The Innovative State “الدولة المبتكرة”.. رؤية جديدة لتطوير أداء المؤسسات العامة

The Innovative State “الدولة المبتكرة”.. رؤية جديدة لتطوير أداء المؤسسات العامة

4355

تُقدِّم هذه المقالة المعنونة “دولة الابتكار” تحديًا للأفكار النيوليبرالية؛ حيث تناقش مفهوم دولة الابتكار The Innovative State، مؤكدة أن الدولة ستكون قائدة وممولة عملية الابتكار، والمبادرة بأفكار مختلفة لمشروعات تكنولوجية غير تقليدية، وموجهة للقطاع الخاص في هذا المجال أيضًا. وقد قام بإعداد هذا المقال “ماريانا مازوكاتو” أستاذ اقتصادات الابتكار بجامعة ساسكس البريطانية، وتم نشره في فبراير 2016 بموقع “مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية”.

خصائص الدولة المبتكرة:
تعمل معظم الدول في العصر الحالي وفقًا للنظرية الاقتصادية الكلاسيكية الجديدة، والتي مفادها أن على الدول ألا تتدخل في النظام الاقتصادي إلا في حالة تصحيح إخفاقات السوق، بيد أن هذا الأسلوب لا يأخذ في اعتباره العوامل الاجتماعية. وفي هذا الإطار ترى المقالة أن الدولة المبتكرة يجب أن تعمل بفلسفة اقتصادية مختلفة، وهو ما يمكن توضيحه من خلال التالي:
1- شراكة القطاع الخاص: يجب أن تعمل الدولة على دعم الابتكار من خلال تسهيل عمل القطاع الخاص، وتسهيل الإجراءات البيروقراطية، وتَحَمُّل ما ينتج عن عمل الشركات من مخاطر، مثل: التلوث، مع عدم قصر دور الدولة في الاقتصاد على إصلاح إخفاقات السوق فقط، والاستثمار في السلع العامة مثل البحوث العلمية الأساسية وتطوير المنتجات الطبية.
فالبلدان التي تهدف إلى نمو الابتكار تأخذ الدولةُ على عاتقها هذا التحول، جنبًا إلى جنب مع القطاع الخاص، بل وكشريكةٍ له، وتكون على استعداد لتَحَمُّل المخاطر التي لا تستطيع الشركات الخاصة تحملها؛ حيث تقوم بالتوسع في الاستثمارات التي ليس بمقدور القطاع الخاص تحملها، وتعمل على خلق أسواق وقطاعات جديدة كالإنترنت، والنانو تكنولوجي، والطاقة النظيفة.
2- قواعد معلوماتية: يجب أن تكون الدولةُ مسلحةً بالذكاء والمعلومات الاستخباراتية الضرورية من أجل خلق تكنولوجيا وقطاعات وأسواق جديدة، وعلى الدولة أن تحاول الاستفادة من خبراتها السابقة، والتعاون مع خبراء متخصصين لتحليل هذه الخبرات، وهو ما يؤكده الخبير الاقتصادي “ألبرت هيرشمان” إذ يقول نصًّا: “إن عملية صنع القرار بطبيعتها فوضوية، ولذلك من المهم للمؤسسات العامة الترحيب بعملية الخطأ والتجربة”.
3- مواجهة التحديات المجتمعية: لسنوات طويلة ادعى بعض الاقتصاديين أن خفض الإنفاق الحكومي سيحفّز الاستثمار الخاص، ونتيجة لذلك قلّصت أجهزة الدولة ميزانيتها. فعلى سبيل المثال، قامت بعض دول الاتحاد الأوروبي بتخفيض عجزها المالي إلى 3%، وذلك عن طريق تقليل الإنفاق على التعليم، وغير ذلك من الخدمات.
بيد أن الدولة المبتكرة يجب أن تقوم بدور فعال في مواجهة التحديات الاجتماعية مثل: تغير المناخ، وبطالة الشباب، والسمنة، والشيخوخة، وعدم المساواة، وهو ما يتعارض مع سياسة خفض الإنفاق. وعلى الدول أن تأخذ في الاعتبار أن الاتجاهات الجديدة في الاقتصاد لن تتولد بشكل عفوي نتيجة قوى السوق؛ بل هي في الواقع نتيجة قرارات الدولة المتعمدة، وذلك حسبما أشار الباحث “كارلوتا بيريز”.
4- احتمالية الربح والخسارة: على الدُّول أن تضع في حساباتها احتمالية التعرض للخسارة؛ فقد دعمت الولايات المتحدة مشروعات التوأم سوليندار وتسلا في عام 2009، فقامت بتوفير ما يعادل 535 مليون دولار لسوليندار في بداية مشروعه للطاقة الشمسية كقرض من وزارة الطاقة الأمريكية، وفي العام نفسه حصلت شركة تسلا المصنعة للسيارة الكهربائية على قرض بقيمة 465 مليون، ونجحت شركة تسلا وسددت الشركة الدين في عام 2013، على النقيض من هذا أعلن سوليندار إفلاسه في 2011.
دورة الاستثمار الابتكاري:
شجّعت الحكومات الإنفاق في عملية الابتكار؛ حيث زادت الحاجة لمثل هذه الاستثمارات طويلة المدى، لأن معظم شركات رأس المال الاستثماري تركز على المدى القصير، وتعمل على إيجاد مخرج لاستثماراتها في خلال 3 سنوات، لكن الابتكار يستمر لعقود.
وأكد الاقتصاديون أن الدولة تستطيع تحصيل عوائد استثماراتها من خلال فرض ضرائب على الأرباح الناتجة عن نجاح المشروعات، بيد أن عددًا من الشركات الكبرى التي تعمل في مجال الاستثمارات تقوم بالتهرب من الضرائب بطرق مختلفة. فعلى سبيل المثال، قامت شركة جوجل بتخفيض الضرائب من خلال إيداع جزء من أرباحها لدى الحكومة الأيرلندية، وهو نفس ما فعلته شركة آبل التي قامت بتأسيس شركة لها بكاليفورنيا، وأقامت شركة في مدينة رينو تقوم بإيداع جزء من الأرباح لديها.
كما قد تقوم الحكومة بتمويل شركة معينة، ثم تنتقل إلى الخارج قبل تسديد قيمة ما حصلت عليه في صورة ضرائب، وهو ما أدى إلى تقلص الإيرادات الحكومية، فما تقوم الدولة بإنفاقه لتشجيع الابتكار لا يعود لها في صورة ضرائب، ويرى البعض أن الحل لهذا الأمر يتمثل في أن يتم إنشاء شركات حكومية للابتكار، بيد أنه إذا قامت الدولة بالابتكار فإنها في الغالب ستركز على الاستثمارات في الأجل القصير، لا سيما وأنها ستكون مطالبة أمام الناخبين بإثبات أن هذه المشروعات لها فوائد وعوائد سريعة.
ويقترح المقال أن تقوم الدولة بوضع شروط عادلة للقروض وضامنة لعدم التهرب الضريبي، مع إصلاح طريقة الشراكة العامة-الخاصة لتحصل الدولة من خلال هذه الشراكة على عوائد أكبر، ولا يرى المقال أن حصول الحكومة على النسبة الأكبر من الأرباح يُعد عملية مجحفة للقطاع الخاص، فالدولة ستقوم بإعادة استثمار الأرباح في عمليات ابتكار جديدة مفيدة للمجتمع بأسره، فيما قد يقوم القطاع الخاص باكتناز الأرباح لشراء الأسهم.
ففي بحث أجراه الاقتصادي “ويليام لازونك” تم التوصل إلى أن 449 من الشركات المدرجة من عام 2003 إلى عام 2012 في الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم 54% من أرباحها، أي ما يقدر بحوالي 2,4 تريليون دولار في عملية شراء الأسهم، بدلا من إعادة تدويرها في مشروعات أخرى من جديد.
ثورة الطاقة الخضراء:
لم تحدث الثورات التكنولوجية الماضية نتيجة إصلاح طفيف في النظام الاقتصادي، بدءًا من السكك الحديدية إلى صناعة السيارات إلى برامج الفضاء وتكنولوجيا المعلومات، بل حدثت لأن الدول وضعت سياسات جريئة تركز على تعظيم الابتكار، ومن المتوقع أن يشهد العالم في إطار دولة الابتكار ما يعرف “بثورة الطاقة الخضراء”.
وفي هذا السياق، يُمكن الإشارة إلى ثلاث دول ستكون رائدة هذه الثورة، وهي: الصين والدنمارك وألمانيا، والتي تستخدم الطاقة الخضراء من أجل الحصول على منافع ومكاسب متعددة؛ إذ إنها تتيح الحصول على إمدادات طاقة مستقرة، وفي الوقت نفسه تخفف من تغيرات المناخ. فعلى سبيل المثال، اتجهت ألمانيا إلى الطاقة الخضراء في إطار سعيها لاستبدال الطاقة النووية بمصادر طاقة متجددة، وخفض انبعاثات الكربون، ودعم التنمية التكنولوجية في طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وتعمل هذه الدول على إنشاء استثمارات لتخدم هذا الغرض في مجال طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والوقود الحيوي، فيما يتجاهل القطاع الخاص هذه المشروعات، ومن ثمَّ يجب على الحكومات أن تقوم بوضع استراتيجيات لجذب القطاع الخاص لمثل هذه المشروعات.
وختامًا.. يُشير المقال إلى أنه ينبغي إعادة هيكلة المؤسسات العامة لتتحول إلى بؤر ومناطق للابتكار، مع إلغاء فكرة الحد من تدخل الدولة، والتخلص من ذلك الادعاء القائل بأن الدولة لا يمكن أن تبتكر.

ماريانا مازوكاتو

أستاذ اقتصادات الابتكار بجامعة ساسكس البريطانية

المصدر:
Mariana Mazzucato, “The Innovative State”, the Council on Foreign Relations, February 2015. Available on:-

https://www.foreignaffairs.com/articles/americas/2014-12-15/innovative-state?cid=soc-fb-rdr

عرض: رحمة إبراهيم

نقلا عن المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية