اياد العناز
بتاريخ 11 آب 2025 زار طهران ماسيمو أبارو معاون مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد تصريح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان باستعداد بلاده للتفاوض مع واشنطن شرط الاحتفاظ بحق طهران في تخصيب اليورانيوم، والاستجابة للمبادرة الأوربية لدول الترويكا ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) بتأجيل تفعيل آلية الزناد ( سناب باك) بعدم العودة للعقوبات الاقتصادية الدولية في حال استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية واستقبال ممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن تسلم علي لاريجاني مسؤولية أمانة مجلس الأمن القومي الإيراني أعطى انطباع ميداني باتباع مرونة سياسية من قبل القيادة الإيرانية بالتوجه نحو الحوار مع الوكالة الدولية والسماح للعاملين فيها بدخول الأراضي الإيرانية، والاستفادة من التجربة العملية التي بدأ فيها لاريجاني التفاوض مع الدول الأوربية والوكالة الدولية في بداية عام 2012 بالعاصمة العربية الخليجية ( مسقط).
أدرك المسؤولون الإيرانيون أن سياسة التسويف لا تؤدي إلا لضياع الفرصة الذهبية التي على طهران أن تتفاعل معها في إعادة ترتيب التوازنات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وهو المسار الذي رأت فيها تحقيقًا لأهدافها وغاياتها في رفع العقوبات والجلوس لطاولة الحوار من أجل إنهاء ما تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية اثقلت كاهل المجتمع الإيراني ورغم جميع محاولات وإجراءات الحكومات الإيرانية المتعاقبة إلا أنها فشلت في إيجاد الحلول الجذرية لمعالجتها.
وبغية تعزيز الموقف الرسمي الإيراني وإعطاء حالة من الأمل والثقة لدى الشعوب الإيرانية وإظهار قابلية وتأثير الحوار السياسي والتفاوض الدبلوماسي فقد أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن شروط بلاده لبدأ أي مفاوضات يمكن تحديدها بالاستمرار بتخصيب اليورانيوم وضمان عدم العودة الخيار المواجهة العسكرية وتقديم التعويضات المالية والمعنوية من قبل الإدارة الأمريكية وحماية المنشآت النووية وضمان سلامة وحياة العلماء النوويين ، لكي تتمكن إيران من التعامل الجاد والميداني مع مفتشي الوكالة الدولية وتحديد آليات وأدوات ناجحة تتلائم وما أقره البرلمان الإيراني بخصوص العلاقة مع الوكالة وضرورة ربطها بتقديرات المجلس الأعلى للأمن القومي.
وفي إطار هذه الإجراءات جاءت اجتماعات الوكالة الدولية برئاسة معاون المدير العام مع نائب وزير الخارجية الإيراني ( كاظم غريب آبادي) التي أكدت على صيغة التعاون الثنائي مع بيان اعتراض إيران الرسمي عن موقف الوكالة واتهامها بالرضوخ لسياسات الدول الدولية وتنفيذ أهدافها ومصارحتها حول عدم إدانتها للهجمات الأمريكية والإسرائيلية على المنشأت النووية الإيرانية.
تحاول إيران العمل على التزام سياسية الانفتاح والتعامل الجاد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد الوساطة التي قام بها وزير الخارجية المصري ( بدر عبد العاطي) بالاتصال مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بضرورة تهيئة الظروف المناسبة لاستئناف التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية وخلق أجواء مناسبة ومناخ ملائم لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، وهو ما فعله بدر عبد العاطي في اتصاله مع رئيس الوكالة ( رافائيل غروسي) وتقدير حضور معاونه لطهران ولقائه مع المسؤولين الإيرانيين لإعادة سبل العلاقة وتعزيز الثقة بين الجانبين ودعم الدور العملي لمفتشي الوكالة في ادامة الأمن الإقليمي والدولي.
يأتي التحرك المصري لإثبات حسن علاقته مع إيران بعد التطور السياسي الحاصل في العلاقة بين البلدين واعطاء أهمية لتحرك عربي تحتاجه إيران في دعم حضورها وتأثيرها وإثبات حسن علاقتها مع الأقطار العربية في هذه المرحلة المهمة التي ترى فيها أن أمنها ونظامها السياسي مستهدف في بقائه واستمراره.
كما تعمل إيران بكل إمكانياتها لتحسين علاقتها مع ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) والاتحاد الأوربي لادراكها الدور السياسي الكبير والتأثير الأمني والعسكري الذي من الممكن أن يواجه أي تحشيد دولي ضدها، وتسعى لضمان الموقف السياسي الأوروبي لجانبها في الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية.
أن زيارة معاون مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران تمنح شرعية اجرائية ودليل على ملامح السياسية التي تعتزم طهران الالتزام بها في الأمور المتعلقة ببرنامجها النووي والسعي لإعادة علاقتها بما يؤمن استمرار عمل مفتشي الوكالة الدولية وتصعيد وتائر العمل الرقابي للوصول إلى عملية الانتهاء من العمل الميداني والشروع بكتابة التقارير التي تؤكد التزام طهران بمقررات اتفاقية العمل الشاملة المشتركة الموقعة في تموز 2015 ليتم بعدها دراسة توصيات محافظي الوكالة ومن ثم العمل على اتفاق دول (4+1) برفع العقوبات الاقتصادية وتأمين عملية إعادة المفاوضات الأمريكية الإيرانية لأستحصال موافقة واشنطن على الرفع الكامل للعقوبات وإطلاق الأموال المجمدة وعودة إيران لدورها وتأثيرها في سوق الطاقة العالمي مع التزامها بتأمين حالة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وهذا يعتمد على مدى التعاون الثابت الذي تبديه إيران في جميع الملفات المطروحة للنقاش والتعامل معها بجدية ومنها ماله علاقة ببرنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وعدم إيجاد أي معوقات أمام عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإلا فإن الحال سيذهب إلى الإسراع بتفعيل آلية الزناد وعودة العقوبات المقررة قبل توقيع اتفاقية 2015.
ستبقى العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية محكومة بمدى التعاون الثنائي والفهم المشترك والمرونة التي تبديها القيادة الإيرانية وما تتضمنه التقارير الخاصة بالأنشطة النووية الإيرانية ومدى الالتزام بما حدد لإيران بموجب الحوارات والاتفاقيات الثنائية الأمريكية الإيرانية والتي من المؤمل أن تنطلق في الأسابيع القادمة وهي إحدى مكونات المبادرة الأوربية، ومن هنا من الممكن أن نشهد عملية انتقال ملف المفاوضات المتعلقة بالبرنامج النووي من مهام وزارة الخارجية الإيرانية إلى المجلس الأعلى للأمن القومي بعد تسمية علي لاريجاني أمينًا عامًا له وفتح مسار للحوار السياسي والعمل الدبلوماسي حول جميع الملفات المطروحة على طاولة المفاوضات ، ومحاولة أبعاد إيران عن أي ضربات جوية وصاروخية إسرائيلية ومواجهة جديدة في حال عدم الوصول لنتائج إيجابية في العلاقة مع الوكالة وتنفيذ متطلباتها والإجابة على اسئلتها وما يتعلق بالمواقع والمنشآت ذات الأنشطة النووية.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة
