ثمة سيناريوان فيما يتعلق بمستقبل الأمن النووي, أحدهما إيجابي وهو سيناريو الإجراءات الأمنية المشددة, والأخر سلبي ويتمثل في الإجراءات الأمنية المحدودة. ويمكن تقديم مقترحات ستضع المجتمع الدولي على المسار الإيجابي للأمن النووي، وبما يساهم في التحسين المستمر للأمن النووي. وهذه المقترحات من قبيل الالتزام بمبادئ صارمة للأمن النووي، وتعزيز ثقافته، ومواصلة الحوار الفعَّال بعد انتهاء قمم الأمن النووي.
ويناقش هذه القضية تقرير صادر عن مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية التابع لكلية كينيدي بجامعة هارفارد, والمُعنون: “منع الإرهاب النووي: التحسن المستمر أو التراجع الخطير”, وأعد التقرير مجموعة من الباحثين في كلية كينيدي. ويعرض التقرير عدة توصيات لتحقيق الأمن النووي، وذلك انطلاقاً من تناول مخاطر الإرهاب النووي, وتقييم ما تم إنجازه من جهود لتحسين الأمن النووي في العالم.
خطر الإرهاب النووي
ثمة اتفاق على الصعيد الدولي فيما يتعلق بتنامي خطر الإرهاب النووي, والذى يعني في أحد تعريفاته أنه عمل إرهابي يقوم خلاله شخص أو أكثر ينتمي لمنظمة إرهابية بتفجير قنبلة نووية. وبالرغم من أن امتلاك هذه التنظيمات الإرهابية لقنبلة نووية، ولو في شكل بدائي، هو أمر ليس باليسير, فقد سعت تنظيمات مثل “القاعدة” والجماعة اليابانية المتطرفة “أوم شينريكيو” إلى الحصول على أسلحة نووية.
ويوضح التقرير أن تنظيم “القاعدة” لديه برنامج للأسلحة النووية، وحاول مراراً شراء مواد لقنبلة نووية, كما قام بإجراء اختبارات نووية في الصحراء الأفغانية.
وبالنسبة لتنظيم “داعش”, يذكر التقرير أنه لا توجد أدلة قاطعة تُفيد بوجود مساعي لديه لامتلاك أسلحة نووية على غرار “القاعدة”, بيد أن قيام “داعش” بعمليات إرهابية ضخمة يحتاج فيها إلى تعبئة كثير من الموارد بما فيها المتعلقة بالسلاح النووي, يُنذر بتصاعد تهديد الإرهاب النووي لهذا التنظيم.
لذلك يرى التقرير أنه حتى مع وجود احتمال ضعيف لاستخدام الجماعات الإرهابية للسلاح النووي, فإن مجرد وجود هذا الاحتمال كافي للدفع باتخاذ خطوات جادة في مجال الأمن النووي.
الأمن النووي عام 2030: سيناريوان
يطرح التقرير سيناريوين فيما يتعلق بمستقبل الأمن النووي, أحدهما إيجابي (سيناريو الإجراءات الأمنية المشددة), والأخر سلبي (الإجراءات الأمنية المحدودة), وذلك على النحو التالي:
1- سيناريو الإجراءات الأمنية المشددة: يتضمن هذا السيناريو اتخاذ مجموعة من الإجراءات لتحقيق الأمن النووي، منها ضمان الحماية للأسلحة النووية بشكل يجعلها بعيدة عن تهديدات الإرهابيين, وتقليل عدد المخازن التي تحتوي على المواد النووية, وإضعاف قدرات الجماعات الإرهابية، بما يُصعب من عملية التنسيق بين أنصارها لتهريب المواد النووية, وبناء ثقافة للأمن النووي، واستمرار الحوار الفعَّال بين الدول المختلفة لاتخاذ المزيد من الخطوات لتحقيق تقدم في مكافحة الإرهاب النووي.
2- سيناريو الإجراءات الأمنية المحدودة: على النقيض تماماً من السيناريو السابق, ففي حال حدوثه ستوجد العديد من المخازن التي تحتوي على أسلحة نووية مُعرَضة للخطر, مع ضعف الإجراءات التي سيتم اتخاذها للتقليل من عدد هذه المخازن, فضلاً عن أن الدول المختلفة ستتعامل مع معلومات الأمن النووي باعتبارها سرية، وقليل منها ستتداوله فيما بينها, بالإضافة إلى أن المناقشات الدولية التالية لقمم الأمن النووي سيُسيطر عليها الخلافات السياسية والعقبات البيروقراطية, بما يُشير إلى تعثر أي محاولات للتقدم في هذا المجال، ومن ثم تزايد مخاطر الإرهاب النووي.
وهكذا، يؤكد التقرير أنه مع وجود فرص حقيقية لتحقيق أهداف سيناريو الإجراءات الأمنية المشددة, إلا أن هناك أيضاً مخاطر حقيقية تهدد بانزلاق العالم إلى سيناريو الإجراءات الأمنية المحدودة, بما يُحتم على الدول مواصلة العمل معاً من أجل التطوير المستمر للأمن النووي.
تقييم التقدم والثغرات في الأمن النووي
يشير التقرير إلى أن ثمة تحسناً طرأ على مجال الأمن النووي في العالم, غير أن هذا التقدم شهد تراجعاً في السنوات الأخيرة. ويُقيّم التقرير التقدم والثغرات في مجال الأمن النووي من خلال النقاط التالية:
1- الالتزام بمبادئ الأمن النووي: رغم إحراز تقدم كبير في هذا الأمر, لكن تظل هناك ثغرات. فعلى سبيل المثال، في قمة الأمن النووي عام 2014 انضمت 35 دولة إلى مبادرة تعزيز الأمن النووي, إلا أن كبار حائزي الأسلحة النووية مثل روسيا والصين وباكستان والهند لا يزالون غير مشاركين في المبادرة.
2- التنفيذ الفعَّال لإجراءات الأمن النووي: يؤكد التقرير على أن الدول التي يتواجد بها يورانيوم عالي التخصيب, تبنت سياسات للأمن النووي أكثر صرامة في السنوات التي تلت هجمات 11 سبتمبر 2001, بحيث تتضمن الفحص الدوري للمواقع النووي. وقد ساعد على ذلك الضغط السياسي الناتج عن اجتماعات الأمن النووي, والذى دفع نحو اتباع مزيد من هذه الإجراءات.
3- تعزيز ثقافة الأمن النووي: بينما زادت أعداد البرامج التي ترعاها الدول والمنظمات الدولية لتعزيز ثقافة الأمن النووي, فلا يزال ثمة عدد من المسؤولين في بعض البلدان يتعاملون باستهانة مع خطر الإرهاب النووي, كما أن معظم المنظمات التي تتعامل مع الأسلحة النووية ليس لديها برامج تُركز على تعزيز ثقافة الأمن النووي.
4- تداول المعلومات عن الأمن النووي: ثمة قبول متزايد من جانب الدول المختلفة لتقديم بعض المعلومات عن إجراءات الأمن النووي, ومع ذلك فإن بعض الدول تتعامل مع هذه المعلومات من منطلق أنها سرية.
5- استمرار التواصل بين الدول بعد انتهاء اجتماعات الأمن النووي: إذ إن أهم ما يُميز هذه القمم أنها دفعت بقضايا الأمن النووي إلى مستوى سياسي رفيع, وساهمت في زيادة الوعى بخطر الإرهاب النووي, إلا إن هناك الكثير من الشكوك التي تُثار حول مدى فعَّالية الحوار بعد انتهاء مثل هذه الاجتماعات الدولية.
6- تمويل برامج الأمن النووي: يعد توفير التمويل أمراً ضرورياً لضمان أنظمة أمن نووي فعَّالة. وعلى مدار السنوات الماضية، أصبح دعم الولايات المتحدة عنصراً حاسماً في مساعدة العديد من البلدان لتحسين الأمن النووي، والحد من مخاطر الهجمات الإرهابية النووية. وبالرغم من مساهمة العديد من الدول في هذا الشأن, لكن واشنطن حتى الآن لا تزال أكبر المانحين, حتى مع تراجع الميزانية الأمريكية المخصصة لتحسين الأمن النووي بنسبة 38% من أكثر من 800 مليون دولار في عام 2012 إلى حوالي 500 مليون دولار في عام 2016، مع توقعات بانخفاضها إلى أقل من 400 مليون دولار في عام 2017.
توصيات لتحسين الأمن النووي
يطرح التقرير توصيات تهدف إلى وضع العالم على مسار الإجراءات الأمنية المشددة فيما يتعلق بالأمن النووي، وهي:
1- الالتزام بمبادئ صارمة للأمن النووي: نظراً لأنه من غير المتوقع أن تتفاوض الحكومات لوضع اتفاقية حول مبادئ الأمن النووي في المدى القريب, فمن الممكن لمجموعة الدول التي تمتلك مخزونات كبيرة من المواد النووية أن تعمل معاً لصياغة التزام سياسي في شكل مبادئ يكون لديهم استعداد لتنفيذها, مع دعوة الدول الأخرى التي تمتلك يورانيوم عالي التخصيب للالتزام بهذه المبادئ, وكذلك تقديم العون إلى البلدان الراغبة في تنفيذ المبادئ ولكنها تحتاج إلى المساعدات التقنية والمالية.
2- تفعيل البرامج المتعلقة بالأمن النووي: يتطلب تحقيق الأمن النووي اتباع إجراءات داخل كل بلد على حده، وأيضاً تعزيز التعاون الدولي في هذا الشأن, خاصةً أن فرص تحقيق واستدامة الأمن النووي تظل أعلى بكثير في حالة تعاون الدول. ويتم دعم هذا التعاون من قِبل الدول المانحة التي توفر المساعدة والتدريب للدول الأخرى، و يبرز هنا الدور الأمريكي في توسيع التعاون مع الهند والصين وباكستان, وأيضاً التعاون الأمريكي – الروسي الذي أصابه التوتر مؤخراً نتيجة الخلافات بشأن أزمة أوكرانيا والقضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك.
3- نحو ثقافة جديدة للأمن النووي: إذ يتعين على الدول الراغبة في تعزيز الأمن النووي أن تتخذ عدة خطوات في شكل مبادرة تمثل ثقافة جديدة للأمن النووي, بالإضافة إلى الاتفاق على إنشاء قاعدة بيانات مشتركة لتحليل الحوادث الأمنية والدروس المستفادة منها, وأن تقوم الدول التي لديها معلومات عن تهديدات الإرهاب النووي بإعداد التقارير عن هذا الأمر وتُوزعها على الدول الأخرى, فضلاً عن الحصول على المعلومات عن هذه التهديدات من وكالات الاستخبارات التابعة لكل دولة.
4- مناهج جديدة لأمن نووي فعَّال: يتعين على الولايات المتحدة والدول الأخرى إنشاء فريق من الخبراء لوضع نهج يتضمن توفير ضمانات من شأنها بناء الثقة بين البلدان عند تداول المعلومات الخاصة بإجراءات الأمن النووي. فعلى سبيل المثال، مراجعة الترتيبات الأمنية النووية الخاصة بالدول يكون عن طريق فرق دولية, وبقيادة وكالة الطاقة الذرية، بحيث تساهم هذه المراجعات في تحسين الأمن النووي.
5- مواصلة الحوار الفعَّال بعد انتهاء قمم الأمن النووي: من الضروري أن تعمل الدول على استمرار الحوار الفعَّال بينها بعد انتهاء اجتماعات وقمم الأمن النووي، بحيث يتم مناقشة الخطوات التالية في هذا المجال على أعلى المستويات. ويقترح التقرير في هذا الصدد أن تؤسس الولايات المتحدة والدول الأخرى منتديات يتم من خلالها تناول القضايا المتعلقة بالأمن النووي.
مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية
إعداد: وفاء ريحان
* عرض مُوجز لتقرير بعنوان: “منع الإرهاب النووي: التحسن المستمر أو التراجع الخطير”, والصادر في شهر مارس 2016 عن مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية التابع لكلية كينيدي بجامعة هارفارد.
المصدر:
Matthew Bunn and others, preventing nuclear terrorism: continuous improvement or dangerous decline? (Cambridge: Belfer Center for Science and International Affairs, Harvard Kennedy School, March 2016)
مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة