في أغسطس/آب 2015، نشرتُ تغريدة على تويتر أقول فيها إذا ما تم انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة، سوف يتعين علينا “التوجه نحو الملاجئ”.
وقتها كانت تُعتبر رئاسة ترمب مستبعدة جدا، لكنها أصبحت اليوم حقيقية. ورغم أن الاحتماء داخل الملاجئ قد لا يكون الرد الأنسب -حتى الآن- لكننا نعيش في عالم أخطر بلا شك.
منذ ما يقرب من عامين، حذر مستشار الأمن القومي الأميركي ووزير الخارجية السابق هنري كيسنجر لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ أنه “إذا نظرنا حول العالم، فإننا نجد الاضطراب والصراع في كل مكان”. وكما لاحظ كيسنجر في ذلك الوقت، “لم تواجه الولايات المتحدة مثل هذه الأزمات الأكثر تنوعا وتعقيدا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”.
“بعد سنوات من ارتفاع الاضطراب وعدم اليقين، ليس لدينا أي خيار سوى الافتراض أن مزيدا من الأحداث “الخطيرة وغير الممكن توقعها” أضحت وشيكة. من دونباس إلى كوريا الشمالية إلى منطقة الخليج، هناك أماكن كثيرة يمكن أن تشهد تطورات مؤسفة”
وما يبدو صحيحا من وجهة نظر واشنطن، أصبح مؤكدا للغاية من وجهة نظر أوروبية. بصراحة، تشعر أوروبا كما لو كانت محاطة بحلقة من النار، من جهة هناك روسيا التحريفية والانتقامية في الشرق، ومن جهة أخرى هناك انهيار أنظمة متعددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الجنوب.
والآن، يخطط حلف شمال الأطلسي لنشر قواته في شمال شرق بولندا ودول البلطيق الثلاث (استونيا، لاتفيا، وليتوانيا) في حين يحاول الاتحاد الأوروبي السيطرة على تدفقات اللاجئين المستمرة والتحكم في حدوده الخارجية.
وعلاوة على ذلك، تسبب التهديد الأمني لروسيا في زيادة تدريجية في الإنفاق الدفاعي الأوروبي والتعاون الأمني. وإذا كان الاتحاد الأوروبي قد جعل من السلام والازدهار من بين أهدافه الرئيسية، فقد أُجبر على إعطاء الأولوية للأمن قبل كل شيء. وهذا تغيير كبير للغاية.
ولم تستثنِ “مجموعة الأزمات المعقدة” المملكة العربية السعودية، من حيث أكتب الآن. يبدو أن لا أحد يملك جوابا لهذه الأسئلة الأساسية حول كيفية استعادة الاستقرار في اليمن وبلاد الشام، لكن الجميع يعلم أنه مع استمرار الصراعات، من المحتمل أن تواجه المنطقة برمتها موجة من عدم الاستقرار. وهذا خطر لا يمكن تجاهله.
هناك أيضا تخوف ناتج عن دعوة جهات في واشنطن لتجديد المواجهة مع إيران، مباشرة بعد أن تجنب الاتفاق النووي بين هذا البلد ومجموعة 5+1 خطر هذه المواجهة (إن لم تكن حربا صريحة).
على هذه الخلفية المضطربة، ستتمكن إدارة ترمب الجديدة من تبني سياسات مختلفة تماما عن ما رأيناه حتى الآن. إذا حكمنا من خلال الأسابيع القليلة الماضية، يبدو كما لو أننا سَنُجبر على مواكبة مشهد روتيني لزعزعة الاستقرار الدولي عبر تويتر.
“نحن مقبلون على فترة تحول جيوسياسي: أصبحت التحالفات أقل استقرارا، وعدم اليقين آخذ في التصاعد. لا ينبغي للمرء المبالغة في خطر خروج الأشياء عن السيطرة، ولكن لا يمكن إنكار أن الأزمة القادمة سوف تكون أكبر بكثير مما تعودنا عليه، إذا لم نستطع التحكم فيها. وهذا مزعج في حد ذاته”
على سبيل المثال، من خلال التشكيك في سياسة أميركا “صين واحدة” التي دخلت حيز التنفيذ منذ فترة طويلة، أشار ترمب إلى أنه قد يُعَرض حتى الجوانب الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية لإعادة التفاوض و”الصفقات” الجديدة. وبلا شك، تشعر العواصم الوطنية في جميع أنحاء العالم بعدم الارتياح إزاء ما سوف يحمله المستقبل من مفاجآت.
ومن المؤكد أن الإدارات الأميركية الجديدة دائما تأتي في فترة من عدم اليقين النسبي. وسيستغرق الفريق الجديد وقتا طويلا قبل الشروع في العمل بسرعة، وقبل صياغة السياسات اللازمة وفقا للمعلومات التي ربما لم تكن متاحة له من قبل، مثل الإفادات الاستخباراتية. إدارة الأزمات هي شكل من أشكال الفن الذي يمكن للمرء أن يتعلمه فقط من خلال الخبرة، وبعض التدريب.
وبعد سنوات من ارتفاع الاضطراب وعدم اليقين، ليس لدينا أي خيار سوى الافتراض أن مزيدا من الأحداث “الخطيرة وغير الممكن توقعها” أضحت وشيكة. من دونباس إلى كوريا الشمالية إلى منطقة الخليج، هناك أماكن كثيرة يمكن أن تشهد تطورات مؤسفة.
في الأوقات العادية، تتيح شبكة العلاقات الدولية ما يكفي من القدرة على التنبؤ، والخبرة، والاستقرار إلى درجة أنه حتى الأحداث غير المتوقعة يمكن التحكم فيها، ولا تُحدث مواجهات بين القوى الكبرى. كانت هناك مُسببات وثيقة في العقود الأخيرة، ولكن لم تقع أي كوارث تامة.
ولكن ذلك الزمن قد ولى.. نحن مقبلون على فترة تحول جيوسياسي: أصبحت التحالفات أقل استقرارا، وعدم اليقين آخذ في التصاعد. لا ينبغي للمرء المبالغة في خطر خروج الأشياء عن السيطرة. ولكن لا يمكن إنكار أن الأزمة القادمة سوف تكون أكبر بكثير مما تعودنا عليه، إذا لم نستطع التحكم فيها. وهذا مزعج في حد ذاته.
في نهاية المطاف، سيعتاد العالم على إدارة ترمب، وستعتاد إدارة ترمب على العالم. لكن عدم القدرة على التنبؤ هو سيد الموقف، وأصبح الشعار الجماعي “أنا أولا” يعكس النظرة السائدة. لذا ينبغي أن نستعد للاحتماء لأن الاضطراب يمكن أن يصبح عالميا.
وبعبارة أخرى، إذا كان الوقت لم يحن بعد للتوجه إلى الملاجئ، فلن يضر بناؤها في مكان قريب بالتأكيد.
كارل بيلت
رئيس وزراء السويد سابقا