حملت التطورات الاخيرة في العلاقة بين المملكة العربية السعودية وايران على تعزيز دور المواجهة بينهما والحد من النشاطات المعادية التي تسعى اليها ايران في التدخل في الشأن السعودي والخليجي ، وتمثل هذا التصعيد في سحب السفراء من كلتا الدولتين وايقاف النشاطات السياسية والاقتصادية بينهما اضافة الى تصعيد وتيرة الخطاب السياسي والاعلامي بين الدولتين واستثمار العلاقة الوطيدة التي تمتلكها السعودية مع بلدان العالم في اتخاذ القرارات الدولية والاقليمية والعربية باعتبار ايران من الدول الساعية للتأثير والتدخل في منطقة الشرق الاوسط والمنطقة العربية وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي وفضح الاساليب والمخططات التي تؤطر الآسس القوية للمشروع الايراني التوسعي في المنطقة .
من هذا المنطلق دأبت الآجهزة التنفيذية والمؤسسات السعودية على متابعة تواجد الآذرع الايرانية في الدول العربية والمحيطة بالمملكة العربية السعودية ن فكانت المواجهة العسكرية غير المباشرة على أرض اليمن السعيد في النزاع العسكري المستمر مع الحوثيين وايقاف المد والزحف الآيراني الساعي للسيطرة على اليمن والمضايق المائية فيه والتحكم بمضيق باب المندب وضرب حزب الله اللبناني على ارض لبنان واعتباره حزبا ارهابيا وفضح توجهاته وأهدافه في التدخل والمشاركة بالقتال على الارض السورية ، ثم جاءت قرارات مجلس التعاون الخليجي في اجتماعاته الاخيرة في العاصمة السعودية (الرياض) لتؤكد أهمية مواجهة المشروع السياسي التوسعي لآيران في المنطقة العربية وايجاد جميع السبل الكفيلة لآفشاله والتصدي له ولجميع صور الارهاب التي تواجه الامة العربية من خلال الاعلان عن تشكيل (التحالف العربي) العسكري والسياسي والذي تقوده السعودية الآن وهي ماضية للحفاظ على الامن القومي والوطني لبلدها وبلدان الخليج العربي والحفاظ على الممرات المائية والستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط بما يحقق الامن الدولي والاقليمي للعالم .
وكانت المواجهة الايرانية لجميع ما خطتته السعودية وأجهزتها العسكرية والآمنية تأخذ اتجاهات متباينة وأهداف توسعية واستخدام لجميع أذرعها ومنها (الميليشيات المسلحة) المرتبطة بها والمتواجدة على الآرض العراقية ،ولآجل استمرار المواجهة غير المعلنة فقد حركت ايران عدد من الفصائل والميليشيات المرتبطة بها للعمل والتواجد في مناطق استراتيجية ومهمة وبالقرب من الحدود العراقية -السعودية وهي رسائل موجهة للحكومة السعودية تشير الى قدرة ايران في التأثير على طبيعة الامن الوطني للمملكة العربية السعودية خاصة وان لآيران صوت عسكري في العراق ونفوذا سياسيا واسعا وسيطرة على الميدان تحقق بعد الاحتلال الامريكي للعراق في 9 نيسان 2003 والدعم والاسناد الذي قدمته حكومة طهران للحكومات العراقية المتعاقبة والتي جاءت متزامنة مع الغزو الامريكي للعراق والاستمرار بضخ الاموال الهائلة وتشكيل ميليشيات وفصائل عسكرية وقتالية ترتبط بأجهزتها الامنية والاستخبارية وتتلقى الدعم والاسناد من قيادة الحرس الثوري وفيلق القدس الايراني الذي يشرف عليه قاسم سليماني ،وغاية ايران من هذا التوجه هو جعل العراق في مربع أمنها وفرض هيمنتها على التراب العراقي .
ولهذا فقد تم تشكيل أكثر من (50) خمسين فصيلا تابعا لما يسمى بتشكيلات الحشد الشعبي الذي أعلن عنهم بعد الآحداث التي ادت الى سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الموصل يوم 9 حزيران 2014 واستمرار تمدده وزحفه حتى أطراف مدينة بغداد .
بلغ عدد مقاتلي الحشد الشعبي (150000) شخص وتقلدت قيادات ميدانية ترتبط بأجهزة أمنية ايرانية متنفذة عملية السيطرة والتوجيه لهذه التشكيلات بدافع طائفي وسلطوي وعسكري وسعت لتحقيق امتيازات مادية والسيطرة على الوضع الآمني والعسكري والميداني في العراق .
