ينضم مخطِّط عسكري إسرائيلي سابق إلى ثلاثة خبراء لمناقشة الحسابات الحالية لـ “حزب الله” وإسرائيل وتداعيات السياسة الأمريكية إذا اختارا الحرب أو الهدنة.
“في 28 حزيران/يونيو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع الدكتور ماثيو ليفيت، وحنين غدار، وديفيد شينكر، وأساف أوريون. والدكتور ليفيت هو زميل أقدم في برنامج الزمالة “فرومر وويكسلر” ومدير “برنامج جانيت وايلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات” في المعهد. وغدار هي هي زميلة أقدم في برنامج الزمالة “فريدمان” في “برنامج «ليندا وتوني روبين» حول السياسة العربية” في المعهد وشاركت في إنشاء خريطته التفاعلية لتتبع الاشتباكات على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. وشينكر هو زميل أقدم في برنامج الزمالة “توب” في معهد واشنطن ومدير “برنامج «ليندا وتوني روبين» حول السياسة العربية”، كما شغل سابقا منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى. وأوريون هو “زميل ريؤفين الدولي” في المعهد والرئيس السابق لـ “القسم الاستراتيجي في مديرية التخطيط” التابعة لـ “هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلي”. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
الدكتور ماثيو ليفيت
كانت التوترات بين “حزب الله” وإسرائيل تتصاعد قبل وقت طويل من حرب غزة. وعلى الرغم من التركيز بشكل أساسي على سوريا في السنوات الأخيرة، فقد استثمر الحزب باستمرار في قدرته على ضرب إسرائيل من خلال حفر الأنفاق وتطوير أنظمة الصواريخ. وبدأ بإعادة تأكيد وجوده على طول الحدود قبل عامين. ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، تعهد بمحاربة إسرائيل تضامناً مع غزة. ويكمن السبب الرئيسي الآخر وراء التصعيد الأخير بأن إسرائيل لم تعد قادرة على تحمل إطلاق “حزب الله” الصواريخ والطائرات بدون طيار عبر الحدود بشكل شبه يومي. وتحرص الحكومة الإسرائيلية على إعادة المواطنين إلى منازلهم في شمال البلاد قبل بدء العام الدراسي الجديد في خريف هذا العام.
وإذا انتقلت الأطراف إلى حرب واسعة النطاق، فستكون هذه الحرب أكثر تدميراً حتى من القتال في غزة. وقد حذر الأمين العام لـ “حزب الله”حسن نصر الله من أن الحزب سيقاتل “بلا ضوابط ولا قواعد ولا أسقف”، وتعهد كل جانب بإلحاق أضرار جسيمة بالجانب الآخر. وفي مثل هذه الحرب، يمكن لـ”حزب الله” أن يدّعي النصر ببساطة من خلال الصمود، ومن خلال الإشارة إلى أن هجماته أدت إلى إخلاء المنطقة الحدودية من اليهود إلى حد كبير لعدة أشهر، وهو موضوع محتمل لحملته الدعائية الكبيرة القادمة المناهضة لإسرائيل. وبالنسبة لإسرائيل، فإن النصر يعني دفع الحزب إلى التراجع حوالي سبعة إلى عشرة كيلومترات عن الحدود وتدمير ما يكفي من قوته القتالية لكي يتمكن السكان الذين تم إجلاؤهم من العودة إلى ديارهم.
ومن غير المرجح أن تنجح الدبلوماسية في منع صراع أعمق بين الجانبين، لا سيما على المدى الطويل. ومن خلال تعهد نصر الله بمحاربة إسرائيل إلى حين يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فقد منح فعلياً لقائد “حماس” يحيى السنوار سلطة النقض على أي تهدئة على المدى القريب على طول الحدود اللبنانية. ومن غير المرجح أيضاً أن يوافق “حزب الله” على حل دبلوماسي طالما يعتقد أن بإمكانه الحفاظ على الوتيرة الحالية للقتال دون المخاطرة بإشعال حرب شاملة.
وفي إسرائيل، أدى هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى تغيير وجهة نظر البلاد بشكل كامل بشأن التهديدات الأمنية الخارجية، مما قلّص احتمال قبولها لتهديد دائم من قبل “حزب الله” على حدودها أو حل دبلوماسي يؤدي ببساطة إلى تأجيل المشكلة فيما يتعلق بالترسانة الصاروخية والصواريخ الضخمة التي يمتلكها الحزب. وبناءً على ذلك، ومع تصاعد النزاع، يجب أن يتمحور دور الولايات المتحدة حول شقين: (1) ردع التدخل الإيراني المباشر والواسع النطاق، إذا لزم الأمر من خلال عمل عسكري مشترك منسق من النوع الذي شهدناه عندما شنت طهران ضربة مباشرة على إسرائيل في نيسان/إبريل الماضي، و(2) استهداف طرق الإمداد بين إيران ووكلائها بشكل أكثر حدة.
حنين غدار
ارتبط تصعيد “حزب الله” بمراحل حرب غزة، مما يشير إلى أن الحزب يريد المشاركة في مفاوضات ما بعد الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين. فقد بدأ باستخدام أسلحة أكثر تقدماً بعد الهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل في نيسان/إبريل، على الرغم من أنه لم ينشر بعد أنظمته الأكثر فعالية. ومؤخراً، قام بتصعيد هجماته بسرعة رداً على الهجوم الإسرائيلي في رفح واقتراح إدارة بايدن لخطة من ثلاث خطوات لغزة.
وترتبط حسابات “حزب الله” بحسابات إيران لأنه، على عكس الوكلاء الآخرين، فإنه مرتبط عضوياً بـ”فيلق القدس” التابع “للحرس الثوري الإسلامي” الإيراني ويلعب دوراً في عملية صنع القرار في طهران، وإن كان دوراً فرعياً. ولا تريد إيران التورط بشكل مباشر في النزاع الحالي ولن تتدخل إلا إذا هددت إسرائيل برنامجها النووي أو قبضَتِها على السلطة السياسية. وفي هذا السياق، يعمل “حزب الله” أيضاً بمثابة بوليصة تأمين للنظام، حيث يوفر رادعاً ضد إسرائيل وحماية للأصول الإيرانية داخل لبنان.
وفيما يتعلق بالدفع الدولي الحالي للتوصل إلى حل دبلوماسي، ينبغي على المسؤولين التركيز على التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين “حزب الله” وإسرائيل لتجنب نزاع واسع النطاق. فقد فشلت المبادرات السابقة التي سعت إلى تحقيق أهداف أوسع نطاقاً – مثل “قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701″، الذي منع “حزب الله” من الإبقاء على تواجده جنوب نهر الليطاني – مراراً وتكراراً لأن قوات حفظ السلام الدولية والجيش اللبناني لم يكونا على مستوى مهمة فرض القانون. ويتطلب الحل الدبلوماسي طويل الأمد إعادة ترسيخ سيادة الدولة في لبنان، وبشكل أساسي من خلال “قرار مجلس الأمن رقم 1559″، الذي دعا إلى مكافحة المهربين على طول الحدود اللبنانية السورية والحد من قدرة “حزب الله” على العمل كقوة عسكرية في الداخل. ولا يمكن لوقف إطلاق النار مع إسرائيل أن يستمر إلى أجل غير مسمى دون معالجة هذه المخاوف بشأن التهريب والسيادة.
ديفيد شينكر
يتمثل الهدف الرئيسي لإسرائيل بدفع “قوة الرضوان” – وحدات النخبة المنتشرة بكثافة والتابعة لـ”حزب الله” – بعيداً عن الحدود. فمنذ تشرين الأول/أكتوبر، عندما كثّف “حزب الله” هجماته على طول الحدود، استهدفت إسرائيل على وجه التحديد أفراد الحزب وأصوله الرئيسيين في جنوب لبنان وسهل البقاع، مما أدى إلى إلحاق أضرار تقدر بنحو 1.5 مليار دولار. وكما هو الحال في إسرائيل، فر ما يقرب من 70 ألف مواطن لبناني من منازلهم في المنطقة وانتقلوا شمالاً، بحثاً عن مأوى في المساكن الحكومية أو لدى أقاربهم. لكن على الرغم من هذه المعاناة المدنية، لم يواجه “حزب الله” ضغوطاً منسقة من ناخبيه لإنهاء التصعيد.
منذ بعض الوقت، أصبح الحزب ينظر إلى إسرائيل على أنها منقسمة وضعيفة نظراً لعدة عوامل: وضع حرب غزة، والاحتجاجات الداخلية على مشروع القانون العسكري، والانقسامات الملموسة مع واشنطن، وزيادة العزلة على الساحة الدولية، والانقسامات السياسية مثل تلك التي دفعت مؤخراً المسؤول الذي يحضى بشعبية واسعة بيني غانتس إلى الاستقالة من حكومة الحرب برئاسة بنيامين نتنياهو. وعلى هذا النحو، قد يكون “حزب الله” وإيران راضيين عن الوضع الحالي. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن نصر الله وسع تهديداته الشهر الماضي لتشمل قبرص، الأمر الذي قد ينبئ باستعداد الحزب لمهاجمة التجارة في البحر الأبيض المتوسط كما يفعل الحوثيون المدعومون من إيران في البحر الأحمر.
وسيعتمد نجاح الجهود الدبلوماسية الأمريكية في لبنان على ما سيحدث بعد إعلان إسرائيل نهاية “العمليات القتالية الكبرى” في غزة. ويبدو من غير المرجح التوصل إلى وقف رسمي لإطلاق النار مع “حماس” – فهل سيكون التخفيض غير الرسمي للعمليات الإسرائيلية في غزة كافياً لكي ينهي “حزب الله” حملته في الشمال؟ وهل ستكون الميليشيا مستعدة لسحب “قوة الرضوان” إلى نهر الليطاني؟
سوف تؤثر القضايا الأخرى المثيرة للجدل على الدبلوماسية أيضاً. ولعل أبرز هذه التحديات هو “قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان” (“اليونيفيل”)، التي ظلت لفترة طويلة بمثابة آلية مراقبة غير فعّالة ومن غير المرجح أن تتحسن. ولن يساعد نشر الجيش اللبناني في الجنوب كثيراً أيضاً. فلدى الجيش اللبناني تاريخ من التواطؤ مع “حزب الله” وعرقلة قوات “اليونيفيل”، ولن يعمل قط ضد مصالح “حزب الله”.
وإذا اندلعت حرب أوسع نطاقاً، فإن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم إسرائيل بالذخائر والمعلومات الاستخبارية. وقد يتعيّن عليها أيضاً مساعدة البلاد على مواجهة الزيادة المحتملة في هجمات الحوثيين بالصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية.
أساف أوريون
أصبحت جميع المناطق في شمال إسرائيل الواقعة على بعد خمسة كيلومترات من الحدود اللبنانية منطقة حرب، حيث تشهد هجمات يومية لـ”حزب الله” على مدن مختلفة. ومع ذلك، تجنب الحزب حتى الآن ضرب المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، واستهدف المنشآت العسكرية بدلاً من ذلك. وعلى هذا النحو، أعرب العديد من المسؤولين الإسرائيليين عن ندمهم على إخلاء المنطقة في العام الماضي.
وتشمل الخطة الحالية لإعادة المواطنين إلى الشمال وقف القتال اليومي، وإبعاد “حزب الله” عن الحدود، ونشر دفاعات أكثر قوة على طول الحدود. وستتمثل الصعوبة بالمواءمة بين الجهازين السياسي والعسكري الإسرائيلي، اللذين يختلفان إلى حد كبير حول التكتيكات الأمنية.
وتشكل إيران تحدياً كبيراً آخر، إذ يبدو أنها دخلت مرحلة جديدة من العدوان والمخاطرة دعماً لوكلائها. وفي ظل هذه الظروف، من الممكن أن تنجر أطراف معينة عن غير قصد إلى الحرب، خاصة وأن “حزب الله” وطهران يثقان الآن إلى حد كبير في قدرتهما على إلحاق الضرر بإسرائيل.
وفيما يتعلق باتخاذ قرار بشأن كيفية المضي قدماً، لدى إسرائيل ثلاثة خيارات أساساً: التحرك نحو حرب شاملة ضد “حزب الله”، أو الاستمرار في الاستراتيجية الحالية المتمثلة في العمليات الهادفة، أو التوصل إلى حل دبلوماسي. وتُعتبر متطلبات المسار الأخير واضحة، إذ يتعين على بيروت أن تعيد سيطرة الدولة على جنوب لبنان، ويتعين على المجتمع الدولي أن يعترف بضرورة تدمير خطوط الإمداد الإيرانية إلى وكلائها، وهي المشكلة الرئيسية الكامنة وراء دورات التصعيد الأخيرة. من الناحية الواقعية، لن يؤدي الاتفاق الدبلوماسي إلا إلى معالجة الظروف الحالية للنزاع الناشط – فمن غير المرجح أن يعالج المشاكل الأساسية مثل انتشار “حزب الله” جنوب الليطاني أو حصول الحزب على أسلحة متقدمة من الخارج. وبالتالي، لن يستمر الاتفاق إلا إلى حين اعتقاد نصر الله أنه قادر على مهاجمة إسرائيل من جديد بشكل آمن.