مع القرار الذي أعلنته الدول الأوروبية الثلاث، النرويج واسبانيا وأيرلندا، أمس الأربعاء، والذي يدخل حيز التنفيذ خلال أيام، فإن عدد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين، منذ عام 1988، 142 دولة من أصل 193 بلدا عضوا في الأمم المتحدة، لتنضاف إلى 9 دول أوروبية أخرى هي بلغاريا وقبرص والجمهورية التشيكية وهنغاريا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا ومالطا، والسويد، التي كانت أول دولة أوروبية غربية تعترف بفلسطين عام 2014.
يمثّل الإعلان على ألسنة رؤساء وزراء الدول الآنفة، بعد أيام من ذكرى النكبة الفلسطينية (الذي تعتبره إسرائيل يوم «استقلالها») قرارا مهمّا في إطار الضغط السياسي الأممي والدولي على الدولة العبرية لوقف العدوان على الفلسطينيين في قطاع غزة، والذي كانت قرارات الاتهام من المحكمة الجنائية الدولية، قبل أيام، إحدى ظواهره اللافتة.
يكتسب هذا القرار أهميته من كون الدول المعترفة أوروبية، وتنتظم في المنظومة الغربيّة التي تعتبر إسرائيل دولة ديمقراطية حليفة عسكريا، فيما تقدّم كبرى دوله، كألمانيا وفرنسا وبريطانيا، أشكالا من الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل.
رغم أن هذا القرار لن يوقف الحرب الهمجية الدائرة على الفلسطينيين، لكنّ ردود الفعل الإسرائيلية عليه، تظهر الأثر البالغ الذي تركه على الحيثيات الأوروبية والعالمية على الصراع الدائر، فقد اعتبر زعيم المعارضة، يائير لبيد، القرار «فشلا سياسيا غير مسبوق» لتل أبيب، فيما تصرّف أركان الحكومة الإسرائيلية بشكل هستيري، فاقتحم وزير «الأمن القومي» ايتمار بن غفير حرم المسجد الأقصى، واحتجز زميله بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية، وأعلن يوآف غالانت، وزير الحرب، عن إلغاء قانون فك الارتباط في شمال الضفة الغربية بالكامل، وهو ما يعني السماح بعودة المستوطنين إلى 4 مستوطنات تم تفكيكها عام 2005، وذلك في إطار ما سمّاه «خطوة تاريخية» للسيطرة اليهودية على الضفة.
يفيد تحليل هذا القرار وتداعياته الغربية في فهم الموقف الجديد المتشكل، فأهمية انتظام النرويج فيه هو كونها كانت الدولة المضيفة للاجتماعات السرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي أدت لاتفاقات أوسلو، الذي توافق فيها الطرفان على حقهما في إنشاء دولة، ونشأت عن ذلك السلطة الفلسطينية في غزة وأريحا، مع أفق الامتداد للمناطق الفلسطينية الأخرى.
يردّ موقف النرويج واسبانيا وأيرلندا، بشكل عملي، على الموقف الأمريكي الذي أعلنه الرئيس جو بايدن، أمس، وقال فيه إن الدولة الفلسطينية يجب أن تأتي «عبر المفاوضات وليس باعتراف أطراف منفردة» وهو موقف تم دحضه عبر تصريح رئيس الوزراء النرويجي الذي قال إن «الاعتراف بدولة فلسطين دعم للقوى المعتدلة التي تقف في موقف دفاعي في صراع طويل ومروّع» وكذلك تصريح وزارة خارجيته عن «استخدام إسرائيل القوة العسكرية له تأثير شديد على المدنيين ولا يتماشى مع القانون الإنساني الدولي».
يكمن خطأ منطق بايدن، والإدارة الأمريكية، من تهافت فكرة «حوار» الفلسطينيين، الذين يتعرّضون لحرب إبادة فعلية وسياسية، من إسرائيل التي أظهرت قرارات وزرائها أمس انعدام قدرات الدفاع لدى السلطة الفلسطينية، في الوقت الذي تدعم واشنطن حلفاءها الإسرائيليين بجبروتها الامبراطوري في العالم، وحق النقض في مجلس الأمن، وأساطيلها في البحار، وقنابل عشرات الأطنان التي زوّدت تل أبيب بها لسحق البنية التحتية للقطاع، ولتقتل قرابة 40 ألف شخص، وتدفع قرابة مليونين آخرين للنزوح عدة مرات.
«الحوار» الحقيقي الجاري بين إسرائيل والفلسطينيين حاليا هو بين آلة الإبادة والتطهير العرقي وجرائم الحرب الإنسانية، والفلسطينيين المدفوعين إلى جدار القتل.