يطالب المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا أن يكون حل الأزمة السورية في يد السوريين وبقيادة سورية. ويسأل: لماذا يجب أن نقول مسبقاً ما يفترض أن يقوله السوريون طالما أن لديهم الحرية والفرصة لقول ذلك؟
الحرية والفرصة للسوريين ليقولوا ما يريدون؟ كيف ذلك ومن سيحمي هذه الحرية؟ هل يعتمد دي ميستورا على «خبرة» الرئيس الأسد في حماية السوريين ليذهبوا إلى صناديق الاقتراع في 13 الشهر المقبل تلبية لدعوته، ليدلوا بأصواتهم ويقرروا مستقبلهم بحرية، كما اعتادوا في ظل 16 سنة من حكمه، و30 سنة قبلها من حكم والده؟! أم يعتمد على فصائل المعارضة المبعثرة والمشتتة والتي تفرض الولاءات في مختلف أنحاء سورية، تبعاً لميول زعمائها ومن يعملون لديهم؟
لا أعتقد أن دي ميستورا يجهل تعقيدات الأزمة السورية، بحكم خبرته، وإن تكن قصيرة العمر، مع النظام وشبيحته، ومع قادة المعارضة المقاتلين للنظام والمتقاتلين في ما بينهم. كما لا يجهل المدى الذي بلغته التدخلات الإقليمية والدولية في مسار هذه الأزمة. لقد صارت الخريطة السورية مفتوحة الآن على طاولات قادة الدول الكبرى، بشكل لم يسبق له مثيل منذ بداية الأزمة. وما كان يصح قوله في الأشهر الأولى من عام 2011 حول قدرة السوريين على رسم صورة مستقبلهم لم يعد صحيحاً اليوم.
كان يمكن أن تبقى سورية في يد السوريين لو تجاوب بشار الأسد مع تظاهرات المعارضين السلميين في تلك الأشهر الأولى، ومع نداءات دول الجوار التي لم تكن قد قطعت علاقاتها معه آنذاك، مثل السعودية وتركيا وسواهما، ودعا إلى استفتاء أو انتخابات رئاسية مبكرة، تحدد مستقبل رئاسته وشرعية تلك الرئاسة الموروثة بتزوير فاضح للدستور السوري. أما اليوم فقد أصبحت هذه الرئاسة، بل أصبح مصير البلد كله في يد الدول الكبرى وأهوائها ومصالحها، وما يمكن أن تحصّله مما تبقى من الكعكة السورية.
لهذا لم يعد مستغرباً أن تشارك كل الأطراف، الإقليمية والدولية، في التفكير في مستقبل سورية وفي رسم مستقبلها، في غياب السوريين، موالين ومعارضين. وحتى الهدنة الحالية، التي سميت مجازاً «وقف العمليات العدائية»، تم فرضها فرضاً على أطراف القتال، من جيش النظام وفصائل المعارضة، من جانب الولايات المتحدة وروسيا. وإذا كان صحيحاً أن هذه الهدنة لقيت حماسة شعبية في المناطق التي تطبق فيها، فذلك يعود إلى أنها وفرت شيئاً من الحياة الطبيعية، وحدّت من أعداد القتلى، وسمحت بوصول بعض المواد التموينية والغذائية، خصوصاً إلى المدن والمناطق التي اعتمد فيها النظام سياسة «الجوع أو الركوع».
في مناخ الهدنة النسبية هذا، يريد دي ميستورا إحياء مفاوضات جنيف في الأسبوع المقبل، بعدما فشلت جلستها السابقة بسبب الخلاف على الأولويات، واستمرار العقبة الرئيسية التي يمثلها بقاء بشار الأسد. غير أن التصريحات الأخيرة للمبعوث الدولي توحي بأنه يأتي إلى جنيف حاملاً أفكار النظام في ما يتعلق بدور الأسد في رسم المرحلة السياسية المقبلة. فالدعوة إلى ترك السوريين يقررون مصيرهم بأنفسهم هي تماماً ما يطالب به الأسد، بعدما أخرجت مدافعه وطائراته وبراميله المتفجرة كل السوريين «الإرهابيين» من بلدهم، ولم يبقَ في المناطق «المفيدة» من سورية سوى أولئك السوريين الذين يرفعون راية النظام، ويمثلون «فائدة» كبرى في صناديق الاقتراع الموعود في الشهر المقبل.
هذا هو الاقتراع الذي يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يتفق مع الدستور السوري ولا يعرقل التسوية السياسية، على رغم أن الدعوة إلى الانتخابات تخالف القرار الدولي الأخير المتعلق بسورية والذي وافقت عليه موسكو (رقم 2254) ويضع الانتخابات الرئاسية والنيابية في المرتبة الثالثة بعد تغيير الحكومة وإقرار دستور جديد.
إنها التسوية، في نظر بوتين، التي تبقي بشار الأسد في الحكم، وتحجّم المعارضة سياسياً بعدما نجح تدخل القوات الروسية في تحجيمها عسكرياً.
… ثم يتحدث دي ميستورا عن ترك السوريين يقررون مصيرهم بأنفسهم، من دون تدخل خارجي!
إلياس حرفوش
صحيفة الحياة اللندنية