عام على هروب الأسد

عام على هروب الأسد

عام على سقوط حكم بشار الأسد، سقوط ما كان ليحدث على الرغم من تضحيات الشعب السوري الجسام، لولا تداعيات السابع من أكتوبر / تشرين الأول عام 2023م. التي كانت إحدى محطاتها هروب الأسد من سوريا، بعد عقود من قمع سياسي وفكري واقتصادي.

اليوم، وبعد إزاحة كابوس الأسد وعائلته وحاشيته يمكن القول أن الهيئة الحاكمة الجديدة في سوريا لم ترث من الأسد دولة مؤسسات دستورية وإنما ركام دولة، بحاجة ماسة إلى إعادة بناؤها من جديد، وخلال هذا العام برزت عدة تحديات على سوريا الجديدة مواجهتها منها داخلية وخارجية، أما فيما يتعلق بالداخلية تأسيس نظام سياسي لا يستند على المحاصصة كما حدث في لبنان بعد عام 1943م، والعراق بعد عام 2003م، حيث أثبتت التجربة فشل هذين النموذجين في الحكم فالدولة ليست شركة مساهمة يمتلك أعضاؤها نصيب معين من الأسهم يتم توزريع أرباحها في نهاية العام. دولة ليست كذلك فالتنوع الموجود في سوريا سواء كان تنوع قومي ” أكراد” أو طائفي” العلويون والدروز والمسيحيون” يجب أن يكون عامل مساعد في إعادة بناء الدولة السورية من خلال استيعابهم وليس تهميشهم، وعلى تلك القومية والجماعات الطائفية أن تدرك أن الاندماج في الدولة السورية هي الطريق الوحيد في إعادة بناء الدولة السورية وعدم الالتفات إلى دعوات الانفصال عن الدولة المركزية، فسوريا بخدودها الطبيعية لديها من الموارد الطبيعية والبشرية أن تحتل مكانة مرموقة في بيئة الشرق الأوسط.

وهنا لابد من الإشارة أيضًا إلى التحدي الاقتصادي، فيكفي أن نشير هنا أن نظام الحكم الجديد ورث عن الأسد وحاشيته دولة تنخرها الفساد والمحسوبية وشعب بمعظمه يعاني من الفقر المدقع.

أما التحدي الخارجي ليس واقفًا على الحدود السورية بل تمدد في الجغرافيا السورية فور سقوط بشار الأسد، فمنذ هروبه بطل التنظيرات اللغوية في الشجاعة والكرامة والعروبة والمقاومةّ!! شهد جنوبي سوريا انتهاك إسرائيل اتفاق ” فصل القوات الموقع عام 1974م، على خلفية حرب ” تشرين/ أكتوبر ” عام 1973م، هذا الاتفاق الذي شكل مع الأسد الأب وحتى سقوط الأسد الإبن  الإطار القانوني والأمني لضبط الحدود في هضبة الجولان السورية المحتلة.

 فقد استغلت إسرائيل الظرف التاريخي الذي تمر به سوريا بعد هروب الأسد، واعتمدت استراتيجية التصعيد العسكري من خلال احتلالها  أراضي جديدة في محافظتي القنيطرة ودرعا جنوبي سوريا. وفي هذا السياق ومن خلال مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في فعاليات النسخة 23 لمنتدى الدوحة 2025م قال الشرع: ” إسرائيل قابلت سوريا بعنف شديد وشنت عليها أكثر من 1000 غارة ونفذت 400 توغل في أراضيها، وكان آخر هذه الاعتداءات المجزرة التي ارتكبتها في بلدة بيت جن بريف دمشق وراح ضحيتها العشرات”.موضحا: “نعمل مع الدول الفاعلة على مستوى العالم للضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي احتلتها بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وجميع الدول تؤيد مطلبنا هذا. وهناك مفاوضات مع إسرائيل، والولايات المتحدة منخرطة معنا في هذه المفاوضات، وجميع الدول تدعم مطلبنا بانسحابها لما قبل الثامن من ديسمبر”. تأتي هذه الاعتداءات الاسرائيلية على سوريا بشكل عام وجنوبه بشكل خاص لتكملة رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط تنسجم مع مصالحها في الإقليم بعد السابع من أكتوبر عام 2023م. وهنا لا بد من الإشارة بأن سوريا الراهنة ليس بوسعها مواجهة أطماع إسرائيل في أراضيها دون تلقي الدعم من الدول العربية وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية ومن تركيا كونها الحليف للحكم الجديد في سوريا.

المهمة ليست سهلة لنظام الحكم الجديد ولكنها ليست مستحيلة وهي فرصة الريخية قد لا تتكرر . سقوط الأسد لم يفرح السوريين بل الكثير من الشعوب العرب.. هنيئًا لنا بهذا الهروب!، وليبني السوريون دولة تليق بتضحياتهم الجسام التي امتدت لعقود.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية