حسمتِ الجولةُ الثانيةُ من الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة التي جرت في 5 تموز/يوليو الجاري السباق الرئاسي لصالح المرشح المعتدل مسعود بزشكيان على حساب منافسه المرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي. وبذلك يكون بزشكيان الرئيس التاسع للجمهورية الإسلامية الإيرانية للسنوات الأربع المقبلة، خلفاً لإبراهيم رئيسي الذي قضى في حادث تحطم مروحية. ووفق النتائج النهائية الرسمية، فإن إجمالي الأصوات التي تمَّ فرزها بلغ 30.530.157 صوت بنسبة 49.8 في المئة. وحصل فيها مسعود بزشكيان على 16.384.403 أصوات (ما يعادل 53.6 في المئة) وسعيد جليلي على 13.538.179 صوت (ما يعادل 44.3 في المئة).
وكتب بزشكيان بعد انتخابه، على منصة «X «مخاطبًا الشعب: «لقد انتهت الانتخابات، وهذه مجرد بداية لمصيرنا المشترك. إن الطريق الصعب الذي أمامنا لن يكون سلسًا إلا برفقتكم وتعاطفكم وثقتكم، أمد يدي إليكم، وأُقسم بشرفي أنني لن أترككم وحدكم في هذا الطريق، فلا تتركوني وحدي». وفي إشارة لافتة، قال: «أنا غير مدعوم من حزب أو جهة، والشعب هو مَن انتخبني. ونمدّ يد الصداقة للجميع وكلنا أبناء هذا البلد».
واعتبر المرشح الخاسر سعيد جليلي أنّ «المنافسة تستمر حتى يوم الانتخابات لكن على الجميع احترام نتيجة تصويت الشعب» مضيفاً: «بعد الانتخابات علينا أن نعمل جميعاً لكل إيران».
وقرأ الدبلوماسي السابق أمير موسوي النتائج على أن المواطن الإيراني يولي القضايا الداخلية اهتماماً كبيراً، ويريد أن يحل مشاكل البطالة، والتضخم، والغلاء، وفرص العمل، وتحسين الحياة اليومية. وتوقّف عند الخصائص التي يمتاز بها بزشكيان الذي يعرفه عن قرب. فهو رجل ملتزم بتوجهات المرشد الأعلى علي خامنئي وبمقام ولاية الفقيه، وصاحب تجربة عملية تنفيذية وبرلمانية، ويُعرف بأنه صادق في كلامه، وزاهد في حياته، وإنسان نزيه. كما أنه ملتزم بالدستور والقوانين الوضعية، ويحترمه الطرفان (المحافظ والإصلاحي). ورأى موسوي أن مسارعة شخصيات محافظة – ومنها متشددة – لتهنئة بزشكيان، هي تعبير عن صوابية قرار مجلس صيانة الدستور في الموافقة على أهلية الرجل. لكن اعتبر أن أمام الرئيس المنتخب تحدياً يتمثل بالخروج من عنق زجاجة المستشارين والمتطرفين الذين كانوا معه في الحملة الانتخابية، معولاً على أنه يستطيع ذلك بقوة الدعم الشعبي ودعم المنظومة السياسة له.
بزشكيان، الذي شغل منصب وزير الصحة في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، لقي دعم هذا الأخير، الذي وجَّه رسالة إلى الناخبين داعياً إياهم للتصويت، وواصفاً إياه بأنه مؤهل من أجل فتح ثغرة وباب التغيير بعدما تمَّ إهمال حقوق وكرامة المجتمع. وكذلك لقي دعم الرئيس الأسبق حسن روحاني، الذي كان وزير خارجيته محمد جواد ظريف الوجه الأبرز في الحملة الانتخابية والمدافع الشرس عن الاتفاق النووي الذي يشكل أحد أعمدته، والذي يؤخذ عليه انفتاحه على العلاقات مع الغرب.
ووصف المرشد الإيراني، علي خامنئي، الانتخابات الرئاسية بأنها «حرة وشفافة» ونصح الرئيس المنتخب، بمواصلة طريق إبراهيم رئيسي، من خلال «الاستفادة من الموارد البشرية الشابة والثورية والمخلصة» حسب تعبيره. في حسابات الربح، قدمت إيران مشهداً لتداول سلس في السلطة، في ظل هدوء داخلي، حيث لم تسجل مشاهد احتجاجات كانت تشهدها المدن الإيرانية على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني التي اعتقلتها شرطة الأخلاق بحجة عدم ارتدائها الحجاب بطريقة سليمة، وهي الاحتجاجات التي هزت ركائز النظام في بعده العقائدي الديني قبل أن يتمكن من قمعها. وفيما كانت المخاوف من تدني نسبة الإقبال، كما جرى في الجولة الأولى في 28 حزيران/يونيو الماضي، التي كانت الأدنى في تاريخ الانتخابات، حيث لم تصل إلى 40 في المئة، لامست انتخابات الجولة الثانية نسبة الـ50 في المئة. وهذه النسبة تُريح النظام لجهة تأكيد شرعيته الداخلية. وسوف يُهدئ فوز بزشكيان من سخط الشغب الغاضب على النظام، وهو ما يمكن اعتباره مكسباً للمرشد وجماعته من المحافظين والمتشددين الذين سيكون بمقدورهم التقاط الأنفاس لبعض الوقت لتمرير عواصف الداخل التي سيكون الرئيس المعتدل في وجهها.
كما توفر نسبة الانتخابات غير المتدنية، وفوز بزشكيان على جليلي المتشدد، شرعية النظام تجاه الخارج، ولا سيما في ظل التحديات التي تمر بها البلاد وانخراط إيران في مواجهات مع الغرب ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية من غزة إلى أوكرانيا إلى الاتفاق النووي.
ليس هناك من وهم بأن الرئيس الجديد قادر أن يحدث تحولاً كبيراً في الملفات الخارجية. فالتوجهات الاستراتيجية للدولة يرسمها المرشد وهو صاحب الكلمة في السياسة الخارجية، ولا سيما في الملف النووي الإيراني، ولا يملك الرئيس تأثيراً على الحرس الثوري الذي يخترق كل مفاصل الحياة والمؤسسات في الداخل والمعني بالأذرع العسكرية الإيرانية خارج البلاد، والتي تُشكِّل مصدر نفوذ لمشروع ولاية الفقيه.
قد ينظر البعض إلى أن مفاجأة الانتخابات هي هزيمة بزشكيان لجليلي المحافظ المتشدد والمعارض بشدة للاتفاق النووي. لكن تلك المفاجأة قد ينتهي في اليوم التالي للانتخابات حيث إن الأنظار ستتجه إلى المشهد الأهم بعد فوز بزشكيان في الانتخابات الرئاسية، وهو تشكيل الحكومة والوزراء الذين سيختارهم، وما إذا كان سيعود عراب الاتفاق النووي محمد جواد ظريف إلى وزارة الخارجية ومعه وجوه حقبة الرئيس السابق حسن روحاني أم أن دورهم سينتهي مع انتهاء الانتخابات. فالرئيس الجديد عليه أن يتعامل مع مجلس الشورى الذي يغلب عليه المحافظون، وهو يعلم أن صلاحياته ليست واسعة كما هي صلاحية الرئيس في النظام الرئاسي. هو قال إن «الناس غير راضين عنّا» خصوصاً بسبب عدم تمثيل المرأة، وكذلك الأقليات الدينية والعرقية، في السياسة، وأنه لا بد من «علاقات بنّاءة» مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية من أجل «إخراج إيران من عزلتها» وهي أمور لا تكون صعبة المنال ما دامت تتم تحت رعاية المرشد والدولة العميقة.