اياد العناز
تطور الأحداث في منطقة الشرق الأوسط باتجاه تحييد النفوذ والتمدد الإيراني ومواجهة أي احتمالات قادمة لتهديدات إقليمية من دول وفصائل مسلحة باعتماد سياسة الردع واستباق الحدث وتنشيط الأفعال العسكرية وتوسيع دائرة المتابعات الاستخبارية والاستعدادات الميدانية، وجهت القيادة المركزية الأميركية فرقة عمل بأسم ( ضربة العقرب) للعمل وفق التوجهات المركزية لوزارة الحرب الأميركية بإنشاء (وحدة مسيرات للقوات الأميركية)، وهي مسيرات ذات اتجاه واحد من تصنيع شركة لوكاس، وعملت على نشر عدد كبير منها في منطقة الشرق الأوسط.
تتميز طائرات لوكاس المسيرة بمدى واسع ويمكن إطلاقها بآليات مختلفة بما في ذلك الآلية المسماة المنجنيق/ المقلاع، والإقلاع بمساعدة الصواريخ وأنظمة أرضية ومركبات متنقلة، ويبلغ باع جناحي الطائرة أكثر بقليل من 8 أقدام، وتعمل بآلية ذاتية التشغيل تماماً، حيث تعمل بأدنى حد من التدخل البشري، وتعتمد على أجهزة الاستشعار والذكاء الاصطناعي للوصول إلى أهدافها، ووفقًا للشركة المصنعة يمكنها الطيران لمدة تصل إلى ست ساعات، وتبلغ كلفة الوحدة الواحدة من طائرة لوكاس (FLM 136) حوالي 35000 دولار فقط، وفقًا لحديث النقيب تيم هوكينز، المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM).
تطوير النظام الجديد، المُسمى FLM 136 والمعروف أيضاً باسم (لوكاس) من قبل شركة (سبيكتر ووركس) الدفاعية الأمريكية في أريزونا، والطائرة هي نتاج عملية هندسة عكسية دقيقة.
ويمثل اعتماد الطائرة المسيرة ( لوكاس) خطوة تعكس تحولًا استراتيجيًا في أساليب الردع والقتال، وأعلنت وزارة الحرب الأمريكية (البنتاغون) عن تشكيل هذه القوة والتي تمثل طائرات مسيرة هجومية أحادية الاتجاه، تحت مسمى (سكوربيون سترايك) (TFSS)، وذلك بعد أربعة أشهر من توجيه وزير الحرب بيت هيغسيث بتسريع عملية اقتناء ونشر تكنولوجيا الطائرات المسيّرة بكلفة منخفضة.
يتماشى هذا التوجه مع المبادرة التي أعلن عنها وزير الحرب الأمريكي في تموز 2025، وتهدف المبادرة إلى تسريع وتيرة بناء ترسانة البنتاغون من الطائرات المسيّرة الهجومية الصغيرة الرخيصة وتعزيز التصنيع المحلي للطائرات المسيرة.
وكتبت جريدة (وول ستريت جورنال) أن الولايات المتحدة الأمريكية تمكنت من تصنيع طائرة مسيرة بمزايا خاصة وتشبه إلى حد ما الطائرة المسيرة الإيرانية ( شاهد 136) التي تستخدمها طهران وأذرعها المسلحة ومليشياتها المرتبطة بالحرس الثوري في مواجهة القوات الامريكية والسفن التجارية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي ، وهذا التطور يمثل نهجًا جديدًا للبنتاغون يستلهم تكتيكات الخصوم ويعيد توظيفها،باعتماد سياسة (الهندسة العكسية).
وأمام التوجهات المركزية لوزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيث قامت قوة المهام الجديدة بتشكيل سرب من طائرات مسيرة منخفضة التكلفة من الطراز الهجومي ( لوكاس) أو ما يطلق عليها ( 136-FLM)،
وحدد قائد القيادة المركزية الأميركية الأدميرال براد كوبر أوجه الاستخدام الميداني لهذه الطائرة بالقول (تُهيئ قوة المهام الجديدة هذه الظروف لاستخدام الابتكار ليكون رادعًا، وأن تزويد مقاتلينا بقدرات متطورة في مجال الطائرات المسيرة بشكل أسرع يُبرز الابتكار والقوة العسكرية الأميركية مما يردع الجهات الخبيثة).
تسعى القيادة العسكرية الأمريكية إلى اعتماد الأسس الرئيسية في استخدام التقنية والتطور التكنولوجي في تعزيز سياسة الردع باعتماد المسيرات الجديدة الهجومية التي تحمل تقنيات وقدرات تكنولوجية متطورة إضافة إلى محتواها من الشحنات المتفجرة.
أن الغاية المركزية من نشر وحدة المسيرات الهجومية هي توجيه الفعل العسكري المباشر تجاه إيران برسالة فحواها أن الإدارة الأمريكية قادرة على التعامل المباشر بأسلوب عسكري موجه مع أي تطورات يشهدها الإقليم أو أي محاولات من قبل القيادة الإيرانية تجاه أهداف ومصالح وتحالفات امريكية، فإن القوة المضادة ستكون حاضرة لتوجيه ضربة مماثلة عليهم ومن عدة مناطق مختلفة وانها ستكون بفعالية هجومية وتقنية عالية.
والاسلوب والتوجه الأمريكي يأتي ضمن التطور الذي تشهده عملية التواجد الأمريكي في الشرق الأوسط خلال الأعوام الماضية والذي اتخذ عدة مجالات وتعديل شملت عملية انسحاب العديد من القوات البحرية التابعة للقيادة المركزية الأميركية، ثم اعتماد مبدأ الانتشار الجوي بارسال قاصفات استراتيجية واسراب من الطائرات المقاتلة، والان تعتمد اسلوب نشر وحدات هجومية من الطائرات المسيرة الفاعلة.
سبق وأن اقترح قائد الاسطول الخامس الأميرال براد كوبر خطة وبرنامج تتعلق ب( المسيرات البحرية)، والتي اعتمدها حاليًا بعدما أصبح قائدًا للقوات المركزية وأطلق خطة الطائرات المسيرة ذات الاتجاه الواحد التي يطلقها المشغل وهي محملة بالمواد المتفجرة، في تنفيذ سياسته بردع وإحباط العمليات والتوجهات العسكرية لفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني.
أن الفعل الأمريكي وكما تراه الخبيرة في شؤون الطائرات المسيرة (كايتلين لي) مديرة سياسة الاستحواذ والتكنولوجيا في مؤسسة راند، أن ما تقوم به الولايات المتحدة اليوم هو جزء من ظاهرة أوسع، ففي الماضي واجهت خصوم مثل الصين صعوبة في تقليد التقنيات المعقدة مثل أنظمة الدفع الأمريكية للطائرات المقاتلة، ولكن اليوم سهلت الإلكترونيات التجارية المتاحة على نطاق واسع عملية الهندسة العكسية للطائرات المسيرة الصغيرة الأقل تعقيدًا.
تريد الولايات المتحدة الأمريكية اللحاق باستخدام الطائرات المسيرة في الحروب الحديثة عبر طائرات منخفضة التكلفة، باستثمار مليار دولار على مدى عامين في إنتاج ونشر مئات الآلاف من الطائرات المسيرة الهجومية، وقد أكدت القيادة القتالية العسكرية الأمريكية المشرفة على الوجود والعمليات في الشرق الأوسط تشكيلها سرب جديد من طائرات ( لوكاس) وتم نشرها واستخدامها في منطقة الشرق الأوسط.
تزامن الاعلان عن تشكيل وحدة الطائرات المسيرة مع زيارة ( مايكل ريغاس) نائب وزير الخارجية الأمريكية إلى العراق، وقيامه بافتتاح القنصلية الأمريكية في مدينة أربيل إقليم كردستان العراق، والتي أشار فيها إلى الخطر الذي تمثله المليشيات والفصائل المسلحة بقوله ( نحث شركاؤنا العراقيين على استغلال هذه اللحظة الحاسمة لتفكيك المليشيات الموالية لإيران وتجريدها من سلطتها، وأنها لا تهدف الا المساس السيادة العراقية، والهجوم الغادر على حقل كورمو خير دليل).
تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن من أولويات سياستها ومصالحها هي الحفاظ على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وأنها تعتبر الاعلان عن تشكيل وحدة المسيرات الهجومية وسيلة جديدة وأسلوب عسكري متقدم لردع العمليات العسكرية وما تقوم به المليشيات المسلحة والدول الداعمة لها من تنفيذ لمشاريع إقليمية وسياسات دولية، مع مواجهة فعلية لأي تهديدات واعمال عسكرية تقوم بها هذه المليشيات والجهات المساندة لها، وارسال مضمون واضح لرسالة مفادها أن عملية الانتشار الواسع لوحدة الطائرات المسيرة الأمريكية الهجومية دون تحديد مكانها أو عددها، إنما هو عملية لردع لأي نشاط أو تحرك عسكري تقوم به إيران أو الجهات والفصائل التابعة لها، وأن القوات الامريكية لديها القدرة على ضرب الأهداف الرئيسية والاستراتيجية داخل العمق الإيراني في حال اندلاع أي مواجهة عسكرية أو ضربات جوية إقليمية.
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية
