إيران… بين سياسة الممانعة والمهادنة

إيران… بين سياسة الممانعة والمهادنة

اياد العناز 

انتهت جلسة المحادثات التي أجريت في العاصمة السويسرية ( جنيف) بين نائب وزير الخارجية الإيراني ( كاظم آبادي غريب) والمدراء السياسيون في وزارات الخارجية بدول ( ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) وبحضور نائب مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كان محور الاجتماع الذي تم بتاريخ السادس والعشرين من آب 2025، مناقشة الأمور المطلوبة أوربيًا من إيران بعودة موظفي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتفتيش المواقع ذات الأنشطة النووية وإحياء مبادئ الحوار السياسي والاسلوب الدبلوماسي للتوصل إلى اتفاق نووي بشأن الفاعليات الميدانية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، وإلا فإن إيران تتعرض إلى إعادة فرض العقوبات الاقتصادية بموجب اتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي أُقرت في 15 تموز 2015.
ورغم أن المحادثات لم تأخذ من الوقت إلا ساعات محددة ولكنها كانت بداية لمرحلة أخرى للوصول إلى تفاهمات مشتركة وهو ما أكده نائب وزير الخارجية الإيراني بالتزام بلاده مبدأ الحوار المعمق للوصول إلى نتائج إيجابية بشأن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الداعم لاتفاقية العمل المشتركة، وبما يضمن لإيران عدم قيام دول الترويكا بالتشاور مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتحديد موعد نهائي في نهاية شهر آب 2025 لتفعيل آلية الزناد، إذا لم تستجب القيادة الإيرانية للشروط الأوربية بعودة استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن البرنامج النووي والسماح لمفتشي الوكالة الدولية بالوصول للمواقع النووية والكشف عن مصير 400 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، وحساب مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب والتوجه نحو العمل والحوار السياسي مع جميع الأطراف المعنية بتحديد اتفاق نووي جديد واعتماد صيغ وإجراءات فعالة لاقراره بشكل مناسب ودقيق.
إيران لازالت متمسكة بموقفها من إعادة الحوار مع الإدارة الأميركية والذي يتحدد في ثلاثة نقاط رئيسية تتضمن حقها في تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية وعدم تكرار الهجمات الجوية والصاروخية تجاه العمق الإيراني من قبل واشنطن وتل أبيب وتعويضها عن الأضرار التي لحقت بها جراء الهجمات الإسرائيلية والأميركية التي انطلقت في الثالث عشر من حزيران 2025.
تدرك إيران أنها أمام عدة خيارات عليها أن تعمل باتجاهها وفقًا للمتغيرات الميدانية والأحداث المتلاحقة، بالاتفاق على تسوية شاملة وتحقيق أهدافها برفع العقوبات عنها وإطلاق يدها نحو اموالها المجمدة وعودتها لسوق الطاقة الدولية وتحسين أوضاعها الداخلية وإنهاء مشاكلها وازماتها الاجتماعية والاقتصادية، أو مواجهة حتمية قادمة نحو تصعيد عسكري كبير قادم يساهم في توسيع مقدار أزماتها ويعرض أمنها القومي للخطر ويستهدف وجود نظامها السياسي، وهي تعلم جيدًا أن الضغوط الواسعة التي تنطلق من إسرائيل والولايات المتحدة تجاه الدول الأوربية ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) لتفعيل آلية الزناد وفرض عقوبات إضافية تجاهها في حال عدم التوصل لاتفاق نووي.
أن القيادة الإيرانية تعمل بعدة اتجاهات تحفظ بها بقاء نظامها وثبات عقيدتها السياسية وغاياتها وأهدافها الذي يمثله مشروعها السياسي الإقليمي ومواصلة العمل في برنامجها النووي الذي يمثل لها الركيزة الأساسية في نجاح أي مفاوضات قادمة وتعتبره المساند لها والمؤثر ميدانيًا في أي حوار بحضور واشنطن والدول الغربية واستمرار جهودها في تطوير مشاريعها الخاصة بالصواريخ البالستية بعيدة المدى والطائرات المسيرة بعد أن اثبت فاعليتها في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل.
وتحاول القيادة الإيرانية الوصول لاتفاق على مبادئ وأسس جديدة تساعدها على الاستمرار في حوارها مع الجانب الأوربي وتجنب أي عمل عسكري أمريكي كان أو إسرائيلي وايقاف جميع الخطوات التي تحاول الأقدام عليها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مواصلتها العمل باتجاهات عديدة سياسية ودبلوماسية وأمنية واقتصادية وتفعيل جهودها الاستخبارية السرية لضمان تحقيق جميع أهدافها الإستراتيجية بمنع إيران من الحصول على الأسلحة النووية واستمرار نشاطاتها في تطوير برنامجها النووي ومواجهة حلفائها وشركائها من الفصائل والمليشيات المسلحة التابعة للحرس الثوري وفيلق القدس والحد من عملية انتشار صواريخها البالستية.
ولمست القيادة الإيرانية السياسية والعسكرية حجم الخسائر الكبيرة التي منيت بها في المواجهة العسكرية الأخيرة، فكان التدمير الواسع للقواعد العسكرية ومنصات إطلاق الصواريخ ومخازن الأسلحة والتأثير البالغ على القدرات القتالية الإيرانية، مما وسع دائرة الاستهداف الشامل الذي كان من المقرر أن يصل إلى هرم القيادة وضربها في مواقعها وأماكنها.
ورغم ما صرح به مسؤول الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي بعد انتهاء جولة المفاوضات الأوروبية الإيرانية بعودة أول فريق من المفتشين من إيران، وأن عمليات التفتيش ليست سهلة لكنها غير مستحيلة ولا يمكن إجراء أي مباحثات جادية مع إيران دون تفقد منشآتها النووية، إلا أن تعدد مراكز القرار الإيراني قد يؤثر على طبيعة سير المفاوضات مع الدول الأوربية ويؤخر فعالية الدور الميداني لمفتشي الوكالة الدولية، فهناك عدة تيارات سياسية وأراء متباينة من استمرار عملية الحوار والعمل الدبلوماسي ومن لا يرغب بتواجد موظفي الوكالة الدولية على الأراضي الإيرانية، بل لا زال منهم من يعتبرهم جواسيس لجهات دولية، بل ذهب البعض إلى ضرورة القاء القبض على رافائيل غروسي بمجرد دخوله إيران، فوجود المرشد الأعلى علي خامنئي ومجلس تشخيص النظام الذي له الدور الرئيس في رسم ملامح السياسات الداخلية والخارجية لإيران، ثم القيادات العسكرية والأمنية في الحرس الثوري التي تدير اذرعها في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي لتنفيذ المشروع السياسي الإقليمي الإيراني، ثم دور الرئيس مسعود بزشكيان وحكومته أداة التنفيذ المباشر لما يطرحه ويوجه به المرشد الأعلى دون أن يكون لهم دورًا حقيقيًا وحاسمًا في القضايا التي تهم مستقبل البلاد ويهدد أمنها ووجودها.
في الاخير، فإن إيران عليها ان تستخدم الصيغ الفاعلة والجهد الميداني واعتماد سياسة الحكمة والهدوء والابتعاد عن الإطالة واظهار الممانعة بل صور المواجهة والقوة، لتجنب إعادة فرض العقوبات الدولية عليها في مجلس الأمن الدولي وهو ما تفعله وتتمسك به دول الترويكا الأوروبية ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) التي كانت من الأطراف الرئيسية الموقعة على اتفاقية العمل الشاملة المشتركة عام 2015.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية