تعد القمة العالمية للحكومات؛ التجمع الحكومي الأكبر على مستوى العالم، حيث يجتمع صناع القرار وكبار الخبراء، والمختصين ورؤساء الحكومات لمناقشة العديد من القضايا التي تهم العالم.
وشهدت مدينة دبي الاماراتية أعمال القمة العالمية للحكومات الدورة الرابعة ، وبمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك خلال الفترة من 7-10شباط / فبراير الجاري تحت شعار “استشراف حكومات المستقبل”، حيث عقدت عدة جلسات حول القيادة الواعية والثورة الصناعية الرابعة والحوار المالى والاقتصادي وأهداف التنمية المستدامة .
وبحثت القمة مستقبل 8 قطاعات رئيسية هي العمل الحكومي ،التعليم، والرعاية الصحية، ، والعلوم والابتكار والتكنولوجيا، والاقتصاد، وسوق العمل، وإدارة رأس المال البشري، والتنمية والاستدامة، ومدن المستقبل.
وتم طرح العديد من الأفكار وأراق العمل خلال جلسات اعمال القمة ، وكان اهمها ما يطلق عليه (الثورة الصناعية الرابعة ) وهو موضوع قد يكون غير واضح لدى الكثيرين وبالأخص غير المهتمين بالمسائل التكنولوجية والاقتصادية .فما هي هذه الثورة ؟ وماهي مقوماتها ؟.
الثورة الصناعية الرابعة “Industrie 4.0″
لم تكن المرة الاولى التي يطرح فيها مصطلح الثورة الصناعية الرابعة 4.0” Industrie “، فالمصطلح متعارف عليه بين المهتمين بهذا الشأن وبالأخص في الدول المتقدمة ، لكن تم طرحه بشكل موسع من قبل المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى دافوس د. كلاوس شواب، فقد تمت مناقشة هذا العنوان خلال انعقاد منتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” وأخذه عنوانا لدورته الـ46 في الفترة من 20-23 كانون الثاني / يناير2016 ؛ حيث اشار خلال كلمته في المنتدى ان على العالم ان يكون مستعدا للثورة الصناعية الرابعة والتي وصفها بالتسونامي المقبل.
خلال كلمته في الملتقى والتي حملت تساؤلا “هل بدأت الثورة الصناعية الرابعة “؟ وضع، ثلاثة تغييرات قال إن على الحكومات أن تبادر بها لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة، هي:
– بناء مستقبل واحد لشعبها من خلال إسعادهم وتوفير الحياة الكريمة لهم.
– إعادة تشكيل الحكومات وتغيير أفرادها والنظر إلى نفسها من خلال التجديد والابتكار والتواصل مع المواطنين من خلال منصات عدة (التطبيقات الذكية وغيرها).
– التركيز على تنمية رأس المال البشري وعلى المهارات والمواهب الشابة من خلال تحفيز المسؤولين الحكوميين على رفع مستوى جهوزيتهم وتقبلهم للمتغيرات غير المتوقعة.
ويضيف شواب أن أستشراف الحكومات للمستقبل أمر بغاية الاهمية ، لكي تكون قادرة على مواكبة التطورات المتسارعة في عالم اليوم .
وهنا يبين لنا أن الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية بدأتا في صناعة المحركات واكتشاف الكهرباء، فيما أسهمت الثورة الصناعية الثالثة المعروفة ” الثورة الرقمية” في ظهور الكمبيوتر وكافة التطورات الرقمية والمعلوماتية التي قادت الى تطورات كثيرة ، أما الثورة الصناعية الرابعة فتوقع أن تكون هائلة ومختلفة، بسبب التغير الهائل الذي يشهده العالم في كافة النواحي.
وبطبيعة الحال تتميز هذه الثورة عن سابقاتها بعدد من الميزات يذكراها شواب وهي كالتالي:
– الاختلاف الأول : أنها ثورة صناعية سريعة جدا وهائلة، فالتغييرات التي تأتينا بها لا تصلنا كالأمواج الهادئة، بل كالتسونامي.
– تكشف الهوة بين الدول المتطورة والأقل تطوراً فقط، بل حتى بين الدول الأخرى التي سارت في طريق التطوير والابتكار وحققت السعادة لشعوبها».
– الاختلاف الثاني، فيتمثل في أن الثورة الرابعة لا تقدم لنا إنجازاً واحداً فقط، بل إنجازات عدة متلاحقة، في وقت قياسي، فالاختراعات والابتكارات تدعم بعضها بعضاً، وتترابط بشكل كبير، مثل الإنترنت، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات.
– الاختلاف الثالث فيتمثل في أن «الثورة الصناعية الرابعة لن تأتي فقط بخدمات ومنتجات جديدة، بل بمنظومات عمل جديدة في كل القطاعات»، موضحاً أن «هذه الثورة لن تغير فقط ما نقوم به بل ستغيرنا نحن، وعلينا أن نكون جاهزين لهذا التغيير، وعلى الحكومات أن تكون جاهزة وقابلة لمواكبة وتبني هذه الابتكارات التكنولوجية، فتخرج من (منطقتها الآمنة) ونظامها الهرمي والبيروقراطي، نحو اعتماد التطبيقات المبتكرة التي أنتجتها الثورة التكنولوجية، من أجل التواصل مع مواطنيها، وتقديم الخدمات التي تحقَّق لهم».
وأوضح شواب أن «هذه الثورة التكنولوجية تمثل بداية لدخول حضارة جديدة تتسم بالتطور والرقي، ما يملي على الحكومات خلق أشخاص أكثر استنارة وقدرة على مواكبة التطورات».
وتوقع تقرير عالمي حديث، أن يبلغ الاقتصاد التشاركي 235 بليون دولار على الصعيد العالمي بحلول عام 2025، في مقابل 15 بليوناً أواخر عام 2014، وفقاً لتقديرات مجموعة «بي دبليو سي».
ويرجح خبراء أن يحد الاقتصاد التشاركي من الفقر، حيث ورد في تقرير حديث للبنك الدولي أن «تسريع الحد من الفقر وتوفير استدامة تحسّن التنمية البشرية، سيشكلان تحديين كبيرين للمنطقة في المستقبل»، فقد شكل استهلاك الأسر في العالم العربي 44 في المئة تقريباً من اقتصاد المنطقة، أي أعلى من نسبة 35 في المئة التي سجلتها الصين، ما يشير إلى احتمال أن تزداد مشتريات المستهلكين أكثر فأكثر مع نمو الطبقة الوسطى.
وفي قمة مجالس الأجندة العالمية للعام 2015 التي عقدت في دولة الامارات ،طرح كلاوس شواب على الحضور اسئلة مستقبلية عدة مثل، من يتوقع أن يكون لدينا بحلول عام 2025 أول آلة طباعة ثلاثية الأبعاد متداولة؟ من يشعر بأنه خلال السنوات العشر التالية لن يذهب إلى صيدلانية، بل إلى صيدلاني آلي يمكنه صرف الوصفات الطبية؟ من يشعر بأن سيكون لدينا أول هاتف متحرك قابل للزرع في الجسد؟ من يعتقد أنه سيكون لدينا أول كبد ثلاثي الأبعاد يتم زرعه؟ من يشعر بأنه قد يكون لدينا آلات قادرة على قراءة الأفكار؟
وهنا يقول كبير الاقتصاديين في “ج أ م هولدنغ” لاري هيثواي :”أن الوعد بثورة صناعية رابعة يتألف من التقدم الذي تم إحرازه في تصنيع الإنسان الآلي وربط الأشياء مع بعضها البعض عن طريق الإنترنت والبيانات الكبيرة وتقنية الهاتف النقال والطباعة ثلاثية الأبعاد”. ان البراعة مهمة، ولكنها مدمرة كذلك، وفي لغة اليوم فنحن نتكلم عن “التقنيات المعطلة”، ولكن يجب ألا ينخدع المرء بالمصطلحات، فالوسائل الجديدة لإنتاج الأشياء تقتل عادة الصناعات والوظائف القديمة قبل أن تظهر الفوائد الكاملة لنمط الإنتاج الجديد، وفي نهاية المطاف فإن درجة محددة من العنف ترافق التقدم البشري.
وتشير تقارير مختصة بان الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم باتت تولّد حالياً 50% من الوظائف التي تستحدث حول العالم، وبحسب “مؤسّسة التمويل الدولية”، يبدو أنّها تتّجه لتحلّ محلّ الدولة في ما يتعلّق بالخدمات والحلول، ومحلّ المصارف بالنسبة للقروض، ومحلّ أي مزوّد تقليديٍّ للخدمات والسلع.
– العرب والثورة الصناعية الرابعة
تزامنا مع بدأ المصطلح بالانتشار بين المهتمين والمراقبين في المنطقة العربية باتت التساؤلات تزداد بشكل كبير حول واقع المنطقة العربية، ومدى استيعابها لهذا التحول الهائل في عالم التكنولوجيا ،وهل تمتلك ارضية تعتمد عليها للانطلاق في ركب الثورة المقبلة ؟
تشير دراسات الى ان في المنطقة العربية لا يتعدى نسبة 40.3 بالمئة بالنسبة لكل 100 نسمة، فيما تصل إلى 81.1 بالمئة في أوروبا و إلى 81.3 بالمئة في البلدان المتقدمة، وتصل إلى 39 بالمئة في آسيا والمحيط الهادي، بينما تصل في أفريقيا إلى 10.7 بالمئة، وفي باقي العالم 46.4 بالمئة، حيث ما يزال العالم العربي يعاني من فجوة رقمية بالرغم من الجهود المبذولة.
وحول خارطة الاقتصاد الرقمي في العالم العربي تؤكد الدراسات ان عدد المتصلين بشبكة الإنترنت كان في عام 2005 محصورا في 25.3 مليون مستخدم، أما في نهاية عام 2014، فقد فاق استخدام شبكات التواصل الاجتماعي أكثر من 85 مليون مستعمل للفيسبوك، و6 ملايين لشبكة تويتر، فيما يستعمل أكثر من 25 بالمئة من العرب شبكات التواصل الاجتماعية، حيث الربط الإلكتروني يتنامى سريعا في العالم العربي.
ويرى مراقبين ان العالم العربي ما يزال يعاني من فجوة رقمية بالرغم من الجهود المبذولة نظرا للارقام ةالاحصائيات السنوية في هذا الشأن .
اليوم العالم على اعتاب ثورة تكنولوجية رابعة ،قد يكون من الصعب على بعض الدول الحاق بالخطى المتسارعة لركب التقدم التكنولوجي وهو ما يفرض على الدول والحكومات ان تستعد جيدا للولوج في مرحلة تتفوق على الثورات الصناعية الثلاث التي تم ذكرها ووضع التشريعات والقوانين الضابطة لهذا الفضاء الرحب .
الحديث عن الثورة الصناعية المقبلة يطول، قد نفرد له مساحة في مقالات مقبلة. لكن التساؤل الذي يفرض نفسه على الدول والحكومات عربية: ماذا فعلت حقا استعدادا لهذه الثورة الهائلة ؟ وهل فعلا تمكنا من اللحاق بركب العالم في الثورات الصناعية الثلاث السابقة ؟ أسئلة كثيرة ستكون مطروحة في مقبل الايام حول هذه الثورة التي قد تغير الكثير من المفاهيم في القرن الواحد و العشرين.
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية