يتفق أغلب المحللين الاقتصاديين على أن الاقتصاد الايراني اقتصاد نفطي هش؛ يعاني التضخم والبطالة وانخفاض القيمة المضافة خاصة بعد انخفاض أسعار النفط، حيث يصل التضخم إلى 15% والبطالة نحو 22 % بين الشباب، وانخفاض متوسط الرواتب في ايران والدين العام الداخلي يعادل حجم الدخل القومي ما يرفع أسعار الفائدة والديون المشكوك في تحصيلها.
وفيما بلغت ميزانية إيران للعام المالي الذي بدأ في 21 آذار (مارس)2016 الماضي، 89 مليار دولار ما يساوي حجم ميزانية العراق الذي يبلغ عدد سكانه نصف عدد سكان ايران، اكد وزير النفط الايراني أن القطاع النفطي والبتر وكيماوي يعاني عجزا اذ يحتاج إلى 200 مليار دولار في السنوات الثماني المقبلة. (العربية )12/ يناير 2016
كل هذه الدوافع تجعل ايران تبحث عن موارد حقيقية لتدعم اقتصادها وسوق لتصريف منتجاتها . فقد طرح المرشد الأعلى علي خامنئي في أغسطس/آب 2010 رؤيته لتأسيس “اقتصاد مقاوم” يتفادى العقوبات الغربية المفروضة على ايران بتنمية قطاعات التصنيع والزراعة الداخلية، وتقليص الاعتماد على الريع النفطي مع ترشيد الاستهلاك، وجعل الجار العراقي سوقا لتصريف الصادرات الايرانية غير النفطية ، ما جعل بغداد تشكل لطهران زبوناً لا يمكن الاستغناء عنه، مع ان الواقع يفترض ان يكون العراق منافساً نفطياً لإيران في السوق العالمية.
وأصبح من اهداف التنمية الايرانية زيادة صادراتها غير النفطية إلى العراق واحتل ذلك أولوية كبيرة في أجندة صناع القرار الإيرانيين حيث اتسع حجم التبادل التجاري الايراني مع بغداد التي وقعت مع ايران اتفاقيات تصب في خدمة النشاط الاقتصادي الايراني فقط.
ففي سبتمبر/أيلول من 2014 عُقد اتفاق خفضت بغداد بموجبه تعرفتها الجمركية أمام السلع الإيرانية لتتراوح بين 0% و5%. وفي فبراير/شباط 2015, اتفقت طهران مع بغداد على إلغاء عمليات الرقابة على الصادرات الإيرانية من السلع عند المنافذ الحدودية لتيسير حركة التجارة، وبهذا تصبح استيرادات العراق 72% من مجموع السلع الإيرانية المحلية غير النفطية، وهو يحتل المرتبة الاولى في استيراده لتلك السلع.
وفي عام 2005, بلغ حجم التبادل التجاري ( احادي الطرف) بين البلدين 730 مليون دولار أميركي، ثم أكثر من 12 مليار دولار من بداية عام 2012، و بلغ 13 مليار دولار في 2014. وتسعى ايران كما ذكر رئيس غرفة تجارة طهران يحيى آل إسحاق, الى وصول حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2017 الى 20 إلى 25 مليار دولار، متوقعا استمرار العلاقات التجارية بين طهران وبغداد في نمطها غير المتكافئ وغير السليم، وميل كفتها لصالح طهران؛ ما يبقي العراق مستوردا رئيسا للصادرات الايرانية.
وتشير إحصاءات التقارير السنوية لمؤسسة تنمية التجارة الإيرانية إلى أن صادرات إيران غير النفطية إلى العراق (دون احتساب صادراتها من السوائل الغازية) بلغت في السنة المالية 2011-2012 نحو 5.1 مليارات دولار ما يعادل (15.30% من قيمة إجمالي الصادرات)، وفي السنة المالية 2012-2013 بلغت الصادرات غير النفطية 6.2 مليارات دولار (19.30%), وهذه الزيادات بنسبة الصادرات تنوعت وشملت قطاعات واسعة ، منها سلع طاقية (غاز طبيعي وكهرباء)، وسلع غير نفطية (سيارات، ومواد غذائية, ومستلزمات منزلية, وأعمال يدوية)، وخدمات فنية وهندسية (في قطاعات الطاقة, والإسكان, والصحة, والنقل).
وبحسب تصريح الأمين العام للغرفة التجارية الإيرانية ــ العراقية سنجابي شيرازي فان طهران تستحوذ من خلال هذه الصادرات على 17.5% من السوق العراقي بعد أن كانت تستحوذ على 13% فقط قبل صعود تنظيم الدولة الإسلامية(داعش). مبينا ان طهران تهدف الى الاستحواذ على 25% من السوق العراقي في السنوات المقبلة.
وأصبحت الخسائر الاقتصادية للعراق جراء توسع تنظيم الدولة في العراق والمعارك التي تخوضها مليشيات الحشد الشعبي مكاسب بالنسبة للجانب الإيراني، إذ يطمح مستثمرو طهران بالحصول على عقود اعادة الاعمار للمحافظات المحررة؛ لاعتماد العراق بنسبة 70% على الخدمات الفنية والهندسية الإيرانية . وهذا نصيب مستثمري طهران. ناهيك عن 15 ألف وحدة سكنية تم توكيل إنشائها لمقاولين إيرانيين, هذا يعني استحواذ المقاولين الإيرانيين على جزء كبير من الوحدات السكنية التي تنوي بغداد بناءها في السنوات المقبلة والتي سيبلغ عددها مليوني وحدة.
وتسعى طهران كذلك إلى حضور أكبر في قطاع الطاقة العراقي، اذ صرح وزير الطاقة الإيراني حميد شت شيان في يوليو/تموز من 2014 أن إيران تشارك في 27 مشروعا لتوليد الكهرباء بقيمة مليار و245 مليون دولار أميركي، متوقعا استحواذ إيران على نسبة 5 إلى 10% من المشروعات التنموية في العراق التي ستبلغ تكلفتها 275 مليار دولار حتى عام 2017.
ومن جانب اخر فان ان تراجع العائدات النفطية العراقية التي باتت تفرض قيوداً مالية على الخيارات المتاحة أمام الحكومة في بغداد، جعل السلع الايرانية هي الخيار الوحيد من دون منافس لغزو السوق العراقي وبالفعل شهدت المنافذ الحدودية الإيرانية اخيراً زيادة كبيرة في حركة الصادرات تجاه العراق. فيما شهدت الصادرات التركية تراجعا بقيمة ملياري دولار بسبب الاحدات في الموصل، ما زاد من حصة إيران الاقتصادية في سوق العراق.
و ذكرت مؤسسة الإحصاء التركية أن “العراق كان خلال عام 2014 في المرتبة الثانية بين الدول الأكثر استيرادًا للبضائع التركية”، اذ بلغ حجم صادرات تركيا للعراق 11 مليار و949 مليون وكان من المتوقع حدوث ارتفاع في هذا الحجم، لكن بعدما سيطر تنظيم الدولة على مدينة الموصل الحيوية تلقت الصادرات التركية ضربة قاسية جعلتها تنخفض بنسبة 58%، ما يؤكد ان الرابح الوحيد من انهيار الوضع الامني في العراق هو ايران ! في ظل غلق حدود العراق مع الأردن وسوريا والسعودية, ما اعطى فرصة ذهبية لصادرات الجمهورية الإسلامية إلى العراق؛ لتصبح سوق استهلاكيا لها .
ولكن الأهم بالنسبة لطهران هو الانخراط في قطاعات النقل في العراق نظراً لدورها في تيسير حركة التجارة بين البلدين و بتعبير أدق: تيسير حركة صادرات إيران غير النفطية باتجاه العراق. ويعد مشروع قطار البصرة- شلامجة المتوقع تنفيذه قريبا بطول 40 كلم من أهم المشروعات الحيوية التي تهدف طهران من خلاله ربط شبكة سكك الحديد الإيرانية بنظيرتها العراقية لتيسير حركة المسافرين والتجارة ( الجزيرة ) 32/3/2015
وصرح الملحق التجاري الايراني في العراق محمد رضا زاده في (الاجتماع الثالث عشر لمجلس شورى الحكومة والقطاعات الخاصة) ان العراق يستورد 95% من احتياجاته من العالم، وايران باستطاعتها أن تجعل العراق سوقا واعدا للمنتجات والبضائع الايرانية، وان الحدود التي تشترك بها ايران مع العراق من الشمال الى الجنوب تساعدها على الاستحواذ على السوق العراقي ، وأوضح زاده أن ايران تحتل المركز الثاني بعد جمهورية الصين الشعبية في حجم الصادراتها الى العراق ، مؤكدا ” ان ايران تستطيع تصدير خمسة أضعاف هذه الصادرات الحالية ما يعود بالنفع الكثير على التجار الايرانيين”.
وكشف عن نية ايران فتح 3 مراكز تجارية في ثلاث مدن عراقية هي: بغداد والنجف والسليمانية، كما انها بصدد ارسال مفاوض تجاري الى كل من كردستان العراق والبصرة.
واشار المفاوض التجاري الايراني لدى العراق رضا زاده الى : ” من البرامج التي تنوي ايران القيام بها تأسيس محال لعرض البضائع بشكل مباشر والتعاون مع شركات البناء والأطعمة والمراكز التجارية، والاستثمار المشترك مع العراق في قطاعات الصناعة .
وقال ان الأعوام الـ 13 الماضية شهدت ازدياد حجم الصادرات الإيرانية الى العراق اذ ارتفعت 17 ضعفا. موضحا أن صادرات الفواكه الى العراق وحدها حازت على 2,200$ ( مليارين ومائتين مليون ) ، وذكر ان 90 %من مجموع القرميد المستورد الى العراق يتم توفيره من ايران، اضافة الى 90% من الكشمش (مواد غذائية)، وقرابة 80 % من السيارات المستوردة الى العراق، اذ يتم تصديرها من ايران. وكالة تسنيم 29/11/2016 الدولية للأنباء
ورغم ان السيارات الإيرانية هي الأسوأ في السوق العراقي ، لافتقارها للمتانة وشروط السلامة، اذ تسببت بوفاة العشرات من العراقيين، لكن الترويج لها زاد الطلب عليها من قبل المواطنين بسبب رخص أسعارها.
وقال رئيس قسم المالية والمصرفية في الجامعة المستنصرية ميثم لعيبي للجزيرة نت إن التبادل التجاري بين العراق و إيران ليس سليما، لانه استيراد من جانب واحد فقط، ما يعني أن العراق أصبح مستوردا صافيا، وإيران مصدّرا صافيا، مبينا ان هذا التبادل الأحادي الفائدة تسبب بخروج صافي العملة الأجنبية من العراق التي تقدر بـ 16 مليار دولار مقابل سلع تدخله. وألغت وزارة المالية العراقية فحص المنتجات الإيرانية الداخلة إلى العراق، وفقا لما أعلنته إيران، و “هذا الإجراء غير صحيح وغير مسؤول رغم التبرير بانه يسهل عمل التصدير، لانه يضعف الرقابة وتطبيق معايير الجودة على الصادرات الى العراق، ويساعد على ازدياد التهريب ودخول سلع غير مطابقة للمواصفات.
وقال الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني للجزيرة نت إن سيطرة البضائع الإيرانية على السوق العراقية ناجمة عن قطع الخطوط مع تركيا والأردن وسوريا بسبب خروج حدود هذه البلدان عن سيطرة الحكومة المركزية، مؤكداً أن “العراق كان يستورد من تركيا سنويا بحدود 14 مليار دولار، ومن سوريا نحو 5 مليارات دولار، والأردن 5.5 مليارات دولار. لكن المعادلة تحولت الان واصبحت ايران ودون منافسة مسيطرة على السوق العراقي حيث يعني تتحكم بكمية العرض وبالأسعار.
ان الاعتماد العشوائي على الاستيراد ” في ظل غياب القوانين والضوابط الحقيقية التي تنظم عمليات الاستيراد، وغياب الدور الرقابي للجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية ادى الى اغراق السوق العراقي ببضائع وسلع رخيصة لا تتوافر فيها أبسط الشروط الصحية ومواصفات المتانة، وكان الخاسر الأكبر هو المواطن العراقي.
وان تحول الاقتصاد العراقي الى سوق استهلاكي للسلع الايرانية ادى الى اختلال الميزان التجاري العراقي / الايراني لصالح إيران، وانحسار التنمية الاقتصادية وضعف المنتج الوطني واهمال الزراعة وانعدام الصناعة وانعدام المشاريع الاقتصادية، والاتجاه نحو المنتج المستورد عموما وهذا ينعكس بشكل سلبي على الاقتصاد العراقي وتبعيته ، وعلى مجمل مفاصل الدولة العراقية وسياساتها، ويؤثر على توفر الدخل اللازم والعيش الكريم لمواطنيها .
شذى خليل
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية