باشرت القوات المناهضة للتطرف، قتالها في الفلوجة، منذ أسبوع، بعد مفاوضات حادة جدت بين الأطراف المشاركة في الحرب في العراق امتدت إلى الصفوف الأمامية. ظهر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في 23 مايو، على مقربة من معسكر للجيش العراقي بالقرب من مدينة الفلوجة يرتدي ملابس عسكرية معلنًا عن بداية المعركة ضد تنظيم الدولة المسيطر على المدينة منذ يناير 2014.
هذه المعركة لن تكون سهلة على الإطلاق، وهي حقيقة يعيها المراقبون والعراقيون المواكبون للأحداث. وتعتبر الفلوجة منذ القدم مقر الجامعات السنية ومعقل تنظيم القاعدة، المتطرف، وهي تعتبر أول مدينة في العراق تتفهم سياسة تنظيم الدولة في الوقت الذي كان فيه تنظيم القاعدة يتقدم بصفته محرر المذهب السني في العراق. لتتغير كل المعادلات منذ ذلك الحين؛حيث إن العديد من العراقيين أصبحوا يعتبرون تنظيم الدولة مجموعة من الظالمين غير القادرين على خدمة مصالحهم. في المقابل، لا يزال العديد من المدنيين في صفوف الجيش العراقي.
هذه الأحداث قد تضح العراق أمام إشكالية من القوات ستشارك في القتال؛ ذلك لأن الوضع سيكون خطرًا للغاية للمسلمين السنة في حال انضم المتطوعون الشيعة إلى المعركة؛ لأنهم سينتقمون من تنظيم الدولة والموالين لهم. لهذا السبب كانت المفاوضات مشحونة بالتوتر والمشابكات في الوقت الذي سبق إعلان العبادي بدء القتال.
نجحت قوات مكافحة الإرهاب العراقية، في 19 مايو المنصرم، في دفع مقاتلي تنظيم الدولة من منطقة الرطبة، الواقعة على الطريق السريع بين العراق والأردن وبالقرب من الفلوجة، وذلك بالتعاون مع القوات الأمنية المدربة من قبل الولايات المتحدة الذين يبلغ عددهم 500 عون مزود بأسلحة أمريكية والذين سبق وأن تفوقوا في معركة الحبانية.
يبدو أن الولايات المتحدة لم تقدم المساعدات الكافية للقوات المتطوعة الشيعية للقتال في الجبهة الشمالية للفلوجة خلال الأيام القليلة الماضية، ما جعل هذه الأخيرة تخلف وعدها بالبقاء على مشارف المدينة وتنتشر بالقرب من الفلوجة بعد فترة وجيزة من القتال لأجل الرطبة. كانت هذه الجماعة على ما يبدو تحاول توحيد قواتها لفتح هجوم جديد ضد تنظيم الدولة في المدينة وللحد من الصراع الداخلي بينهما في العاصمة بغداد. احتد الصراع وبلغ أوجه بين منظمة بدر الموالية لإيران ورابطة الميليشيات الصالحة من جهة وبين كتائب السلام العراقية التابعة لحركة مقتدى الصدر من جهة أخرى.
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن استهداف الفلوجة، التي تبعد عن العاصمة بغداد قرابة 40 ميلًا، يعتبر ضرورة بالنسبة للحكومة وقادة المليشيات لحماية العاصمة بغداد وللانتقام. استمرت المفاوضات بين العبادي وحلفائه التابعين للولايات المتحدة الأمريكية التي صرح فيها أنه يريد تكثيف الضغط على الفلوجة، مرددًا بذلك ما جاء على لسان القادة العسكريين وقادة المليشيات. ولكن هذه العملية تحتاج لدعم من الولايات المتحدة بالإضافة إلى دعم جوي.
كثيرًا ما حثت الولايات المتحدة العراقيين على حصر الفلوجة والتركيز على أهداف أخرى كمدينة الموصل مثلًا. لذلك يتساءل المراقبون عما إذا كان العبادي قد تقدم للمعركة بمحض إرادته أو أن تكتيكات المليشيات رمت به إلى قلبها. وأكد مصدر خاص بقوات الأمن العراقي، في المقابل، أن جميع الأطراف قد وافقت على الخطة، لذلك وافقت الولايات المتحدة على مواصلة تقدمها في الفلوجة بشرط أن لا تشارك القوات الإسلامية السنية في المعركة وأن تبقى خارج المدينة لدعم الجيش العراقي.
قام العبادي بتعيين القائد عبدالوهاب الساعدي لإدارة الحملة الذي كان أيضًا مسؤولًا عن عملية دفع وإبعاد تنظيم الدولة عن تكريت في 2015 وهو مكروه عمومًا من قبل المليشيات الشيعية المتطوعة. احتدت المناقشات بين الساعدي وهادي العامري زعيم مليشيا منظمة بدر، أهم عضو في المليشيات الشيعية، أثناء الحملة المناهضة لتنظيم الدولة في تكريت؛ وذلك بسبب رفضه لاقتراحات المليشيات الشيعية المتطوعة إلى جانب إصراره على التعاون مع الولايات المتحدة.
استنكر العامري حماس الساعدي للتعاون الأمريكي أكثر من زملائه العراقيين، ما دفع العبادي إلى إقالة الساعدي من منصبه ولكنه أعاده مرة أخرى نظرًا لكفاءته وتجاربه. بدأت الحملة لأجل الفلوجة وكان الجيش العراقي قادرًا على المضي قدمًا في الضاحية الجنوبية للمدينة، بمساعدة الهجمات التي شنتها طائرات أمريكية.
في المقابل، بدأت قوات المليشيات الشيعية المتطوعة تقدمها في ضواحي المدينة باستعمال الصواريخ وقذائف الهاون بشكل عشوائي في المدينة. شاهد العراقيون لقطات من الخطاب الطائفي الذي ألقاه أوس الخفاجي، أحد قادة كتيبة أبو الفضل العباس، وحث فيه رجاله على ضرورة “تطهير العراق من الفلوجة، الورم الذي يلازمنا”. وتم في وقت لاحق التقاط صور للخفاجي مع قاسم سليماني، العقل المدبر للعمليات العسكرية الإيراني، إلى جانب قادة الميليشيات الأخرى.
توقفت أعمال القتال في اليوم التالي وقد يرجع ذلك إلى توقف الولايات المتحدة عن الدعم؛ بسبب إخفاء المليشيات الشيعية للتحركات التي قامت بها ما دعا العامري، بعد إجراء المزيد من المفاوضات، إلى وعد الولايات المتحدة بإبقاء المليشيات الشيعية المتطوعة على مشارف المدينة. ومع ذلك، لم ترجع الولايات المتحدة بشكل كلي واكتفت بإطلاق الغارات الجوية ومساعدة القوات العراقية التي تقاتل في الجبهة الجنوبية في الفلوجة. في المقابل، لم تمنح الولايات المتحدة الدعم الكافي للقوات التي تقاتل في الجبهة الشمالية للمدينة والتي تشتمل على عدد كبير من المليشيات الشيعية المتطوعة، ما أدى إلى تعطلها.
كانت المليشيات الشيعية متمركزةً على مشارف المدينة لكي يتيسر لها الاختباء بها ويصعب على الحركات الكبيرة للقوات والمعدات العسكرية الحربية الدخول لهذه المناطق الزراعية. استخدم تنظيم الدولة، على مدى العامين الماضيين، إستراتيجية الهجمات المفاجئة على الجيش العراقي من هذه المناطق الريفية عن طريق التخفي.
أعرب الناطق باسم عملية الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة، ستيف وارن، في مؤتمر صحفي عقد في بغداد يوم 26 مايو، عن ثقته في الجيش العراقي الذي سينجح في التموقع في وسط مدينة الفلوجة، بالإضافة إلى بقاء المليشيات المتطوعة على ضواحي المدينة. وأضاف وارن أن ما يربو عن 4000 مقاتل سني مشارك في القتال من أجل تحرير المدينة والمدنيين السنيين.
صرح الرائد في الشرطة الاتحادية، شاكر جودت، عن وجود نحو 30000 عنصر من الجيش العراقي يشاركون في القتال إلى جانب المقاتلين السنة المتطوعين من القبائل المحلية. وأضاف جودت أن “الشرطة الاتحادية لم تكن قادرة على مدى الأشهر القليلة الماضية على اقتحام دفاع تنظيم الدولة، ولكن هذه المرة استغرقت العملية يومين فقط”، وأشار إلى أن هذه المعركة تتضمن ثلاث مراحل: السيطرة على مشارف المدينة والقبض على المقاتلين داخل المدينة والبدء في مهاجمة المتطرفين. مضيفًا أن “هذه المعركة قد تستغرق بعض الوقت ولكن إذا استمرت الولايات المتحدة في دعمها الجوي، سوف ننتصر”.
لا يزال ما يقرب من 50 ألف مدني عراقي محاصر داخل الفلوجة من جملة 350 ألف مواطن. وصرح مواطن من المحاصرين أن تنظيم الدولة يعتبر في ذروة غضبه ويمنع خروج المدنيين من المدينة إلى جانب إقدامه على قتل عائلة كاملة بسبب محاولتها الهرب. وأضاف أن تنظيم الدولة قد قدم عرضًا عسكريًا داخل المدينة في محاولة لإقناع السكان المحليين للفلوجة بمدى قوتهم وقدراتهم، بالإضافة إلى نشرهم شائعات تفيد أنهم سيقتلون كل الموجودين في الفلوجة عند تدخل القوات الموالية للحكومة العراقية في المدينة ولكن معظم السكان لم يصدقوهم.
عاش أهالي الفلوجة كل أنواع المشقة والعذاب منذ تدخل الجيش الأمريكي في 2004 بسبب المتطرفين المسلمين السنة وفي 2014 عند محاولة الحكومة العراقية استعادة السيطرة على المدينة عدة مرات.
فشلت الحكومة في المحاولات السابقة ولكن يبدو أن الأمور هذه المرة ستكون مختلفة لأن جميع أطراف القتال؛ القوات العراقية الحكومية والمقاتلين السنة والمقاتلين الشيعة والولايات المتحدة وحتى إيران، قد توصلوا إلى حل للتغلب على هذا التنظيم.
على ما يبدو أن النصر سيكون حليف الحكومة العراقية لكن نأمل أن تأخذ الأطراف المتداخلة بعين الاعتبار كلمات القائد الشيعي علي السيستاني الذي قال: “إنقاذ الأبرياء من الأذى يعتبر الشيء الأكثر أهمية، أكثر من استهداف العدو”.
إنفورمد – التقرير