بغداد- يحاول البنك المركزي العراقي مواكبة التكنولوجيا والتقدم في القطاع المصرفي العراقي الذي يحظى باهتمام حكومي كبير لإعادة هيكلته من جديد وفق رؤية إصلاحية جديدة تنتهجها الحكومة العراقية.
فقد اتخذت السياسة النقدية للبنك المركزي العراقي اليوم منحنى غير تقليدي في آلية فتح المصارف؛ إذ كشف البنك المركزي العراقي عن التعليمات والضوابط الخاصة بالمصارف الرقمية نهاية مارس/آذار الماضي، الأمر الذي يوفر للجمهور خيارات أخرى غير المصارف التقليدية مما يسهم في زيادة الدفع الإلكتروني وتعزيز الشمول المالي في العراق.
ويملك العراق أكثر من 70 مصرفا تعرضت العديد منها إلى عقوبات أميركية، بينما تصل نسبة الشمول المالي إلى مستوى متدن بسبب ضعف الثقة بين القطاع المصرفي والمواطنين نتيجة إفلاس بعضها.
أعداد كبيرة لتأسيس مصارف رقمية
ومطلع الشهر الحالي، أكد محافظ البنك المركزي العراقي علي محسن العلاق على هامش احتفالية نظمها البنك، أن الخطوات المتحققة في الشمول المالي والتي أنجزت اليوم متسارعة وتستطيع إغلاق الفجوة التي حصلت خلال السنوات الماضية نتيجة الظروف التي مر بها العراق.
وذكر العلاق، أن البنك لديه اجتماعات متواصلة مع الحكومة العراقية لتوسيع قاعدة المتعاملين في وسائل الدفع الإلكتروني وتعزيز الشمول المالي “إذ إننا نرى تجاوبا كبيرا من مؤسسات الدولة المختلفة في إطار توسيع الثقافة المالية والمصرفية في العراق”.
ورأى العلاق، أن العوامل التي تؤدي إلى نجاح وتوسيع دور الشمول المالي هي ثقة المواطن بالمؤسسات والأدوات المتوفرة له فضلا عن رؤية مصلحته في استخدامها.
وتابع، أن البنك المركزي أصبح في مقدمة البنوك المركزية العالمية باستخدام مختلف التقنيات المالية والتي توفر السرعة والدقة، كاشفا في الوقت نفسه عن تلقي البنك أعداد طلبات كبيرة لتأسيس مصارف رقمية. وتعمل الدوائر المعنية على إمكانية منحها الرخصة لمزاولة عملها وفق الضوابط والتعليمات الصادرة من قبل البنك.
%30 من أسهم البنك الرقمي تعود إلى مصرف تقليدي
في المقابل، كشف المدير التنفيذي لرابطة المصارف الخاصة العراقية علي طارق للجزيرة نت، أنه حسب تعليمات البنك المركزي، فإن إنشاء أي بنك رقمي، داخل العراق، يتطلب أن تعود نحو 30% من أسهمه إلى مصرف تقليدي، ويكون نشر الخدمات عبر الإنترنت وتطبيقات الهاتف النقال، ولا يكون هناك أي فرع، وإنما فقط الإدارة العامة، وجميع الخدمات عبر الإنترنت من إصدار بطاقة مصرفية وتحويلات مالية وإيداع وقروض وغيرها.
وردا على إمكانية أن تستغل البنوك المعاقبة فتح المجال للمصارف الرقمية للالتفاف على العقوبات الأميركية بحقها بتدشينها لهذا النوع من المصارف الرقمية، رد طارق، بأن العقوبات على المصارف متنوعة، ومنها ما هو مقيد من استخدام الدولار فقط، دون أي عقوبات أخرى، بحيث تمارس نشاطها بشكل طبيعي داخل البلاد بالعملات الأخرى.
وعن الأهداف التي تتوخاها السلطة النقدية وراء الأمر، أقر طارق بأن العالم يتجه نحو رقمنة الخدمات في جميع القطاعات، وبالتالي، إنشاء بنوك رقمية، وهو ما يؤدي إلى تفعيل الحكومة الإلكترونية وتسهيل الخدمات على المواطنين، مما ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد من خلال سحب الكتلة النقدية المكتنزة في المنازل.
في حين يشير الخبير المالي ورئيس مجلس إدارة مصرف الجنوب الإسلامي، محمود داغر، إلى أن المصارف الرقمية هي مصارف طبيعية كما هي المصارف التقليدية لكنها تعمل من خلال التطبيقات ولا يوجد لها تعامل وجها لوجه. والمصارف الرقمية وفقا لداغر يمكن أن تؤدي عملها كمصرف مستقل رقمي أو حتى كمصارف كلاسيكية.
وتابع داغر في حديثه لـ”الجزيرة نت”، أن الجيل الشاب أصبح لديه معرفة في استخدام التكنولوجيا المالية للسحب والتحويل وغيرها.
ويملك العراق اليوم مصرفا رقميا واحدا في حين تنتظر العديد من الطلبات الضوء الأخضر من قبل البنك المركزي العراقي لمنحها الرخصة لمزاولة عملها وفق الضوابط والتعليمات الصادرة من قبله.
تغيير خريطة القطاع المصرفي
إلى ذلك، كشف الباحث الاقتصادي، بسام رعد، أنه بعد إصدار ضوابط ترخيص المصارف الرقمية من قبل البنك المركزي العراقي فإن خريطة القطاع المصرفي ستتغير خلال المدة المقبلة، وستقدم هذه المصارف الرقمية قيمة إضافية إلى جانب المصارف التقليدية وستعمل على زيادة الخدمات الرقمية وتقديمها برسوم أقل، حيث تعمل هذه المصارف على رقمنة كل مستويات الخدمة المصرفية وتحويلها إلى معاملات رقمية تتم عبر الإنترنت.
ويرتبط استخدام الخدمات المصرفية عبر الإنترنت ارتباطا وثيقا بإمكانية الاتصال بالإنترنت.
استخدام الخدمات المصرفية عبر الإنترنت يرتبط ارتباطا وثيقا بالبنية التحتية للاتصالات والإنترنت في أي بلد (غيتي)
وأكمل رعد في حديثه لـ”الجزيرة نت”، أن نضج الخدمات المصرفية الرقمية لن يتحقق إلا مع بنية تكنولوجية جاهزة وبناء الثقة مع العملاء المفترضين وسلوك هؤلاء العملاء في إدارة حساباتهم من خلال المصرف الرقمي، لافتا إلى أن الغالبية من المجتمع ليسوا على دراية بالمصارف الرقمية وتطوراتها مما يسبب مخاوف بشأن سلامة وأمن أموالهم.
ووفق البنك المركزي العراقي، تتضمن اشتراطات الترخيص لمزاولة النشاط المصرفي الرقمي أن تكون تراخيص المصارف الرقمية في العراق لا تزيد نسبتها عن (10%) من إجمالي المصارف المرخصة بالإضافة إلى وجود دراسة جدوى اقتصادية متضمنة خطط الأعمال والإستراتيجيات والمؤشرات المالية لـ4 سنوات تشمل الجانب التقني والخدمات المزمع إطلاقها.
ويجدر بالذكر أن هذه المصارف الرقمية تخضع لكافة القوانين والأنظمة والتعليمات الصادرة من قبل البنك المركزي، بما فيها قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015.
المصدر : الجزيرة