الغرب قلق من استغلال الصين لحرب أوكرانيا لتقويض نفوذه العالمي

الغرب قلق من استغلال الصين لحرب أوكرانيا لتقويض نفوذه العالمي

تستمر الحرب الأوكرانية-الروسية التي ينخرط فيها الغرب إلى جانب كييف، غير أن الرابح الكبير حتى الآن هي الصين التي تعزز من نفوذها العسكري بشكل ملفت سواء على مستوى التسليح أو الانتشار ومنها المناورات التي أجرتها مع بيلاروسيا على الحدود مع دولة عضو في الحلف الأطلسي وهي بولندا. ولهذا، ركزت قمة الحلف الأطلسي في واشنطن بمناسبة تخليد الذكرى 75 لتأسيسه هذا الأسبوع الجاري على الدور الصيني ووجهت إنذارا قويا إلى بكين.

حرب متعددة الأطراف

وهكذا، الحرب الأوكرانية-الروسية هي حرب متعددة الأطراف بشكل مباشر أو غير مباشر، وإن كانت تجري بين موسكو وكييف، فمن جهة، يقف الغرب سواء عبر دول بشكل فردي أو عبر الحلف الأطلسي إلى جانب أوكرانيا، ويكفي الاطلاع على القرارات المتخذة في القمة الأخيرة لهذا التكتل العسكري لمعرفة مدى التزامه بعدم سقوط أوكرانيا، فهذه الأخيرة هي السور الذي يحمي أوروبا. ومن جهة أخرى، وقوف دول إلى جانب روسيا مثل إيران التي تزودها بالطائرات المسيرة التي تلعب دورا هاما في هذه الحرب وكوريا الشمالية التي تزودها بالذخيرة الحية، ثم الصين التي تؤّمن لروسيا بعض الدعم العسكري وأساسا الاقتصادي لأنها أصبحت الشريك الرئيسي لموسكو والدولة التي تستقبل أعلى نسبة من صادرات روسيا من الطاقة.
غير أن الصين تستغل هذه الحرب لكي تحقق أهدافا استراتيجية، وهي استغلال انشغال الغرب بدعم أوكرانيا لتعزيز نفوذها العسكري في العالم بعدما عززت منذ سنوات نفوذها الاقتصادي وتحولت إلى أكبر قوة تجارية عالمية متفوقة على الولايات المتحدة.

بكين وحرب أوكرانيا

ويتبين من خلال مسايرة الأحداث الدولية الكبرى التي تشكل منعطفا في وقتنا الراهن، كيف تستغل بكين الأزمات الكبرى لتعزيز نفوذها الدولي. فقد استغلت أنانية الغرب إبان جائحة كوفيد لتقدم نفسها بمثابة المساعد الرئيسي لدول الجنوب التي كانت في أمس الحاجة للدواء وخاصة اللقاح. وتستغل الانحياز اللاإنساني للغرب في حرب قطاع غزة لتقدم نفسها مخاطبا سياسيا وأخلاقيا لدول الشرق الأوسط لتلعب دورا رئيسيا في البحث عن حل للنزاع مستقبلا. وتبقى الحرب الروسية-الأوكرانية فرصتها الرئيسية لتحقيق عدد من النتائج الاستراتيجية ومنها:
بناء الحلف الروسي-الصيني: تدرك بكين الانعكاس الخطير لهزيمة روسيا أمام أوكرانيا، إذ سيعجل بتحويلها إلى العدو الرئيسي للغرب، لأن الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي تطيح تدريجيا بالغرب وخاصة الولايات المتحدة من عرش زعامة العالم. ووعيا بهذا، تقف الصين مع روسيا اقتصاديا تفاديا لضعفها وتراجعها، ولا يمكن فهم صمود الاقتصاد الروسي من دون الدور الصيني. وهي بهذا تعمل على استنزاف الغرب في هذه الحرب لأنها تستمر. وبعد سنتين ونصف من الحرب، ظهر الاستنزاف الذي يعاني منه الغرب وخاصة أوروبا ولاسيما في مجال الأسلحة والذخيرة. من ضمن أهم ما تقدمه الصين لروسيا هو الآلات الصناعية ذات الاستعمال المزدوج المدني والعسكري تساعد موسكو في الصناعة العسكرية مثل الذخيرة. ولهذا، لم يتراجع مستوى التصنيع العسكري في روسيا رغم ما تستهلكه هذه الحرب.
ومن مظاهر الدعم الصني الآخر، هو التنسيق القوي بين موسكو وبكين في القرارات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن، سواء معارضة أي قرار يمس موسكو مثل العقوبات أو قرار يمس مناطق يعتبرها هذا الثنائي ضمن فلكهما.
الانتشار العسكري: اللافت عسكريا هو كيف ترفع الصين من إيقاع مناوراتها العسكرية. ومن ضمن ما أبرزه الموقع الرقمي العسكري الفرنسي «أوبكس 360» هو قيام الصين بمناورات متعددة سواء رفقة روسيا أو مع دول أخرى. وتفاجأ الغرب كيف قامت الصين خلال الأسبوعين الأخيرين بمناورات عسكرية مع جيش بيلاروسيا وعلى مقربة من الحدود البولندية. وكان الجيش الصيني ينسق دائما مع نظيره الروسي في مثل هذه المناورات، ولكن هذه المرة انتقل إلى التنسيق مباشرة مع بيلاروسيا. ويوجد تخوف غربي كبير من احتمال قيام الصين ببناء قاعدة عسكرية في بيلاروسيا، أي على حدود الغرب. وتعلق أوبكس 360 على هذه المناورات «ومهما يكن من أمر، فبينما يستعد حلف الناتو للاحتفال بالذكرى الـ 75 لتأسيسه في واشنطن، فإن انتشار جيش التحرير الشعبي الصيني في بيلاروسيا هو وسيلة لبكين لإظهار قدرتها على إبراز قواتها في مسارح خارجية».
ودائما وقبل احتفال الحلف الأطلسي بالذكرى 75 في واشنطن هذا الأسبوع، تقرر الصين رفقة روسيا تسيير دوريات بحرية عسكرية في عدد من مناطق المحيط الهادي، انطلقت بمناورات مشتركة ويبدو أنها ستصبح دوريات حربية مستمرة على طول العام، ما يخلق لحلفاء الولايات المتحدة اليابان وكوريا الجنوبية تهديدات ضمنية.
غير أن المفاجأة الكبرى للولايات المتحدة، كما تنقل «نيوزويك» هي إبحار ست سفن حربية صينية بالقرب من المياه الإقليمية الأمريكية في ألاسكا، علما أن الصين نادرا ما تقترب من هذه المنطقة. ويبقى حضورها في منطقة ألاسكا ومنها في ممرات تؤدي إلى القطب الشمالي عنوانا لاستعراض الصين لقوتها العسكرية.
وخلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت الصين تمتلك قوة حربية بحرية تقترب من الولايات المتحدة. وكان الأدميرال سامويل بابارو قائد الأسطول الأمريكي الهادي-الهندي قد حذّر يوم 1 شباط/فبراير الماضي في جلسة في الكونغرس من السرعة الخطيرة التي يتطور بها الأسطول الحربي الصيني على حساب الأمريكي، ما سيخلق للنفوذ الأمريكي مشاكل كبيرة جدا في عدد من مناطق العالم.
تعتبر واشنطن والغرب معها الصين التهديد الحقيقي لتقليص النفوذ الغربي في العالم نظرا لقوتها الاقتصادية والعسكرية والتحالفات التي تنسجها. وارتفع مستوى الإحساس بالخطر انطلاقا من الحرب الأوكرانية-الروسية والدور الذي تقوم به بكين في دعم موسكو لخدمة استراتيجيتها الخاصة. ولهذا سطرت قمة الحلف الأطلسي في واشنطن هذا الأسبوع الجاري بمناسبة الذكرى 75 لهذا التكتل العسكري بأن الصين «منافس نظامي يسعى إلى تقويض النظام الدولي القائم على القواعد» التي أرساها الغرب. ولا تتراجع بكين أمام هذه الضغوط الغربية ومنها التلويح بالعقوبات الاقتصادية، وتتهم الغرب بمحاولة استمرار قيادة العالم لفائدة دول قليلة وخاصة المحور الأنغلوسكسوني.