خطى تسوية الصراعات العربية

خطى تسوية الصراعات العربية

العرب-الصراع-العربي-الشرق-الأوسط

في منتصف ديسمبر الماضي كتبت في هذه الصفحة معلقاً على التطورات التي بدا معها وكأن الصراعات المحتدمة داخل عدد من الدول العربية قد بدأت طريقها نحو التسوية، ففي ذلك الوقت شهدت الصراعات الدائرة في اليمن وليبيا وسوريا تطورات مشجعة، إذ تم التوصل في اليمن إلى وقف لإطلاق النار، تمهيداً لمفاوضات تُجرى في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة، وفي ليبيا كان توقيع اتفاق الصخيرات بإشراف أممي قد اقترب، وفي سوريا كان مؤتمر الرياض قد نجح في تشكيل هيئة تمثل المعارضة السورية في أي مفاوضات مقبلة، وتساءلت يومها عما إذا كانت أطراف هذه الصراعات قد وصلت بعد الاحتكام الطويل إلى السلاح إلى اقتناع بأن الحل لابد وأن يكون سياسياً؟ ومع ذلك لم أُفرط في التفاؤل لاستمرار التناقضات الشديدة بين أطراف الصراعات وتعددها محلياً وإقليمياً وعالمياً على نحو من شأنه أن يعقد التوصل إلى تسويات ناهيك عن الصعوبات الفنية في تنفيذ أي اتفاقيات يمكن التوصل إليها، وكون التوصل إلى تسويات لا يعني انتهاء الصراعات، نظراً لاستمرار خطر الإرهاب، غير أن هذا كله لم يكن يعني الحكم على جهود التسوية بالفشل الحتمي وإنما ينبه إلى ضرورة بذل مزيد من الجهود، وبالفعل لم تحقق الجولات الأولى في التفاوض من أجل التسوية إنجازات تُذكر غير أن الجهود تواصلت.

وتبدو الآن هذه الصراعات وكأنها تخطو خطوة جديدة في الطريق إلى التسوية، فقد انتهت جولة المفاوضات الأخيرة غير المباشرة في الصراع السوري بإعلان المبعوث الأممي ورقة مبادئ من اثني عشر بنداً، وصفها بأنها مبادئ إرشادية لا تدخل في التفاصيل. وأشار إلى أنه سيسعى في جولة المفاوضات القادمة المفترض أن تعقد خلال أيام، وعلى أبعد تقدير خلال هذا الشهر، إلى الدخول في التفاصيل، وكذلك إلى إشراك الأكراد فيها. واعتبر أن اكتمال جولة المفاوضات يعد إنجازاً في حد ذاته، ووصف سلوك المفاوضين بالإيجابية والمهنية العالية. وذكر أن أساس الحل هو قرار مجلس الأمن رقم 2254.

وعلى صعيد الصراع في اليمن واصل المبعوث الأممي جهوده لعقد جولة المفاوضات الثانية في هذا الشهر في مكان لم يعلن عنه رسمياً بعد، وإن كان بعض التقارير يرجح استضافة الكويت هذه الجولة. ومن الواضح أن طرفي الصراع يقبلان المشاركة في هذه الجولة، كما أن تهدئة قد تمت على الحدود السعودية الجنوبية مع اليمن والتي تتاخم منطقة نفوذ الحوثيين، وفي الحالة اليمنية يقف قرار مجلس الأمن أيضاً رقم 2216 باعتباره أساس التسوية.

أما ليبيا فتمثل الإنجاز الرئيس فيها في دخول المجلس الرئاسي الذي تشكل بموجب اتفاقية الصخيرات العاصمة طرابلس برئاسة فايز السراج رئيس المجلس ورئيس الحكومة الجديدة التي يفترض إعلانها، وكانت قد جرت محاولات لمنع دخوله بإغلاق المجال الجوي من قبل حكومة طرابلس غير المعترف بها والجماعات المسلحة الموالية لها، فوصلت حكومته عن طريق البحر وتحصنت بالقاعدة البحرية في المدينة، واجتمعت ببعض الفعاليات السياسية، وتباحثت مع مؤسسة النفط الليبية.

وهكذا تبدو الصراعات العربية المحتدمة على مشارف خطوة جديدة في طريق التسوية ثمة أمل في أن تقربنا من الحل، وبالإضافة إلى العلاقة الإيجابية بين طول أمد الصراع دون حسم وبين الاتجاه إلى التسوية فإن هذه الخطوة المقبلة تتميز بأن ثمة تفاهماً بين القوى الكبرى سواء تمثلت في الولايات المتحدة أو روسيا أو الدول الأوروبية على الدفع باتجاه الحل بسبب تفاقم مشكلة الإرهاب وامتدادها إلى الدول الأوروبية، وكذلك مشكلة اللاجئين الذين يفرون إلى أوروبا من جحيم الصراعات ولكنهم في الوقت نفسه مصدر خطر محتمل عليها، وينطبق هذا بوضوح على الصراعين في سوريا وليبيا. أما الصراع في اليمن فهو الأقل من حيث درجة التدخل الخارجي فيه وحتى التدخل الإيراني الذي كان واضحاً في بداية الصراع نجح التحالف العربي في تحييده ولجم آثاره. وإذا كانت الإرادة الدولية الواضحة في التسوية غائبة في هذا الصراع فإن عمليات التحالف العربي والإنجازات التي حققتها كان لها فضل إجبار الحوثيين على قبول نهج التسوية، وعلى رغم ذلك فإن الطريق ما زالت شاقة سواء نحو التوصل إلى تسويات أو القضاء على الإرهاب أو إعادة الإعمار.

د.أحمد يوسف أحمد

صحيفة الاتحاد