معمر فيصل خولي
بعد عقود من الحكم من الاستبداد القمعي والاجرام اللامتناهي ضد السوريين واللبنانيين والفلسطينيين، وبعد أحداث السويداء، يخرج علينا حكمت الهجري أحد شيوخ طائفة الدروز في محافظة السويداء جنوبي سوريا يطالب الجماعة الدولية في تقديم الدعم لإقامة إقليم منفصل. هذه المطالبة تتناقض مع استقرار سوريا ووحدة ترابها الجغرافي.
لكنها تنسجم تمامًا مع المشروع الجيوسياسي لإسرائيل. فالسابع من أكتوبر عام 2023م الذي شكل تحدي خطير على أمن إسرائيل تمكنت إسرائيل بالدعم الأمريكي المطلق من تحويله إلى فرصة تاريخية فالحروب التي خاضها في غزة ولبنان وإيران واليمن هي محاولة منها لفرض واقع جيوستراتيجي جديد، ومحاولة أيضًا لإعادة تشكيل الشرق الأوسط لاسيما في البيئة الإقليمية المحيطة بإسرائيل.
أن فكرة تفكيك سوريا ليس فكرة وليدة تحولات الجيوستراتيجة ما بعد السابع من اكتوبر بل أنها تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وأكد عليها الدبلوماسي الاسرائيلي عوديد ينون عام 1982م، والذي دعا إلى تقسيم سوريا إلى دويلات على أساس عرقي وطائفي، تربطها علاقات تحالف مع إسرائيل وقد تجد إسرائيل في مطالبة الهجري الجريئة في الانفصال عن سوريا، أنه حان الوقت المناسب في تنفيذ فكرة عوديد ينون.
اذا كانت روسيا ستغير خارطة أوكرانيا بسبب مزاعم تاريخية وحسابات أمنية تتعلق بحلف الناتو فاسرائيل ستجد الذريعة الكافية في تغيير خرائط الدول المجاورة ومنها سورية للحفاظ على أمنها، هذا المنطق الروسي والإسرائيلي لا يقيمان وزنا للحدود الدولية، وقد تكون بداية التلاعب في الحدود الدولية.
إسرائيل كإيران، فالثانية ساهمت بشكل كبير في ترسيخ دعائم العراق الضعيف في مرحلة ما بعد صدام حسين، وكذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل فهي على أقل تقدير مع سوريا ضعيفة منشغلة بأزماتها الداخلية التي لا تنتهي. لكنها على المدى البعيد هي تسعى إلى تقسيم سوريا.
لن تكون تقسيم سوريا مأساة على الجغرافيا السورية بل ربما تشمل الدول المجاورة لها، تاريخيًا هناك قناعة سياسية ترسخت بعد الحرب العالمية الثانية وبعد الحرب الباردة وبعد الربيع العربي وتحولات السابع من أكتوبر عام 2023م وما زالت هذه القناعة متماسكة سياسيا وجغرافيًا بأن سوريا الموحدة هي الأساس في استقرار المشرق العربي والإقليمي أيضًا. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق ماذا ستفعل القيادة السورية الجديدة في مواجهة المخططات الإسرائيلية؟ هل ستهرول باتجاه إسرائيل من خلال الاعتراف بها كدولة طبيعية في الإقليم ولإقامة علاقات دبلوماسية تنهي معها حالة الحرب ” الرسمية” التي استمرت لعقود إضافة إلى تنازلها عن الجولان كترضية سياسية واستراتيجية لها؟ وماذا لو فشل هذا الاحتمال، وأصرت إسرائيل على تقسيم سوريا كون الظروف الإقليمية والدولية مهيأة لها لتنفيذ خطة تقسيم سوريا، ماذا بوسع الدول العربية المجاورة لسوريا وتركيا أيضًا في التصدي لهذا المخطط الإسرائيلي؟
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة
