خلال الأشهر الستة الماضية تصاعدت حدة التوترات على طول الحدود الإسرائيلية مع لبنان بصورة ملحوظة، ونشرت إسرائيل 100 ألف جندي في شمال البلاد من أجل مواجهة جماعة “حزب الله” الشيعية المسلحة، فاحتدم القتال هناك بصورة مطردة. وأسفر ذلك عن مقتل ما يقارب 400 لبناني من بينهم نحو 70 مدنياً وثلاثة صحافيين ونزوح 90 ألف مدني لبناني من نحو 100 بلدة وقرية على طول الحدود الإسرائيلية – اللبنانية، إضافة إلى ذلك تعرضت القرى اللبنانية وبساتين الزيتون لأضرار جسيمة بسبب القنابل الفسفورية. في المقابل، حاول “حزب الله” إظهار دعمه لـ”حماس” الخاضعة حالياً لحصار إسرائيلي في غزة منذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، من خلال إطلاق الصواريخ بصورة شبه يومية على البلدات والأهداف العسكرية الإسرائيلية، مما أدى إلى نزوح ما يقارب 80 ألف إسرائيلي ومقتل ستة مدنيين.
وفي الأول من أبريل (نيسان) الجاري قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية لدى دمشق، مما أسفر عن مقتل ضباط بارزين في “الحرس الثوري” الإيراني. وبعد أسبوعين، شنت إيران هجوماً صاروخياً غير مسبوق على الأراضي الإسرائيلية، ثم ردت إسرائيل بضربة على إيران. وفي الحقيقة، لم يكن أي من الهجوم الإسرائيلي أو الرد الإيراني متوقعاً. فإيران على وجه الخصوص، تمتلك تاريخاً طويلاً من الردود الخافتة والمحدودة على الاستفزازات الإسرائيلية، وذلك ببساطة لأن الحرب مع إسرائيل أو حليفتها الرئيسة، الولايات المتحدة، لا تصب في مصلحة طهران، لكن الهجوم الإسرائيلي ورد الفعل الإيراني قلبا هذا الوضع القائم غير المستقر رأساً على عقب، وخرجا عن عقود من الممارسات والأنماط الراسخة. وبينما ينصب التركيز العالمي في الوقت الحاضر على إيران، فإن التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل تزيد بصورة كبيرة من احتمالات الصراع، أو حتى الحرب الشاملة، بين إسرائيل و”حزب الله”. في الواقع، في الـ21 من أبريل أعلن بيني غانتس عضو حكومة الطوارئ الإسرائيلية لإدارة الحرب، أن حدود إسرائيل مع لبنان تشكل الآن “الجبهة النشطة” و”التحدي الأكبر والأكثر إلحاحاً”.
اقرأ المزيد
“حزب الله”… من النشأة إلى حكم الدويلة والسلاح
هل استغل “حزب الله” حرب غزة لاستعراض ترسانة أسلحته؟
3 دروس لإسرائيل وإيران من تبادل الهجوم المباشر
حرب إيران وإسرائيل تخرج إلى العلن
عندما يصادر “الحرس” الدبلوماسية الإيرانية
وحاول مبعوث خاص عينه الرئيس الأميركي جو بايدن التوسط في اتفاق بين إسرائيل و”حزب الله” من أجل ترسيم الحدود المتنازع عليها منذ فترة طويلة، ولكن منذ الهجوم الإسرائيلي على دمشق والرد الإيراني اللاحق، يبدو أن هذه المفاوضات ما عادت تشكل أولوية قصوى. وفي سبيل منع التصعيد الإقليمي، يجب على الولايات المتحدة، إلى جانب فرنسا التي دمجت أخيراً مبادراتها الدبلوماسية مع المساعي الأميركية، تكثيف الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تجميد صراع إسرائيل مع “حزب الله”. مع ذلك، يجب أن تركز هذه الجهود أولاً على الضغط من أجل إنهاء الصراع في غزة.
محاولات سابقة لضبط النفس
منذ السابع من أكتوبر 2023 سعت طهران إلى حصد فوائد استراتيجية من العمليات الإسرائيلية في غزة. وحاولت إيران توسيع قاعدة الداعمين لها ولشركائها بين العرب السنة الغاضبين في شأن الدمار والخسائر المفجعة في أرواح الفلسطينيين في غزة، وممارسة نفوذ أكبر على نتيجة الصراع السياسية في غزة، إضافة إلى ذلك، سعت إلى تعميق تعاونها مع روسيا في سوريا، إذ اشتدت الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية.
لكن يبدو أن تصرفات طهران كانت محسوبة ومدروسة بعناية من أجل تجنب نشوب حرب شاملة. على مدى عقود، عززت إيران نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط من خلال إنشاء ما يسمى محور المقاومة، وهو مجموعة من القوى الوكيلة والشركاء في عدد من بلدان المنطقة. ومن الناحية النظرية، شددت هذه الاستراتيجية على أنه إذا تعرض أحد أعضاء المحور لهجوم إسرائيلي، فسيهب الآخرون للدفاع عنه.
وبالاستناد إلى تجارب العقد الماضي، كان من المتوقع أن تسعى إيران إلى تجنب أي تصعيد خطر في أعقاب هجوم “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر، والهجمات الإسرائيلية المدمرة اللاحقة على غزة. فمنذ عام 2017، استهدفت إسرائيل القوات المدعومة من إيران في سوريا وشنت هجمات إلكترونية واغتيالات تهدف إلى تقويض البرنامج النووي الإيراني. وكان رد طهران منضبطاً [متحفظاً] بصورة عامة.
منذ السابع من أكتوبر، حاولت إيران توسيع قاعدة داعميها بين العرب السنة
فإيران لا تريد أن تشهد تدمير أصولها الإقليمية على يد إسرائيل. من وجهة نظر طهران، لا تعمل هذه الجماعات على بسط نفوذ إيران في جميع أنحاء المنطقة فحسب، بل تدافع أيضاً عن المصالح الإيرانية وتردع أي هجمات مباشرة على الأراضي الإيرانية. وأي صراع خطر مع إسرائيل يلحق أضراراً كبيرة بـ”حزب الله” قد يقضي على خط الدفاع الأول لإيران في أي صراع مستقبلي مع إسرائيل. قبل السابع من أكتوبر، كانت المكانة الإقليمية التي اكتسبتها إيران هي الأقوى منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979. وكان التقارب مع السعودية، الذي أعلن عنه في مارس (آذار) 2023، يعني أنه للمرة الأولى منذ الثمانينيات، اتفق البلدان على ضرورة منع نشوب مزيد من النزاعات في المنطقة.
قبل السابع من أكتوبر، عقدت هدنة هشة بين إسرائيل و”حزب الله”، وكانت عبارة عن اتفاق ردع متبادل غير رسمي أدى إلى إبقاء الحدود الإسرائيلية – اللبنانية هادئة نسبياً. ولم تتخذ إسرائيل أي إجراء علني ضد “حزب الله” على الأراضي اللبنانية. وحتى عندما كثفت إسرائيل هجماتها بعد السابع من أكتوبر، كان رد “حزب الله” الأولي حذراً وحصيفاً: فمع انهيار اقتصاد لبنان، كان الوضع الداخلي للبلاد مأسوياً بالفعل. وحتى لو انتصر “حزب الله” في الصراع مع إسرائيل، فإن قادته يدركون أنهم سيتربعون منتصرين على دولة تحولت إلى ركام.
بعد حرب عام 2006 المدمرة بين “حزب الله” وإسرائيل، سارع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول العربية مثل الكويت وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة إلى المساعدة في إعادة بناء البنية التحتية في لبنان، لكن هذه البلدان أصبحت الآن أكثر انشغالاً بشؤونها الداخلية، فيما تزداد المطالبة بمساعدات إعادة الإعمار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط بصورة كبيرة. وإذا تعرض لبنان اليوم للدرجة نفسها من الدمار، فمن المحتمل أن عدد الجهات الفاعلة التي ستقدم الدعم في جهود إعادة إعمار البلد ستكون أقل بكثير.
تحولات كبيرة
إن ميزان المصالح الذي دفع إيران عموماً إلى ضبط النفس بدأ يتغير. لقد شهدت كل من الحكومتين الإيرانية والإسرائيلية تحولاً نحو المواقف المتشددة، وكانت الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية لدى دمشق بمثابة منعطف حرج لا عودة فيه إلى الوراء. وفي الوقت نفسه، اهتزت السياسة الداخلية الإيرانية بسبب الاضطرابات، بما في ذلك الصراعات الاقتصادية، والاحتجاجات الجماهيرية المدافعة عن حقوق المرأة عام 2022، والخلافات العرقية الأخيرة في بلوشستان. ونتيجة لذلك، أصبح لدى القادة في طهران الآن حاجة أكثر إلحاحاً لاستعادة قوة الردع الخارجية ومعالجة التحديات الداخلية التي تواجه سلطتهم وسيادتهم.
في المقابل، منذ السابع من أكتوبر تحاول إسرائيل استعادة قوة الردع الأمنية التي كانت تتمتع بها. وقد أدركت أيضاً، على مدى الأشهر الستة الماضية، أنها قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق وتدمير أجزاء كبيرة من غزة، مما يؤدي إلى خسائر مروعة في الأرواح في ظل معارضة قليلة نسبياً من الدول الغربية. علاوة على ذلك، وجدت الحكومة الإسرائيلية فرصة لمعالجة قضايا تتجاوز التعامل مع “حماس”. وخلال الأشهر الستة الماضية أيضاً، تعهد قادة إسرائيل مراراً وتكراراً بإزالة التهديد الذي يشكله “حزب الله”. لذا، ناقش مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي مختلف الخيارات العسكرية وسبل فرض التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 الصادر عام 2006، الذي يطالب “حزب الله” بسحب قواته المسلحة إلى ما وراء نهر الليطاني.
وقد يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المحاصر سياسياً، إلى توسيع الصراع إلى لبنان من أجل دعم موقفه الداخلي. ومن الممكن أن تتسبب حرب أوسع نطاقاً ضد لبنان في صرف الانتباه بعيداً من الخرق الأمني الهائل الذي أدى إلى أحداث السابع من أكتوبر، والكارثة الإنسانية التي تتكشف في غزة. في الواقع، لم تتمكن إسرائيل بعد من القضاء بصورة حاسمة على “حماس”، وهو الهدف المعلن لعمليتها، ولم تنجح في استعادة الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين في غزة.
وحتى الآن، ساعد الضغط الدبلوماسي الأميركي على تل أبيب في منع حرب غزة من التوسع إلى صراع شامل مع لبنان، لكن إسرائيل تزداد جرأة. في أوائل أبريل (نيسان)، أصدر الجيش الإسرائيلي بياناً بعنوان “الاستعداد للانتقال من الدفاع إلى الهجوم”، يعرض بالتفصيل تحضيراته للصراع مع لبنان. ومنذ ذلك الحين، زادت وتيرة هجماته الدقيقة الأهداف على لبنان. ربما لم يعد السؤال المطروح هو ما إذا كانت إسرائيل ستهاجم لبنان، بل متى ستفعل ذلك.
التنبؤ بالعواصف القادمة
إن أي هجوم إسرائيلي شامل على لبنان يمكن أن يشمل إما غزواً برياً محدوداً أو كاملاً، فضلاً عن عمليات قصف جوي موسعة تستهدف المناطق المدنية. والواقع أن إسرائيل تعمل بصورة مطردة على تخصيص الموارد العسكرية لشمال البلاد. وأشار عدد من التقييمات التي أجرتها الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية خلال الأشهر الستة الماضية إلى أنه إذا اندلعت الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل، فإن إسرائيل ستتكبد خسائر كبيرة في بنيتها التحتية العسكرية والمدنية.
ومن المرجح أن يجذب الهجوم مجموعات وشركاء آخرين تابعين لإيران ويوحد قواهم بطريقة أكثر تنسيقاً من الهجوم الإسرائيلي على “حماس”. في الحقيقة، يتمتع الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصرالله، بعلاقات شخصية قوية وفريدة من نوعها مع الجماعات الأخرى المرتبطة بإيران. فعلى مدى العقد الماضي، أجرى “حزب الله” تدريبات لقوات الحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن، و”حماس”، وتعاون معها وقدم خبراته إليها. وفي سوريا، دعم “حزب الله” بنشاط نظام الرئيس بشار الأسد، وهو يحافظ على وجود عسكري ومؤسسي قوي، وبخاصة قرب الحدود السورية مع إسرائيل، إضافة إلى ذلك، أنشأت إيران مجموعات عدة أصغر تابعة لها في سوريا، تتألف في المقام الأول من الشيعة الأفغان والباكستانيين، يمكن تعبئتها للمشاركة في الصراع بين إسرائيل و”حزب الله”.
ومن شبه المؤكد أن التصعيد الإقليمي الأوسع سيؤدي إلى زيادة هجمات حلفاء إيران على القوات الأميركية المتمركزة في العراق والأردن وسوريا. ومن المرجح أن تسفر مثل هذه الهجمات بدورها عن ردود فعل أكثر فتكاً من جانب الولايات المتحدة. وحتى لو كانت الجماعات الأصغر التابعة لإيران تفتقر إلى القدرة على تشكيل تهديد عسكري خطر لتل أبيب، فإن رمزية الصواريخ التي تسقط على إسرائيل من مجموعة متنوعة من البلدان في المنطقة يمكن أن تحفز الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى على التدخل بصورة أكبر عسكرياً، ليس من خلال الدفاع عن المجال الجوي الإسرائيلي فحسب، بل أيضاً من خلال مهاجمة أعداء إسرائيل مباشرة.
أي هجوم إسرائيلي على لبنان قد يعزز الدعم الشعبي لإيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط
ومن غير المتوقع أن تتورط الصين وروسيا بصورة مباشرة في صراع متصاعد في الشرق الأوسط، ومن المستبعد أيضاً أن يتخذا خطوات مهمة لمنع ذلك. فعلى رغم أن بكين ينبغي أن تشعر بالقلق إزاء هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، الأمر الذي يعرض تجارة الصين مع أوروبا للخطر، فإنها لم ترسل سفنها الحربية إلى المنطقة، ولم تستخدم نفوذها لدى إيران، باعتبارها أكبر شريك تجاري لها، لإقناع طهران بكبح جماح الحوثيين. وقد يستخدم كلا البلدين نفوذهما في مجلس الأمن الدولي للحد من نفوذ الولايات المتحدة، ومنع القرارات التي من شأنها أن تؤثر سلباً في إيران.
لقد وصلت شعوب الشرق الأوسط الآن إلى مفترق طرق. فهم يشعرون بالفزع والانزعاج من احتمالات اتساع نطاق الحرب بين إسرائيل و”حماس”، لكنهم في الوقت نفسه فقدوا الثقة في إمكانية التوصل إلى سلام من طريق التفاوض. وكان الدمار الذي لحق بغزة سبباً في تعميق الكراهية تجاه إسرائيل، والهجوم على لبنان لن يؤدي إلا إلى تعزيز الدعم الشعبي لإيران والجماعات الشريكة لها. وتشير استطلاعات الرأي في مختلف أنحاء الشرق الأوسط إلى تزايد الدعم للمقاومة المسلحة كوسيلة لحل الصراع السياسي.
العلاج بالحوار
إن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها للجهات الفاعلة المهتمة، وبخاصة الولايات المتحدة، تجنب دوامة الصراع المتصاعد، هي من خلال التركيز المتعمد على وقف التصعيد. في منتصف أبريل، التقى مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز مع إبراهيم كالين، رئيس جهاز الاستخبارات التركي، لطلب المساعدة في التوسط بين إسرائيل وإيران. كذلك، عملت عمان وسويسرا في أبريل كقناتين خلفيتين فعالتين للاتصالات بين إيران والولايات المتحدة، فيما أسهمت قطر بنشاط في التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وتحقيق وقف لإطلاق النار في غزة، ويمكن أن تؤدي الإمارات العربية المتحدة أيضاً دوراً مهماً في تهدئة التوترات.
ولكن ينبغي أن تبقى المفاوضات بين إسرائيل و”حزب الله” على رأس الأولويات. كانت الأفكار التي طرحت في هذه المحادثات المتعددة الأطراف تهدف إلى إنهاء الصراع المباشر بين الطرفين وتسوية جميع الخلافات العالقة المرتبطة بالنقاط الحدودية المتنازع عليها، وتنفيذ انسحاب واضح لقوات “حزب الله” المسلحة، فضلاً عن الفصائل الفلسطينية واللبنانية المسلحة الأخرى، على بعد نحو خمسة أميال (8 كلم) من الحدود الإسرائيلية – اللبنانية، والقيام بالترتيبات اللازمة لنشر نحو 10 آلاف إلى 15 ألف جندي لبناني في المنطقة الحدودية. على مدار العام الماضي، تمكنت جولات المفاوضات من حل ستة نزاعات حدودية من أصل 13. ومن أجل ترغيب “حزب الله” وحمله على القبول بالاتفاق، اقترح آموس هوكشتاين، المبعوث الأميركي الخاص في المفاوضات، أن تساعد الدول الغربية في إعادة بناء البلدات والقرى اللبنانية التي دمرتها إسرائيل خلال الأشهر الستة الماضية. ومع ذلك، أكد “حزب الله” أنه لن يواصل المفاوضات من دون وقف لإطلاق النار في غزة.
نظراً إلى الانهيار الاقتصادي في لبنان، سيحتاج البلد إلى دعم دولي كبير لتعزيز مؤسساته السياسية
واستطراداً، أدت التصعيدات بين إيران وإسرائيل التي وقعت في أبريل إلى تعقيد المفاوضات بين إسرائيل و”حزب الله”. على رغم ذلك، تظل إيران غير راغبة في الانخراط في صراع أكبر من شأنه أن يلحق الدمار بمكانتها الإقليمية، أو يقوض هدفها المتمثل في الحد من نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. في نهاية المطاف، فإن التطور الأكثر فاعلية في منع التصعيد بصورة مضمونة هو أن تتقدم المفاوضات حول التوصل إلى اتفاق في شأن لبنان، تزامناً مع وقف إطلاق النار في غزة. ومن عجيب المفارقات هنا أن وقف إطلاق النار هذا قد يؤدي أيضاً إلى التصعيد بين إسرائيل و”حزب الله” إذا رأت إسرائيل أن إنهاء الأعمال العدائية في غزة يشكل فرصة لإعادة تركيز جهودها نحو الشمال. ومن أجل احتواء خطر توسع النزاع، من الضروري أن توجه الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من القوى الغربية اهتمامها نحو المفاوضات بين إسرائيل و”حزب الله” فور بدء أي وقف لإطلاق النار في غزة، لكن الجهود العالمية المبذولة في سبيل الحفاظ على السلام في الشرق الأوسط يجب ألا تنتهي عند هذا الحد. فنظراً إلى انهيار الاقتصاد في لبنان منذ عام 2019، سيحتاج البلد إلى دعم دولي كبير لتعزيز مؤسساته السياسية وقدرات جيشه. ففي نهاية المطاف، هناك علاقة مباشرة بين إضعاف مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيوش، وتقوية الجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية.
إن إسرائيل تأمل في تغيير وضعها الأمني من خلال تدمير “حماس” و”حزب الله”، ولكن من الواضح أنه لا يمكن للقوة العسكرية العمياء وحدها أن تنجح في القضاء على أي من المجموعتين. وعلى رغم أن قدراتهما قد تتضاءل، فإنهما ستعاودان الظهور مع مرور الوقت، بعد استفادتهما من التجارب التي خاضتاها. ومع تزايد خطر نشوب حرب إقليمية موسعة، تتزايد أيضاً الحاجة الملحة إلى إنهاء الحرب في غزة، وتسوية النزاعات حول الحدود الإسرائيلية – اللبنانية، وإرساء عملية سياسية هادفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين تعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير بصورة كاملة. وما لم تظل المفاوضات على رأس سلم الأولويات، فإن الطموحات القائمة على العنف التي يتبناها المتشددون في كل من إيران وإسرائيل ستكون لها الغلبة. وسوف تستمر ترسانة إيران المؤلفة من تنظيمات غير حكومية في العثور على من يدعمها بصورة متزايدة بين السكان الغاضبين الذين يعانون الحرمان، ليس في الأراضي الفلسطينية فحسب، بل أيضاً في جميع أنحاء المنطقة.