللغات الوطنية الـ13 التي يتحدث بها مواطنو الدولة على وضع اللغة الرسمية.

ويجري التحدث في مالي بنحو 70 لغة محلية في البلاد، وبعضها، بما في ذلك بامبارا وبوبو ودوجون ومينيانكا، مُنح وضع اللغة الوطنية بموجب مرسوم عام 1982.

وتعتبر رواندا أول دولة أفريقية تخلت عن تدريس اللغة الفرنسية في مدارسها واستبدلتها بالإنجليزية عام 2003 التي تحولت إلى لغة رسمية في البلاد. وفي عام 2010 أصبحت الإنجليزية لغة التعليم الوحيدة في المدرسة بينما كانت الفرنسية تحتل المرتبة الأولى في التدريس.

وفي أكتوبر 2021، انسحبت الغابون من منظمة الدول الفرانكوفونية (الناطقة بالفرنسية)، والتحاقها بمجموعة الكومنولث (الناطقة بالإنجليزية). وبرر وزيرها الأول آنذاك هذه الخطوة بكون اللغة الفرنسية “لم تعد تساير التحولات التكنولوجية والمعرفية والتنموية الطارئة في العالم”.

وقد اتخذت الغابون ورواندا مثالا لها، بالنظر إلى التقدم الذي تحرزه رواندا في عدد من المجالات بعد تخليها عن الفرنسية.

ويرى مراقبون أن اللغة الفرنسية تعرضت إلى خسارة فادحة بقطع بث وسائل إعلامية ناطقة بها في عدد من البلدان الأفريقية، آخرها النيجر التي كانت أقرت في أغسطس الماضي وقف بث القنوات التلفزيونية والإذاعية الفرنسية التي تبث على أراضيها وفي مقدمتها قناتها الدولية “فرانس 24” وإذاعة فرنسا الدولية RFI لتنضم بذلك إلى جارتيها مالي وبوركينا فاسو في حجب وسائل الإعلام الفرنسية.

ويعتبر تراجع اللغة الفرنسية في أفريقيا ضربة موجعة لفرنسا في مستعمراتها السابقة، وبداية النهاية لمشروعها الثقافي الذي سعت لتعميمه على أغلب دول القارة السمراء.

وسبق لمرصد اللغة الفرنسية التابع للمنظمة الدولية للفرانكوفونية أن كشف في العام 2018 أن عدد المتحدثين بالفرنسية يبلغ 300 مليون شخص، ما يمثل منذ 2014 زيادة قدرها 10 في المئة على الصعيد العالمي و17 في المئة في أفريقيا.

وذكر المرصد أن قرابة 60 في المئة من الأشخاص المستخدمين يوميا للغة الفرنسية يعيشون في القارة الأفريقية، بحسب دراسة نشرها المرصد، لكن التحولات السياسية والاجتماعية التي تعرفها دول عدة بالقارة، ومنها دول الساحل والصحراء، بدأت في إعادة تشكيل الهويات اللغوية سواء بتوسيع رقعة اللغة الإنجليزية أو بإحياء اللغات الأصلية وفسح المجال أمام الناطقين بها للتعبير عن هوياتهم الثقافية على نطاق واسع.

العرب