اياد العناز
عادت الأوساط السياسية والإعلامية في متابعة حثيثة لمجمل التطور الحاصل في العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد قرار مجلس الشورى الإيراني بمنع دخول رئيس الوكالة روفائيل غروسي والمفتشين المختصين بالنشاط النووي إلى الأراضي الإيرانية واتهامهم بالتجسس لصالح جهات دولية، بغد الضربات الجوية الأمريكية التي طالت منشأت ( فوردو ونطنز وأصفهان) في الثاني والعشرين من شهر حزيران 2025 وأثناء المواجهة الإسرائيلية الإيرانية.
أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ( أن تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيستمر حتى ضمان أمن العلماء والمراكز النووية) وبعد أن تم استحصال موافقة مجلس صيانة الدستور على تنفيذ الإجراء الخاص بالتعامل مع الوكالة الدولية ورئيسها التنفيذي.
تصاعدت حدة الخلافات بين إيران ومفتشي الوكالة بعد الهجمات الجوية والصاروخية التي ألحقت أضرارًا كبيرة بمنشآت التخصيب وادت إلى مقتل عدد من كبار علماء الذرة وتدمير أدوات ومعدات حيوية طمرت تحت الأنقاض، والحقت خسائر جسيمة بمركز أصفهان للبحوث النووية ومنشأة نطنز لتخصيب الوقود والدوائر والأقسام النووية التابعة لها والتي تعتبر من أهم المواقع النووية الثلاث في إيران، كما أدت الضربات الجوية الى تدمير أجزاء كاملة من منشأتي أصفهان ونطنز واصابة مفاعل آراك النووي بتدمير شامل.
ورغم التصعيد العسكري وتحقيق الغاية الأساسية والهدف المعلن من تدمير المنشآت النووية المسؤولة عن ادامة العمل في البرنامج النووي الإيراني، إلا أن القصف الجوي الأمريكي الإسرائيلي قد تسبب في معضلة كبيرة تتعلق بعمل وحركة مفتشي الوكالة الدولية المرتبطين بالأمم المتحدة ووصولهم إلى معرفة حقيقة المخزونات من اليورانيوم المخصب التي تساهم في صنع القنبلة النووية والأسلحة المتطورة وهل دفنت تحت الأنقاض نتيجة الضربات العسكرية أم أنها أُخفيت في مكان سري قبل بدأ المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، وهذا ما يجعل عملية البحث والتقصي الميداني شاقة وصعبة لمفتشي الوكالة الدولية اذا ما سمح لهم بالعودة لمزاولة اعمالهم.
ان الإجراءات والاحترازات السياسية والعسكرية التي اتخذتها القيادة الإيرانية ضد عمل وحركة مفتشي الوكالة الدولية لاقت رفضًا دوليًا وموقفًا صارخًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية وطالبت بعودتهم ومزاولة اعمالهم في التفتيش والرقابة الدائمة ومتابعة التسجيلات الخاصة بكاميرات المراقبة في المواقع ذات النشاطات النووية،
وهذا ما استدعى قيام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بالقول ( أن التعاون مع وكالة الطاقة الذرية سيتم عبر المجلس الأعلى للأمن القومي) وهو ما يشير إلى وضع عدة خيارات أمنية ووسائل ميدانية تتبع حركة المفتشين اذا ما حضروا في أي زيارة قادمة لإيران، مع تأكيد أن طهران لا تزال ملتزمة بمعاهدة منع الانتشار النووي واتفاقية الضمانات الخاصة بها.
وهناك عدة محاولات دولية وإقليمية عربية بالعودة إلى عقد الجولة السادسة من المفاوضات الأمريكية الإيرانية والتي تحدث عنها وزير الخارجية العُماني بدر بن حمد البوسعيدي بقوله ( إن رفع سقف الشروط والمطالب يصعب استئنافها سريعاً) وهذا ما يتطلب تقديم تنازلات من جميع الأطراف لكي تستأنف المفاوضات وجلسات الحوار السياسي والدبلوماسي أعمالها،
وهنا تأتي مجموعة من الأسئلة عن ماهية طبيعة المفاوضات وما المطلوب منها إنجازه وماهي الترتيبات الأميركية التي تسعى إليها إدارة الرئيس دونالد ترامب وما مدى استجابة القيادة الإيرانية تفاعلها معها؟
اسئلة محورية ذات أبعاد سياسية واقتصادية وآفاق مستقبلية، تحتاج لإجابات دقيقة وصريحة لرسم ملامح المتغيرات الميدانية القادمة.
أن إيران لديها هدف سياسي وغاية اقتصادية تتمثل في سعيها الجاد لمعالجة أزماتها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية وحل جميع المعضلات المالية المتعلقة بزيادة نسبة التضخم وانهيار العملة الوطنية وزيادة نسبة البطالة والفقر ورفع كاهل المعاناة التي اثقلت الشعوب الإيرانية، ولا يمكن لها تحقيق جميع أهدافها الا عبر الحوار المتبادل والذي قد تضطر فيه إلى قبول المراقبة الدائمة والشديدة من قبل الوكالة الدولية لجميع نشاطاتها المتعلقة ببرنامجها النووي والابتعاد عن أي خلافات جوهرية قد تمتد لغاية منتصف شهر تشرين الأول 2025 موعد الوصول إلى موعد تنفيذ (آلية الزناد) الذي بموجبه يتم مناقشة مدى التزام إيران بما اتفق عليه في اتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي وقعت في 15 تموز 2015 لرفع العقوبات عنها أو تمديدها ورفع الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، وتفادي أي هجمات أميركية إسرائيلية قد تتزامت مع أي مناقشة للملف النووي الإيراني.
