واشنطن.. مشاركة فعلية أم حلول سلمية

واشنطن.. مشاركة فعلية أم حلول سلمية

اياد العناز 

لو أخذنا مسيرة الأهداف التي انطلقت منذ اليوم الأول للضربات الجوية والصاروخية في الثاني عشر من حزيران 2025 بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، لرأينا أن الهدف الرئيسي الأول في المعيار الميداني والاستباقي العسكري تمثل باستهداف أركان النظام السياسي الإيراني من القيادات المهمة الفاعلة في منظومة الحكم القائم لشل حركة القيادة والتحكم والتوجيه ومن ثم الانطلاق نحو الأهداف والغايات الأساسية من العملية الاجهاضية التي قامت بها إسرائيل والمتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.
استخدمت جميع المعايير والأساليب الهجومية في تنفيذ المهام العسكرية والتي ساهمت فيها مجموعة من الوسائل والأدوات الاستخبارية التي تضمنت ملفات كاملة بمعلومات دقيقة شملت جميع مواقع المنشأت النووية والمواقع العسكرية والمقرات الأمنية العليا في إيران وتحديدًا وزارتي الدفاع والمالية ورئاسة الأركان وقيادات الحرس الثوري وجميع مؤسسات الأمنية والتعبوية.
ابتدأت الضربات الجوية والصاروخية بضرب المواقع الرئيسية المنشأت العسكرية المتعلقة بإنتاج الصواريخ ورادارات الدفاع الجوي ثم الانتقال إلى المخازن التي تحتوي على الخزين الفعال في إطالة أمد المواجهة بين تل أبيب وطهران والتي كانت هدفـًا مهمًا وتعبويًا حاولت فيها القوات الإسرائيلية اجهاض فاعلية واستمرار الرد الإيراني تجاه الطلعات الجوية للطائرات المقاتلة والصواريخ بعيدة المدى بعد أن تمكنت من أحكام السيطرة على المجال الجوي الإيراني وتنفيذ أي عملية عسكرية واختيار أي من الأهداف الأرضية، وشملت الضربات أهم المواقع المخازن العسكرية في مدينتي ( تبريز وكرمنشاه) وادت إلى تدمير معظم الرادارات وإضعاف منظومات الدفاع الجوي مستهدفة مخازن المعدات والأجهزة الفنية والتقنية الداخلة في صناعة الرادارات ذات الأبعاد الدفاعية في مواجهة أي هجوم إسرائيلي عبر الأجواء الإيرانية.
وانتقلت عملية المواجهة المباشرة لتأخذ الجهات الإيرانية دورها في إعداد الترتيبات ومعاودة حالة الردع العسكري والذي ابتعد في مضمونه عن الردع الموازي والمماثل للاهداف الإسرائيلية ولكنه تمكن من اعادة تنظيم فعالية التوجيه القيادي بتعين قيادات عسكرية وأمنية جديدة اعتبرت في المنظور القيادي من الصف الثالث والتي لم تُختبر في مواجهات شاملة أو حروب دائمة كما كانت القيادات العسكرية التي استهدفت في اليوم الأول من المواجهة بين إسرائيل وإيران والتي سبق لها وأن شاركت في الحرب العراقية الإيرانية واكتسبت الكثير من التجارب الميدانية في المشهد السوري والميدان اللبناني، اقحمت القيادات الجديدة في مواجهة مباشرة مع خطر كبير داهم منظومة الأمن القومي الإيراني ومستقبل البلاد.
حاولت إسرائيل منذ بدأ العمليات أن تنهي أهدافها وغاياتها في تفكيك البرنامج النووي الإيراني وضرب منشأته ومواقعه في ( نطنز وفوردو بوشهر وأراك) ولكنها لم تتمكن من إكمال عمليتها الاجهاضية وإنما وسعت من دائرة الخطر في منشأة نطنز وإصابة والذخائر والصواريخ الإسرائيلية الاسطح والممرات المؤدية إلى منشأة فوردو التي يبلغ عمق وجودها تحت الارض بمسافة تقدر ما بين 50-80متر، وهي التي تحتاج إلى ذخائر بزنة (1800) كغم وقنابل بقوة (5) اطنان وهي التي لا تمتلكها رئاسة الأركان الإسرائيلية، وحتى وأن حازت عليها فإنها لا تمتلك الطائرات المقاتلة التي تقوم بمهام حمل هذه والذخائر والقنابل بزنتها المعروفة لتشغيلها وتفعيل عملها والتي لا توجد إلا لدى القيادة المركزية للقوات الأمريكية ، ولهذا فإن جميع الضربات الإسرائيلية إصابة تدمير الإنفاق وانابيب التهوية وإمدادات المياه وقطع الكهرباء عن المصاعد التي توصل إلى أعماق الأرض.
كان من المتوقع أن تستهدف إيران المطارات العسكرية الإسرائيلية التي تحتوي طائرات ( أف 15 وأف 16 وأف 35) والمفاعلات النووية في رد متناسق ورده مماثل ولكنها لم تتمكن من الوصول إلى هذه الأهداف الرئيسية وإنما استهدفت مدن تل أبيب وحيفا وصحراء النقب واصابة بعض من المنشأت الاقتصادية والعلمية والقواعد الجوية وإنتاج الغاز والطاقة ولم تتمكن من إصابة واستهداف القيادات السياسية والعسكرية، وأخذت جانب مهم من القوى البشرية للتأثير المعنوي وأحداث هجرة معاكسة أو خلل في بنية المجتمع داخل العمق الإسرائيلي، وسعت إيران من ردها المباشر ان تقول أنها لا زالت تمتلك الإمكانيات القتالية الرادعة ولديها القدرة على المواجهة واستمرار القتال وهو ما ولد القناعة التامة لدى أوروبا والادارة الأمريكية من فاعلية القوة الإيرانية وقدرتها على ديمومة المواجهة وضرب إسرائيل في معقلها، والتي من الممكن أن تكون ساهمت في عملية تعزيز الدعم والمساندة لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإعطاء مبررات استمرار الضربات الجوية والصاروخية داخل العمق الإيراني.
أن من أهم المسائل التعبوية في قراءة الخارطة العسكرية لأي مواجهة على الأرض أن تنظر إلى مساحة وجبهة القتال وطبيعة الأهداف والنتائج المتحققة من الاصابات، فمساحة إيران تبلغ (1،640) كيلومتر مربع بينما مساحة إسرائيل ( 21،145) كيلومتر مربع، إذ إن إيران أكبر ب(74) مرة من إسرائيل، وهذا ما يجعل القوات الجوية والصاروخية الإسرائيلية تهاجم إيران بكل قوتها وما تمتلكه من إمكانيات واسعة يساعدها في تحقيق أهدافها على مساحة واسعة كبيرة وبتضاريس أرضية مختلفة من سهول وجبال ووديان، والأمر لدى إيران واضح فكلما تضيق مساحة الأهداف كلما تكون نسبة التأثير فيها أكبر، فالعاصمة الإيرانية (طهران) يسكنها (8) مليون نسمة بينما مدينة ( تل أبيب) يقطنها (471) ألف نسمة، وهذا مايعني كثافة الأهداف وليس السكان في المعيار التعبوي والأمني عند إصابة الأهداف والاخلال بالوضع الأمني والاستقرار النفسي.
استخدم الجانب الإيراني في هذه المواجهة سياسة الوجود وإثبات القوة والهجوم المقابل وإمكانية تحقيق الدفاع المؤثر، في محاكاة مباشرة لشعوبه ورفع المعنويات لديهم ورسالة للأخرين بأن إيران لديها المقدرة على القتال والاستمرار في تخصيب اليورانيوم وعدم الاذعان لأي شروط دولية وإقليمية، وهو ما كان واضحًا في جميع خطابات وتصريحات المسؤولين الإيرانيين وما أعلنها المرشد الأعلى علي خامنئي في رسالتين أطلقها بعد الضربات الجوية الإسرائيلية.
القيادة الإيرانية ترفض ان تكون الورقة السياسية الإيرانية مقايضة دولية وإقليمية أو موقع تفاوض حول حلول لمشاكل ونزاعات في منطقة الشرق الأوسط والعالم، فهناك أوساط سياسية إيرانية من التيار المحافظ والمتشدد ترفض الوساطة الروسية وتراها اسلوب روسي يستخدمه الرئيس بوتين من أجل إيجاد مقاربة مع الإدارة الأميركية لحل النزاع مع أوكرانيا وقبول إيران لصيغة تتعلق ببرنامجها النووي تتوافق مع رؤية الرئيس ترامب في تخصيب نسب معينة من اليورانيوم والدعوة إلى مفاوضات جديدة وحل دائم ووقف للقتال،وأصبح الوقت يضيق في كيفية التعامل مع الشروط الأمريكية والردود الإيرانية والوساطات الدولية والإقليمية.
أمام هذه المعايير الميدانية والأفاق المستقبلية والأهداف العسكرية، تكون الولايات المتحدة الأمريكية أمام خيار قادم للمشاركة الفعلية للتواجد في الميدان الإيراني وتحقيق لما لم تتمكن من إنجازه القوات الجوية الإسرائيلية في تحقيق إصابات بالغة تجاه المنشآت النووية الإيرانية والتي تعتبرها الهدف الأهم والاولى في عمليتها العسكرية تجاه إيران،والنظر بترقب إلى أي استجابة إيرانية لحلول سياسية وأمنية تتعلق ببقائها ونظامها السياسي وتأثيرها الإقليمي.

وحدة الدراسات الدولية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة