الباحثة شذا خليل*
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، لم تعد أوكرانيا مجرد ساحة صراع عسكري، بل تحولت إلى نقطة ارتكاز مؤثرة في الاقتصاد العالمي. فالهجمات المتكررة على الموانئ الأوكرانية، خصوصا ميناء أوديسا على البحر الأسود، ومنشآت الطاقة، كشفت بوضوح كيف يمكن للحرب أن تعطل سلاسل الإمداد العالمية وتعيد تشكيل خريطة المخاطر الاقتصادية.
أولا: الاقتصاد الأوكراني تحت الضغط
يعتمد الاقتصاد الأوكراني تقليديا على تصدير الحبوب والمعادن والمنتجات الزراعية عبر موانئ البحر الأسود. ومع استهداف السفن المدنية والبنى التحتية المينائية، تراجعت قدرة أوكرانيا على التصدير، وارتفعت تكاليف الشحن والتأمين، ما قلل من إيرادات الدولة وأضعف العملة وعمّق العجز المالي. كما أن ضرب منشآت الطاقة أدى إلى انقطاعات كهرباء واسعة، أثرت على الإنتاج الصناعي والاستقرار الاجتماعي.
ثانيا: البحر الأسود كممر اقتصادي عالمي
البحر الأسود ليس ممرا أوكرانيا فقط، بل شريان حيوي للتجارة العالمية، خاصة للحبوب التي تغذي أسواق الشرق الأوسط وإفريقيا. أي تصعيد فيه، مثل الهجمات على السفن أو تعطيل الملاحة، ينعكس مباشرة على أسعار الغذاء عالميا ويزيد من مخاطر التضخم، خصوصا في الدول المستوردة للقمح.
ثالثا: التأثيرات العالمية غير المباشرة
الهجمات المتبادلة، سواء على الموانئ الأوكرانية أو عبر الطائرات المسيّرة داخل روسيا، رفعت منسوب عدم اليقين في الأسواق. هذا يدفع المستثمرين إلى تجنب المخاطر، ويضغط على أسواق الطاقة والتأمين والنقل البحري. كما أن استهداف منشآت الطاقة يعمق أزمة الطاقة الأوروبية، ويزيد الاعتماد على بدائل أعلى تكلفة.
رابعا: الاقتصاد كساحة حرب
ما يجري يؤكد أن الحرب لم تعد عسكرية فقط، بل اقتصادية بامتياز. تعطيل الموانئ والطاقة يعني شل قدرة الدولة على تمويل نفسها، ونقل الضغط إلى الاقتصاد العالمي عبر الغذاء والطاقة والتجارة. لذلك، فإن الدعوات إلى وقف إطلاق النار وضمان أمن الملاحة في البحر الأسود ليست مطالب إنسانية فقط، بل ضرورة اقتصادية عالمية.
خلاصة
أوكرانيا اليوم في قلب معادلة اقتصادية دولية معقدة. استمرار الهجمات على الموانئ ومنشآت الطاقة لا يهدد الاقتصاد الأوكراني وحده، بل يخلق موجات صدمة تمتد إلى الاقتصاديات الإقليمية والعالمية. ومن هنا، يصبح الحل السياسي والاقتصادي ضرورة لتجنب تصعيد قد يدفع العالم إلى أزمات غذاء وطاقة أعمق.
