فوضى السلاح في العراق تتخطى محاولات ضبطها وتواصل حصد الأرواح

فوضى السلاح في العراق تتخطى محاولات ضبطها وتواصل حصد الأرواح

عدم نجاح الدولة العراقية في استكمال ضبط فوضى السلاح يقلل من نتائج التحسّن الكبير الذي شهده الوضع الأمني العام في البلاد على مظاهر الحياة من اقتصادية واجتماعية، ويجعل السكان كما لو أنهم يعيشون حالة حرب لا تنتهي.

بغداد- لا تمنع حالة الوعي العامة في العراق بخطورة فوضى السلاح، والمحاولات الرسمية الخجولة لضبطها، من تواصل التأثيرات السلبية للظاهرة على مستوى الأمن في البلاد والذي شهد تحسنا كبيرا بعد سنوات طويلة من الحروب والصراعات الداخلية، دون أن يبلغ العراقيون الأمان والاستقرار اللذين ينشدونهما منذ عقود.

وما يزال الكثير من العراقيين يفقدون حياتهم أو يصابون بجروح خطرة وعاهات مستديمة كل سنة، بسبب انتشار السلاح ووقوعه خارج يد الدولة لدى الأفراد والعشائر والأجنحة المسلحة للأحزاب.

وأورد تقرير لوكالة فرنس برس حالة الطفل محمد أكرم ابن الأربعة أعوام الذي كان جالسا في منزل العائلة عندما اخترقت رصاصة طائشة السقف واستقرت داخل رأسه مهددة بإصابته بشلل رباعي، في مشهد كثيرا ما يتكرر في العراق حيث ينتشر السلاح المنفلت.

وتقول رندة أحمد فيما يجلس ابنها بين أحضانها “كان محمد في غرفة المعيشة حين سمعنا فجأة صوت ضربة”، موضحة أنّ طلقة نارية مباشرة أصابت رأسه في منتصف أبريل الماضي.

وفي المناسبات السعيدة كما في الخلافات حتى البسيطة منها، يُطلق الرصاص عشوائيا في العراق حيث يُعدّ حمل السلاح ظاهرة شائعة في بلد لايزال يعاني مخلّفات حروب ونزاعات استمرت لعقود.

وعن مصدر الرصاصة، تقول رندة أحمد “لا نعرف.. كانت رصاصة طائشة”، وتضيف الأم الثلاثينية المقيمة في منزل متواضع بالرضوانية غربي بغداد “حدث للطفل نزف فنقلناه إلى المستشفى وبقي خمسة أيام تحت المراقبة”. وتتابع “قال الأطباء إن حالته حرجة وخطرة وهناك احتمال أن يُصاب بالصرع”، موضحة “إذا تحركت الرصاصة ستؤدي إلى إصابته بشلل رباعي”. وبسبب صعوبة العملية نصح الأطباء بعدم إجرائها لسحب الرصاصة.

وبذلك، أصبح اللعب فعلا ماضيا بالنسبة لمحمد، إذ بدأ يشعر بإرهاق سريع ويعاني من صداع شديد بشكل متكرر.

ونهشت أعمال العنف العراق الذي يسكنه نحو 43 مليون نسمة خلال الحروب والغزو الأميركي عام 2003 وعنف طائفي ومعارك لطرد تنظيم الدولة الإسلامية خلفت مئات الآلاف من الضحايا بين قتلى وجرحى ومشرّدين.

وانتشرت في تلك الفترات أسلحة خفيفة وثقيلة في معطم أنحاء البلاد حيث تكثر النزاعات العشائرية وتصفية الحسابات السياسية. ويقول كثيرون إنهم يتمسكون بالسلاح لغرض الحماية.

وفي العام 2017 كان في حوزة المدنيين في العراق نحو 7,6 ملايين سلاح ناري من مسدسات وبنادق، بحسب مسح أجرته منظمة سمول آرمز سورفي التي تتعقّب انتشار الأسلحة في أنحاء العالم.

ويقول المستشار لدى المنظمة آرون كارب لوكالة فرانس برس “يُتوقع أن تكون الأرقام اليوم أعلى بكثير ويقدر أن تكون الزيادة ثلاثة إلى خمسة بالمئة سنويا” منذ 2017.

وفيما كان الخمسيني سعد عباس جالسا في حديقة منزله في بلدة اليوسفية جنوب غرب بغداد يستعدّ لصلاة الجمعة في نوفمبر الماضي، شعر بصدمة في كتفه.

ويقول “اعتقدت في بادئ الأمر أن أحدا ضربني بحجر في كتفي، لكن تبيّن في ما بعد أنني أُصبت برصاصة”. ويضيف “سقطت الرصاصة من السماء”.

ورغم مرور عدة أشهر لا يزال الرجل طريح الفراش بسبب الرصاصة التي اخترقت كتفه واستقرت داخل صدره ونصحه الأطباء بعدم إجراء عملية جراحية خشية مضاعفات محتملة إذ يعاني من أمراض مزمنة.

ويتابع “لم تعد حركة يدي كما كانت في السابق لا أستطيع رفعها وأصابعي تؤلمني”. ويقول بغضب “عندما يفوز منتخب كرة القدم الكلّ بطلف الرصاص، وفي الأعراس كذلك”.

وفي أواخر أبريل المضي قُتل رجل برصاصة طائشة خلال إطلاق نار احتفالا بزفافه في الموصل بشمال العراق.

ويشدّد عبّاس على ضرورة أن يُسحب السلاح من كل الجهات ويبقى بيد الدولة فقط.

وبدأت السلطات العراقي العام المضي تنفيذ خطة للسيطرة على السلاح المتفلت بافتتاح 697 مركزا في عموم العراق لتسجيل أو شراء الأسلحة غير الخفيفة من العامة.

وخصصت مبلغ حوالى 750 ألف دولار لكل محافظة وضعف ذلك المبلغ لمحافظة بغداد وحدها، وفقا للمتحدث باسم الخطة العميد زياد القيسي.

وبموجب القانون العراقي، يعاقب بالسجن لسنة واحدة من يملك سلاحا من دون ترخيص من الدولة. وستتولى السلطات عملا بالخطة ذاتها منح
إجازة حيازة قطعة سلاح خفيف لكل مواطن يمتلك دارا ولكل ربّ أسرة مستقل، لغرض الحماية، بحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد مقداد ميري.

ويوضح ميري أن انتشار السلاح مرتبط لحدّ كبير بثقافة المجتمعات العربية، إذ أن “هناك من يعتبر في المناطق العشائرية والريفية أن السلاح جزء من شخصيته”.

ويشير إلى أنّ كمية الأسلحة التي تركها الجيش العراقي بعد الغزو الأميركي 2003 كانت كبيرة وكذلك “أدخلت الجماعات المسلحة بين 2014 و2018 الكثير من الأسلحة بحكم ضعف إجراءات الضبط على الحدود، فكثرت الأسلحة الواصلة إلى أيدي المواطنين”.

ويؤكد الضابط أن “المشكلة الرئيسية هي في السلاح المتوسط والثقيل” الذي يجب أن يكون بيد الدولة.

وتعرض السلطات وفق الخطة مبالغ على المدنيين تصل لحوالى أربعة آلاف دولار وفقا لنوع السلاح وحالته.

الكثير من العراقيين ما يزالون يفقدون حياتهم أو يصابون بجروح خطرة وعاهات مستديمة كل سنة، بسبب انتشار السلاح ووقوعه خارج يد الدولة لدى الأفراد والعشائر

ويرى خبراء أمنيون أن السيطرة على السلاح وحصره في يد الدولة أمر بالغ الصعوبة. ويوضح الخبير أحمد الشريفي أن هناك مواطنين يتمسكون بسلاحهم، لكن السلاح الأخطر هو الذي بيد الأجنحة المسلحة للأحزاب والعشائر.

وفي مارس الماضي قتل ضابط في الاستخبارات خلال تدخلّه لفضّ خلاف عشائري تخلله إطلاق نار في جنوب البلاد.

وسبق ذلك بأسابيع قليلة انتشار فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر مواجهات مسلحة نهارا داخل سوق مزدحمة في شرق بغداد سببها خلاف بين أقارب أدى لمقتل شخص واحد على الأقل.

وفي أبريل 2023 كان أحمد حسين البالغ من العمر ثلاثين عاما مستلقيا في سريره حين سقط أرضا وشعر بحرارة برجله ورآها ملطّخة بالدم إثر إصابته برصاصة يعتقد أنها أطلقت خلال حفلة بجوار منزله، قرب بغداد.

ويقول “عطّلني ذلك عن العمل مدة شهر تقريبا”. ويتابع بسخرية “أصبح حتى عراك بين أطفال أو خلاف على طير أو شراء خروف هذه الأيام يؤدي إلى رمي رصاص”. ويضيف “الأمر مخز جدا خصوصا أن الكثير ممن يصيبهم الرصاص أبرياء”.

العرب