وكن من أبرز هذه التشكيلات (كتائب حزب الله وعصائب اهل الحق وسرايا السلام ولواء الخراسان ولواء العباس ) وتمكنت هذه المليشيات من التواجد والقتال في جميع المناطق التي شهدت نزاعا عسكريا بين القوات الامنية والعسكرية العراقية ومقاتلي تنظيم الدولة في مناطق (جرف الصخر وسامراء وتكريت وبيجي والمقدادية وجلولاء )وبغية تعزيز التواجد الايراني وسعيه لمد نفوذه وتواجده في الميدان العراقي سعت هذه الميليشيات في التواجد في (ناحية النخيب ) التابعة لمحافظة الانبار وعملت ايران على توجيه أصحاب القرار السياسي في العراق بضرورة العمل على ضم ناحية النخيب الى الوحدات الادارية التابعة لمحافظة كربلاء ضمن أهداف وتوجهات طائفية تسعى اليها ايران في تعزيز التواجد الشيعي وتحديد أطره ودوائر السيطرة فيه في المناطق ذات (الطابع السني ) وتحقق هذا الغرض بقرار من حكومة بغداد وتم ضم (ناحية النخيب ) الى محافظة كربلاء .
وشرعت المليشيات في التواجد بهيئاتها العسكرية وعدتها وأسلحتها وانشاء مقرات لها في وسط الناحية مبررة هذا التواجد باستهداف هذه المنطقة ومحاولة السيطرة عليها من قبل تنظيم الدولة وسعيه لتهديد الوضع الامني لمحافظتي (النجف وكربلاء ) ولكن حقيقة الآمرأنها تشكل امتدادا جغرافيا مع دول الجوار العراقي (الاردن والسعودية) وأنها تشكل هدفا استراتيجيا لآيران وأجهزتها الآستخبارية كونها حلقة مهمة ورئيسية في التمدد نحو منطقة الحدود العراقية-السعودية وتهديد أمن المملكة من قبل أدوات وأذرع المليشيات المسلحة المرتبطة بايران والمتواجدة في الناحية اضافة الى ان اراضيها تحتوي على مخزون نفطي ضخم وتشكل الطريق الرئيسي للحجيج الايرانيين وبالتالي السعي لآيجاد طوق شيعي حول السعودية .
تم تعزيز الهدف الآمني التوسعي لآيران والميليشيات المرتبطة بها بقيامها بمساعدة حكومة بغداد في شق طريق يربط بين محافظة كربلاء ومنفذ الوليد الحدودي والذي يمر بناحية النخيب ومنطقة الهبارية انطلاقا من عين التمر في كربلاء وصولا الى منفذ الوليد لآستخدامه في نقل المقاتلين العراقيين والسوريين والسلاح والمعدات العسكرية من ايران والعراق الى داخل اراضي السورية .
وتمكن مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية من الحصول على معلومات مؤكدة ودقيقة ومن مصادر موثوقة عن تواجد لعناصر من تشكيلات الحشد الشعبي في منطقة النخيب وبالقرب من مقر (قيادة حدود المنطقة الثانية ) مع مقاتليين تابعين للمليشيات المرتبطة بايران تحت مسمى (فرقة العباس ) .
حيث تعرض المقر المذكور في يوم 24 نيسان 2016 الى قصف ب(6) صواريخ من منصات وضعت فس شمال وجنوب ناحية النخيب وجميعها سقطت بالقرب من مقر القيادة المذكورة ومقاتلي الحشد الشعبي وفرقة العباس الثانية .
ان عرضنا لهذه المعلومة العسكرية المهمة انما نريد أن نبين حقيقة التواجد الميليشاوي والعسكري في ناحية النخيب وبعد أن تم ربط التشكيلات العسكرية المتواجدة في هذه المنطقة ب (قيادة عمليات الفرات الاوسط) بعد أن كانت تابعة لعمليات (الجزيرة) .
ان سعي الآجهزة الآستخبارية والعسكرية الآيرانية بالتواجد على التراب العراقي وبأتجاه العمق الداخلي للاراضي السعودية انما يرسل رسائل متعددة الآتجاهات والآهداف حول حقيقة واضحة المعالم وهي أن بامكان ايران أن تهدد أمن وسلامة المملكة العربية السعودية بأستخدام أذرعها المتواجدة على أرض العراق وأن سعيها للتواجد في مناطق قريبة من الحدود المشتركة انما هي وسيلة لتحقيق غايتها العسكرية والآمنية خاصة بعد نصب عدة قواعد انطلاق للصواريخ في منطقة النخيب موجهة نحو الاراضي السعودية في العام الماضي .
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية