لطالما كانت ورقة اللاجئين السوريين أداة ضغط في يد الحكومة التركية في ملفّاتٍ عديدة، سواء الداخلية أو في العلاقة مع الدول الغربية، وفي مقدّمتها الاتحاد الأوروبي. وعلى هذا الأساس، كانت تظهر بين حين وآخر حملات ضد اللاجئين السوريين في تركيا، وما يرافقها من حملات ترحيلٍ أو اعتقال، ثم ما تلبث أن تخفت، بعد تحقيق الغايات المطلوبة منها، سياسياً أو انتخابياً أو مادياً. ولكن، يبدو أن الحملة الحالية، والتي يمكن اعتبارها الأعنف بكل المقاييس، مختلفةً عن سابقاتها، فحجم التضييق والترحيل هو الأكبر منذ بدء الحملات العنصرية ضد اللاجئين السوريين، وهو يأتي مترافقاً مع إعلانات تركية، من الحكومة والمعارضة، بالرغبة في التقارب مع نظام الأسد، وهي غايةٌ قديمةٌ كانت دائماً تصطدم برفض النظام السوري هذا التقارب.
لا يمكن ربط الإجراءات التركية اليوم بالغايات الانتخابية فقط، وسط الحديث عن توجّهات إلى الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكّرة غير مضمون حدوثها، فالأمر غير متعلق بردّة فعل ارتجالية من الحزب الحاكم على الحملات العنصرية للمعارضة ضد اللاجئين السوريين، وهو ردٌّ يزايد على المعارضة في التضييق على اللاجئين، فإذا كانت هذه المعارضة تحمّل شفهياً السوريين تبعات الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، فإن الحكومة تنفّذ عمليات الترحيل، وكأنها تصديقٌ لشعارات المعارضة، برغم أن الأمر غير صحيح بالمطلق. فمن المعلوم أن اللاجئين السوريين لا يكلفون الحكومة التركية مادياً، فأنقرة لا تقدّم مساعدات للاجئين كما يحصل في غالبية الدول الأوروبية، بل على العكس، تستفيد الحكومة التركية من مساعدات الاتحاد الأوروبي لاحتوائها اللاجئين، وبالتالي منعهم من العبور إلى دول الاتحاد. إضافة إلى ذلك، لا يعيش معظم اللاجئين عالة على الدولة التركية، بل ساهم كثيرون منهم في تدوير عجلة الاقتصاد التركي، سواء في المشاريع العديدة التي افتتحوها أو بأنهم يدٌ عاملة حرفية ورخيصة نسبياً لعبت دوراً في تنشيط الصناعة التركية.
في المقابل، حجم المعارضة السورية لهذه الحملات هو الأكبر، وتحوّل إلى مواجهات سورية تركية وانتقل إلى الداخل السوري، وهو ما تخشى تركيا تطوّره. الأمر مرتبط بقناعة لدى معظم السوريين بأن الإجراءات الحالية مختلفة عن سابقاتها، وهي تحمل نيّات جدّية لدى الحكومة التركية للتخلص من العدد الأكبر من اللاجئين، ونقلهم إلى مناطق السيطرة التركية في الداخل السوري لاستخدامهم في مآرب أخرى.
مآرب متعددة، قد يأتي في مقدّمتها ملف إعادة الإعمار بعدما صادق مجلس النواب الأميركي على تصنيف منطقة شمال غربي سورية، مستحقة لتلقي تمويل من نوع خاص يدعى تمويل “إعادة الاستقرار”، وسيخصص لتأهيل المدارس والجامعات ودفع رواتب المعلمين وتحسين البنية التحتية في المنطقة. وهي المرة الأولى التي تتوجه فيها مساعدات أميركية مباشرة إلى مناطق المعارضة وليس عبر أنقرة، وهو ما يبدو أنه استفز الحكومة التركية، وهي المنزعجة أساساً من حجم المساعدات التي خصصت لتركيا في مؤتمر المانحين الذي عقد في بروكسل قبل شهرين. ولكنّ أنقرة تدرك أن أي إعادة إعمار في الشمال السوري لن تمر إلا عبر تركيا، وبمشاركة الشركات التركية التي تحتاج يداً عاملة في المنطقة، وهي بالتالي تسعى إلى دعم المنطقة ديمغرافياً عبر عمليات الترحيل. الديمغرافيا أيضاً لها دور في الحسابات التركية، خصوصاً في المناطق ذات الثقل الكردي التي تسيطر عليها، وهي ترغب في تغيير واقعها نسبياً.
قد لا تكون الحملة التركية الكبيرة اليوم الأخيرة، فهي ستستمر إلى أن تحقق أنقرة ما تراها “أهدافاً استراتيجية”، لا تتعلق فقط بالحسابات الاقتصادية والانتخابية.