وسيتعين على إيران في أي مفاوضات قادمة لضمان رفع العقوبات الاقتصادية عنها وإطلاق الأموال المجمدة الخاصة بها أن تلتزم بتقديم تقارير دورية عن مخزونها من اليورانيوم المخصب والتحقق من هذه التقارير والمعلومات من قبل الوكالة الدولية عبر عمليات التفتيش الدائمة للمواقع المعلومة وغير المعلنة من قبل الجهات المختصة الإيرانية،
وكان مفتشي الوكالة يتمتعون بخاصة مهمة تمكنهم من الوصول بانتظام إلى مواقع تخصيب اليورانيوم ومراقبة الأنشطة النووية، ولكنها الان أصبحت أكثر صعوبة بعد الضربات الجوية والتي حولت المواقع والمنشآت النووية إلى مجموعة كتل من الأنقاض والرماد بحيث أصبحت عملية المتابعة والتحقق أكثر صعوبة وأكثر ضبابية.
والولايات المتحدة الأمريكية تسعى من المفاوضات إلى الانتهاء من الملف النووي الإيراني وإيجاد صيغ فاعلة لتوقيع اتفاق دائم مع إيران ثم الانتقال إلى مناقشة ملفات تتعلق بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة والمشروع السياسي الإقليمي الإيراني في الشرق الأوسط والوطن العربي وإيقاف حالة الدعم والعلاقة مع الفصائل المسلحة العاملة في بعض من عواصم الأقطار العربية والتي ترتبط بالقيادات العسكرية والأمنية العاملة في فيلق القدس والحرس الثوري والتي تعتبر من أهم أدواتها ووكلائها في تحقيق أهداف وثوابت عقيدتها السياسية والأمنية التمدد والنفوذ.
ان الولايات المتحدة الأمريكية تعلم جيدًا أن البرنامج النووي الإيراني قد تعرض لضربة كبيرة من قبلها وألحقت به ضررًا واسعًا في المنشأت النووية ومراكز البحوث العلمية والتقنية النووية، ولكن هناك عدد من التقارير تشير إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ لا يزال موجود تحت الأنقاض وإمكانية الوصول إليه عبر المواد المدفونة في منشأتي فوردو وأصفهان، وهذا ما تحاول أيضًا واشنطن وتل أبيب البحث عنه والتأكد منه وهل لا زالت إيران تمتلك معدات تعمل على تحويل اليورانيوم المخصب إلى سلاح نووي، وأجهزة طرد مركزي قادرة على تخصيب اليورانيوم إلى درجة تستخدم في صنع الأسلحة النووية.
تحاول إيران تجميع امكانياتها وإعادة تموضعها وتحسين قدرتها في موجهة أي مفاجأة عسكرية أخرى من امريكا وإسرائيل، بعد أن خانتها توقعتها ومسار معلوماتها الاستخبارية بعدم قيام الولايات المتحدة الأمريكية بأي عمل عسكري تجاهها واغفال أي هجوم استباقي إسرائيلي ضدها، ومضت لاختيار مسار الحوار السياسي والخطاب الدبلوماسي للوصول إلى معاودة للمفاوضات مع الإدارة الأميركية والتأكيد على استعدادها لمناقشة جميع الشروط وقبول الاحتمالات كافة عبر ضمانات دولية وأميركية بعدم استهداف نظامها السياسي والاتفاق على بنود محاور رئيسية تلتزم بها واشنطن وأن أي تسوية جديدة يجب أن تتضمن حق إيران في امتلاك عملية تخصيب اليورانيوم على أراضيها وفق القوانين والأنظمة الدولية.
مستقبل النجاح في اي مفاوضات قادمة بين واشنطن وطهران يتعلق بمدى التزام إيران بعلاقتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتعاون مع مفتشيها وتقديم جميع المعلومات الخاصة بالأنشطة النووية والإجابة عن أي تساؤلات تخص حركة وفعالية العلماء العاملين في إعادة تركيبة البرنامج النووي واستعادة عافيته، وأن أي عملية بحث ستقوم بها الوكالة الدولية ستكون صعبة ومعقدة في البحث وتقصي الحقائق لاستعادة المواد النووية من المباني المتضررة واخذ عينات بيئية وفق عملية البحث الجنائي للوصول لمعلومات دقيقة علمية واضحة،
ان المرحلة القادمة في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران تتطلب جهدًا سياسيًا ورؤية مستقبلية واستجابة صادقة للعودة إلى جلسات الحوار والتفاوض، وهو ما على القيادة الإيرانية الاهتمام به وملاحظته والاستجابه له لتحقيق غايتها وأهدافها في التخلص من التبعيات السياسية والقانونية المتعلقة برفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة والعودة لدورها الإقليمي وفك عزلتها في علاقتها مع دول العالم.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة