دخل اتفاق وقف النار في لبنان إلى حيز التنفيذ. وعرض الرئيس بايدن الاتفاق وشدد على أنه “وقف نار دائم”. كما تناول التزامه بإعادة المخطوفين وإنهاء الحرب في غزة، وسيكون التشديد الآن على شكل تنفيذ الاتفاق، لكن هناك عدة مسائل مركزية ستقرر ما إذا كانت هذه مسيرة طويلة المدى من الاستقرار:
منع تهريب السلاح من إيران إلى حزب الله: الهدف منع إعادة بناء حزب الله عسكرياً، ولمعابر الحدود بين سوريا ولبنان أهمية كبرى في هذا الشأن. لن يستطيع الجيش اللبناني وحده أن ينفذ رقابة وثيقة لمعابر الحدود. وعليه، فسيكون هناك دور مركزي للاعبين خارجيين – الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وربما روسيا. لموسكو مصلحة واضحة في الحفاظ على حكم الأسد في دمشق، وعليه فهي كفيلة بأن تساهم في مسيرة التسوية في لبنان مقابل ذلك. زيارة رون ديرمر إلى موسكو، أشارت إلى رغبة إسرائيل في تأييد روسي بقدر ما يمكن التوقع والاعتماد عليه.
إعادة بناء جنوب لبنان: الاضطرار لإعادة بناء المنطقة في نهاية أكثر من سنة من الحرب، بات أمراً حيوياً في المدى الفوري؛ حتى يسمح بعودة السكان إلى بيوتهم. ولا يدور الحديث عن مسألة اقتصادية، بل عن تحدٍ سياسي حقيقي. فلمنع حزب الله من أعادة بناء مكانته من خلال مصادره المالية، ينبغي ضمان ألا تنقل المساعدات الدولية إلا عبر حكومة لبنان. وهكذا يمكن المساهمة في مسيرة تعزيز الدولة. وكانت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، المقربة من الحزب قد شددت على ضرورة التركيز على عملية إعادة البناء.
استقرار الساحة السياسية في لبنان: مؤسسات الدولة تؤدي مهامها عملياً بشكل ناقص منذ أكثر من سنتين. موازين القوى السياسي، بالتشديد على قوة حزب الله، منعت انتخاب رئيس تقبله عموم الجهات. في ضوء ضعف واضح لحزب الله، بما في ذلك تصفية سلسلة قيادته، سيكون ممكناً تحريك مسيرة سياسية تتيح انتخاب رئيس وحكومة دائمة، وهو الأمر الذي يتعلق باللاعبين السياسيين داخل لبنان، بالطبع، بمساعدة لاعبين خارجيين ذوي صلة. فهل سيستغل اللبنانيون اللحظة المناسبة؟ سنرى.
تسوية نقاط الخلاف في الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان: بعد التوقيع على الاتفاق البحري، جرى الحديث كثيراً عن الحاجة للمضي إلى تسوية الخلافات في موضوع الحدود البرية. ولهذا أهمية الآن، رغم أن إسرائيل الرسمية تشدد بأن هذا لن يتم إلا “إذا رغبت في ذلك”. بعض من النقاط سهلة على الحل، وأخرى أكثر تحدياً. أما موضوع مزارع شبعا فيستوجب مشاركة سورية. جدير بالتعاطي مع هذه المفاوضات، إذا ما استؤنفت، بشكل بناء، وليس انطلاقاً من تقدير متفائل بأنه يمكن حل عموم الخلافات بسرعة، بل في ضوء حقيقة بقاء إطار مفاوضات على حوار سياسي، وإن كان غير مباشر، يساعد على تعزيز العنوان السياسي في لبنان.
من المهم جداً في هذه المرحلة التشديد على ثلاث نقاط أساسية:
لا ينبغي لإسرائيل أن تكون مشاركة، بشكل غير مباشر أو ظاهر، في السياقات اللبنانية الداخلية التي أشرنا إليها آنفاً، حتى وإن كانت لها مصلحة مباشرة بالشكل الذي تتحقق فيه، وإن لم تكن لها أيضاً. فمشاركة إسرائيلية من ربما تميت كل مسيرة سياسية داخلية بناءة في مهدها.
إسرائيل ملزمة بمتابعة السياقات التي ستقع في المنطقة بعد وقف النار. حزب الله ضعف بشكل جوهري، لكنه لم يختفِ عن الساحة. من المهم التصرف وفقاً لتوقعات أصحاب القرار والجمهور في إسرائيل. يسوق الطرفان يسوقان الاتفاق كإنجاز، إلى جانب شكوك في موضوع طول نفسه. ربما نكون شكاكين، لكن الأهم هو المساهمة في فرص نجاح الاتفاق، بما في ذلك حيال الرأي العام.
هناك الكثير الآن على كاهل دولة لبنان والمجتمع اللبناني. قدر كبير من الشك في هذا السياق واقعي تماماً، لكن يجب أن تقوم إسرائيل بما هو ملقى على عاتقها. هي، وليس أي طرف آخر.