صعّدت قوات الأمن اللبنانية من وتيرة عمليات ترحيل اللاجئين السوريين المتوافدين على البلاد في السنوات الأخيرة، بالموازاة مع تعالي أصوات الأحزاب الرئيسية في المشهد المطالبة بالإسراع في عملية عودتهم إلى سوريا.
عرسال (لبنان) – شرع لاجئون سوريون في حمل أمتعتهم، الثلاثاء، في إطار عودة طوعية تنظمها قوات الأمن اللبنانية نحو بلادهم، في وقت تعتبر فيه أوساط شعبية وسياسية أنه لا يوجد مبرر لبقائهم في لبنان.
ويقول فادي الطويل وكريم شهيب في ريبورتاج لهما، “عاد أكثر من 300 لاجئ سوري إلى ديارهم في سوريا يوم الثلاثاء في قافلة، مغادرين بلدتين نائيتين في شمال شرق لبنان الذي يواجه أزمات أدت إلى تصاعد المشاعر المعادية للاجئين خلال الأشهر الأخيرة.
وطالما حث المسؤولون اللبنانيون المجتمع الدولي على إعادة توطين اللاجئين في بلدان أخرى أو مساعدتهم على العودة إلى سوريا. وقد تعالت أصوات الأحزاب السياسية اللبنانية الرئيسية خلال الأشهر الماضية، مطالبة بعودة اللاجئين السوريين.
ويبلغ عدد سكان لبنان حوالي 6 ملايين نسمة، ويستضيف حوالي 780 ألف لاجئ سوري مسجل ومئات الآلاف غير المسجلين. ويعدّ هذا أعلى عدد من اللاجئين في العالم بالنسبة للفرد.
عدد متزايد من اللاجئين السوريين في الأراضي اللبنانية توجه إلى البحر على أمل الوصول إلى سواحل أوروبا
وحمّل لاجئون سوريون أمتعتهم، الثلاثاء، على ظهر شاحنات وسيارات انطلقت من بلدة عرسال الواقعة شمال شرق البلاد.
وكان ضباط الأمن اللبنانيون يجمعون بطاقات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها من الوثائق قبل السماح لهم بالمغادرة.
ومع مغادرة الشاحنات، لوح اللاجئون للأصدقاء والأقارب الذين بقوا في لبنان، بينما اتجهوا نحو مستقبل غامض في سوريا.
وقال أحمد الرفاعي، وهو في طريقه إلى جبال القلمون بعد قضاء أكثر من عقد في لبنان، إنه مهما كان الوضع في سوريا، سيكون “من الأفضل العيش في منزل بدلا من خيمة”.
وصعّدت قوات الأمن اللبنانية عمليات ترحيل السوريين خلال سنة 2024، لكنها لم تقترب من المستوى الذي هددت به قبل عامين حين أعلنت الحكومة اللبنانية عن خطة لترحيل حوالي 15 ألف سوري شهريا، إلى ما وصفته بـ”المناطق الآمنة”، بالتعاون مع الحكومة في دمشق.
وشملت قافلة، يوم الثلاثاء، انطلقت من بلدتي عرسال والقاع الجبليتين 330 لاجئا فقط سجلوا ضمن الراغبين في العودة إلى وطنهم. وكانت هذه أول عودة “طوعية” تنظمها قوات الأمن اللبنانية منذ أواخر 2022.
وقال أحمد دورو لوكالة الأسوشييتد برس أثناء انتظار في شاحنته “لا يمكن أن يكون أحد غير سعيد بالعودة إلى منزله. سجّلت قبل سنة لأكون في القافلة”.
لكن العديد من السوريين الآخرين (وخاصة الشبان الذين يواجهون الخدمة العسكرية الإلزامية أو المعارضين السياسيين لحكومة الرئيس بشار الأسد) يقولون إن العودة غير آمنة.
ولا يرى آخرون مستقبلا في سوريا إذ أن الأزمة الاقتصادية دفعت الملايين إلى الفقر رغم انتهاء القتال في أجزاء كثيرة من البلاد.
وتوجه عدد متزايد من اللاجئين في لبنان إلى البحر على أمل الوصول إلى أوروبا.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنها لا تدعم العودة الطوعية للسوريين إلا بناء على الموافقة الواعية. ولاتزال منظمات حقوق الإنسان الرئيسية متشككة في الطبيعة الطوعية لهذه العودة في خضم العداء ضد اللاجئين في لبنان.
وقالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية آية مجذوب لوكالة الأسوشييتد برس إن اللاجئين السوريين مستهدفون من كل من المناطق الجغرافية والمجتمعات المضيفة.
وأكدت تعرضهم للعنف والإهانات وغيرها من ضروب المعاملة المهينة. وانتقدت حظر التجول والقيود الأخرى التي فرضتها بعض البلديات اللبنانية على اللاجئين.
وأضافت “يصبح تقييمنا لذلك هو صعوبة اتخاذ اللاجئين لقرارات حرة ومستنيرة بشأن العودة إلى سوريا في ظل هذه الظروف”.
العودة من بعيد
ووثقت منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات الحقوقية حالات لاجئين احتجزتهم أجهزة الأمن السورية وعذبتهم عند عودتهم لبلادهم.
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن تسعة من كل 10 لاجئين سوريين في لبنان يعيشون في فقر مدقع ويحتاجون إلى المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
وانخفضت هذه المساعدات مع إرهاق المانحين وتحول الاهتمام الدولي إلى أزمات أخرى.
ويتهم الكثير من اللبنانيين، الذين يزدادون فقرا، اللاجئين السوريين بالاستفادة من المساعدات بينما يفتكون وظائفهم بقبولهم أجورا أقل. وتقول الأحزاب السياسية الحاكمة والقيادة في لبنان إن معظم السوريين الذين يعيشون في الدولة المتوسطية الصغيرة هم مهاجرون اقتصاديون وليسوا لاجئين فارين من الحرب في بلادهم التي دخلت عامها الثالث عشر.
ودعم حسن نصرالله، زعيم جماعة حزب الله اللبنانية، وهي حليف كبير للأسد، هذا الادعاء.
وقال نصرالله في خطاب ألقاه يوم الاثنين “لديهم دولارات وهم يرسلون تلك الدولارات إلى أقاربهم في سوريا”.
وداهم رجال الأمن اللبنانيون خلال الأسابيع الماضية متاجر وشركات أخرى توظف عمالا سوريين لا يحملون وثائق وأغلقوها.
وأعلن الاتحاد الأوروبي هذا الشهر عن حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو (1.06 مليار دولار)، ستُخصص حوالي 200 مليون يورو منها إلى الأمن ومراقبة الحدود. وكانت تلك محاولة واضحة منه للحد من الهجرة من لبنان إلى قبرص وإيطاليا وأجزاء أخرى من أوروبا.
ورحب رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي بالمساعدات، لكن مسؤولين آخرين اعتبروها رشوة للبنان مقابل الاحتفاظ باللاجئين.
ومن المقرر أن يناقش البرلمان الأوروبي حزمة الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء وأن يصعّد المشرعون من جميع الأطياف السياسية المشاعر المعادية للاجئين ويدعون إلى المزيد من رحلات العودة وشن حملات قمعية.
والأربعاء، أوصى لبرلمان اللبناني، بـ”ترحيل” اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى البلاد بطريقة “غير شرعية”.
وجاء ذلك ضمن توصيات جلسة عقدها المجلس لمناقشة ملف اللاجئين السوريين، وفق بيان.
وحث المجلس، على تشكيل لجنة وزارية للتواصل مع الجهات المختلفة، لاسيما مع الدولة السورية لإعادة اللاجئين.
ودعا لوضع “برنامج زمني وتفصيلي حول ذلك، باستثناء الحالات الخاصة المحمية بالقوانين اللبنانية والتي تحددها اللجنة”، دون تفاصيل.
وأكد المجلس في توصياته على الالتزام الواضح بتنفيذ القوانين الخاصة بالدخول إلى البلاد، وبقانون العمل والرسوم والضرائب.
وشدد أيضا على ضرورة ضبط الحدود “وحصر حركة الدخول والخروج عبر المعابر الشرعية، بين لبنان وسوريا”.
وفي السياق، طلب المجلس من أجهزة الأمم المتحدة كافة لاسيما مفوضية اللاجئين والجهات الدولية والأوروبية المانحة “اعتماد دفع الحوافز والمساعدات المالية والإنسانية” للتشجيع على إعادة اللاجئين إلى بلادهم، من خلال الدولة اللبنانية.
كما أوعز للجهات الرسمية المختصة بتنفيذ “الإجراءات القانونية اللازمة لتسليم السجناء من النازحين إلى السلطات السورية، وفق القوانين”، حسب المصدر ذاته، ودون توضيح طبيعة الجرائم المتهمين فيها والتي تستدعي ترحيلهم.
وسبق أن دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى جلسة عامة لمناقشة “المواقف من الهبة (المنحة) الأوروبية والبالغة مليار يورو لمساعدة لبنان في ملف اللاجئين السوريين”.
وأحدث هذا الملف جدلا سياسيا، وخاصة بين الأحزاب المسيحية على خلفية اتهام الحكومة بتقاضيها “رشوة أوروبية لتوطين اللاجئين السوريين ومنع تدفقهم بطرق غير شرعية إلى أوروبا”.
وقبل أيام، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في مؤتمر صحفي، عن حزمة مساعدات للبنان خلال زيارة أجرتها والرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليدس للبلاد.
ومن المنتظر أن تكون هذه الحزمة من المساعدات “متاحة بدءا من هذا العام وحتى 2027، من أجل المساهمة في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ودعم الجيش والقوى الأمنية”.
وشهد ملف اللاجئين السوريين في لبنان تصعيدا غير مسبوق في الفترة الأخيرة من الحكومة التي تسعى لترحيلهم بكل الوسائل الممكنة، على الرغم من تحذيرات المنظمات الحقوقية من مخاطر الإعادة القسرية إلى سوريا التي تعتبر بلدا “غير آمن”.
العرب