اياد العناز
ضمن الإجراءات الميدانية التي عكفت عليها القيادة الإيرانية بعد الهجمات الجوية والصاروخية الإسرائيلية إجراء مراجعة شاملة لكل الوسائل والأدوات التي احاطت بعمل الأجهزة الاستخبارية والأمنية والمؤسسات العسكرية ودوائرالقرار في المنظومة السياسية الحاكمة بطهران، وإيجاد بدائل حقيقية ومقتدرة لتلافي أي هجوم باغت آخر أو حرب استباقية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأي جهة إقليمية أخرى، وإعادة ترتيب البيت السياسي الإيراني بما يتوافق والاستراتيجية الأمنية والسياسية المنظورة في بديهات العمل الميداني التي تتوافق والمشروع السياسي الإقليمي الإيراني.
جاءت أولى بوادر الإجراءات بإعادة تشكيل مجلس الدفاع الأعلى الوطني واناطة مسؤوليته بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ثم تلاها الموافقة الرسمية من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي بتعين مستشاره السياسي علي لاريجاني أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للأمن القومي، في خطوة سياسية مهمة لإعادة الاعتبار الشخصي والمكانة المعنوية التي كان يحظى بها لاريجاني وتعزيز موقعه الرسمي وحضوره الميداني في المراكز العليا الخاصة باتخاذ القرارات ذات الاهمية الكبرى المتعلقة بالمصالح والمنافع الكبرى للدولة الإيرانية.
تشكل عملية عودة لاريجاني لمهامه الأمنية نقلة نوعية في فهم المتغيرات السياسية والتوازنات العسكرية التي رسمت ملامحها نتائج المواجهة الأمريكية الإسرائيلية الإيرانية التي ابتدأت في الثالث عشر من حزيران 2025، وإعادة مهمة لمرتكزات وأسس تركيبة مجلس الأمن القومي وتحديد الخطاب السياسي المعتدل بعيدًا عن التيارات المتشددة في النظام الإيراني في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع والتحديات الأمنية التي تواجهها القيادة الإيرانية من قبل الإدارة الأمريكية وإسرائيل، وضرورة إعادة النظر بعديد من المسائل الجوهرية المتعلقة بالبرنامج النووي بما يحقق انفراج حقيقي يساهم في رفع العقوبات وإيجاد منافذ حقيقة لاتفاق نووي دائم.
ينظر المسؤولون الإيرانيون بأهمية بالغة للدور التعبوي الذي يمثله المجلس الأعلى للأمن القومي وما يصدر عنه من توجيهات تعكس جوهر الاستراتيجية السياسية والأمنية الإيرانية في رؤيتها للأمن الإقليمي وتعاملها مع دول الجوار ورسم سياسة البلاد داخليًا وخارجيًا والتي تخضع جميعها لموافقة المرشد علي خامنئي قبل البدأ بتنفيذ أي فقرة أو محور منها.
أن اختيار علي لاريجاني أمينًا عامًا للمجلس، أتى ضمن الاعتبارات السياسية التي يراها المرشد الأعلى أنها تساهم في رؤية فعالة وقدرة مضاعفة يمتلكها لاريجاني يتمكن فيها من التأثير في جميع الاتجاهات السياسية والأمنية للمؤسسة السيادية الأعلى في إيران، ويؤكد سعى خامنئي لإعادة الإمساك بزمام الأمور المتعلقة ببقاء النظام واحاطته بشخصيات موثوقة تمتلك الخبرة والادارة الفاعلة وتتمتع بقدرة سياسية وتأثير ميداني في معالجة الخلافات والنزاعات القائمة والانقسامات السياسية لدى جميع التيارات السياسية والتي أوجدتها نتائج الأحداث الأخيرة في المواجهة مع واشنطن وتل أبيب بما يؤدي إلى ضمان وسلامة القرار الايراني في جميع المجالات.
تحاول القيادة الإيرانية إيجاد مقاربة أمنية وفهم دقيق وادراك واضح النتائج ودروس للمواجهة الإسرائيلية الإيرانية التي امتدت ل(12) يومًا والتعامل معها بنهج استراتيجي وتحول ميداني دقيق وإعادة النظر في كافة الأساليب التي كانت تحكم طبيعة العمل الإستخباري والأمني والعلاقة مع الأذرع الإيرانية في لبنان والعراق واليمن والتي لم يكن لها دورًا كبيرًا وفاعلًا في إسناد الفعل العسكري الإيراني بمواجهة إسرائيل وإعادة الهيكلية التنظيمية والإدارية لنظام الحكم والاستناد إلى خطط مستقبلية وبرامج فعالة تعيد للمنظمومة الأمنية دورها وأهميتها وتأثيرها واستعادة مكانتها الإقليمية في مواجهة أي مخاطر جسيمة لهجمات عسكرية محتملة.
يعلم المرشد الأعلى علي خامنئي خصائص ومميزات شخصية علي لاريجاني بفعل المدة الطويلة والخبرة الواسعة التي اكتسبتها خلال وجوده في مؤسسات الدولة الإيرانية، فقد شغل سابقاً مناصب رفيعة منها رئاسة البرلمان ووزارة الثقافة والإرشاد، وعمل رئيساً لهيئة الإذاعة والتلفزيون، وأميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي بين عامي 2005 و2007 وتولى ملف المفاوضات النووية مع القوى الغربية، وهذا ما يساعده على العمل باتجاه تحقيق مسارات جديدة في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) في مناقشة ملف البرنامج النووي الإيراني والوصول لرفع للعقوبات وإطلاق الأموال المجمدة والحفاظ على بقاء النظام ومنع أي محاولة لاسقاطه واعتماد المرونة السياسية والبراغماتية الحوارية التي يتمتع بها علي لاريجاني وتميزه عن معظم القيادات السياسية والعسكرية الإيرانية، والتي كتب عنها (سعيد جليلي) المستشار الحالي للمرشد الأعلى وعمل سابقًا كبيرًا للمفاوضين النوويين مع مجموعة ( 5+1) وأمين سر منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ومن قيادات التيار المتشدد، وجاءت كتابته على حسابه في موقع ( إكس) بعد تعيين علي لاريجاني ( أن الذين راهنوا على المفاوضات لتحقيق مكاسب اقتصادية رأوا أن إيران تعرضت لهجمات وهي تفاوض، وأن أي مفاوضات مقبلة يجب أن تكون محددة الزمن وقابلة للتراجع ومضمونة النتائج وأن الثقة بالغرب أثبتت مراراً أنها خطأ فادح)، وهي إشارة لأي دور قادم ممكن أن يقوم به لاريجاني في حلحلة الأوضاع والعودة للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية.
يتمتع أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني بعلاقة متوازنة مع جميع الشخصيات السياسية والعسكرية وخاصة من العاملين في فيلق القدس والحرس الثوري وهم الداعمين للتيار المتشدد في النظام الإيراني، وهذا من الممكن أن يساعده في تنفيذ رؤيته بالتعامل الجاد واتباع اسلوب براغماتي في الوصول للغايات والأهداف التي يدعمها المرشد بما يتناسب والدور الموكل إليه في تحقيق انسيابية ومشاركة فعالة لتحقيق مكاسب سياسية تتناسب وتوجهات المنظومة الأمنية والعسكرية الإيرانية.
أن اختبار لاريجاني تعتبر خطوة مدروسة لتغير منهجية العمل في المنظومة الأمنية وإعادة التوازن لها وتحقيق التوافق السياسي لجميع التيارات وتعزيز الدور البراغماتي وحساب المتغيرات والتطورات الداخلية والعمل بموجبها في العلاقة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
ومما يساعد لاريجاني على تنفيذ مهمته والوصول لاهدافه أنه ينتمي للجناح المعتدل في التيار السياسي المحافظ الإيراني، وإصابت علاقته مع المحافظين توترًا واختلافًا كبيرًا بسبب موقفه من المفاوضات المتعلقة بالبرنامج النووي والدفاع عنها وتأييده لاتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي وقعت في تموز 2015 بعهد الرئيس الإيراني حسن روحاني، ويرتبط لاريجاني بعلاقة وثيقة بقادة الحرس الثوري، حيث بدأ مسيرته السياسية والعسكرية في صفوف الحرس وتولى في بداية التسعينات من القرن الماضي منصب نائب قائد اركان الحرس الثوري ثم انتقل بعدها للعمل في المجال الثقافي ضمن مشروع سياسي لقيادة الحرس بإعداد رجال سياسيين، وبعدها عُين وزيرًا للثقافة، وكان من أقرب الحلفاء لقائد فيلق القدس الأسبق ( قاسم سليماني) والذي ساعده في تمديد ولايته لرئاسة البرلمان الإيراني دورة ثانية بحشد التأييد الواسع له من قبل المحافظين.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة
