قام رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم نهاية الأسبوع الماضي بزيارة رسمية إلى العاصمة العراقية بغداد، والتقى خلالها الرئيس العراقي فؤاد معصوم، ونظيره العراقي حيدر العبادي، كما ترأس الوفد التركي في الاجتماع الثالث لمجلس التعاون الاستراتيجي العراقي-التركي رفيع المستوى.
زيارة يلدريم لبغداد جاءت بعد أن تدهورت العلاقات التركية العراقية بشكل كبير في ظل تصريحات المسؤولين العراقيين المستفزة التي هددوا فيها تركيا بسبب وجود القوات التركية في معسكر بعشيقة. وكان رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان رد على تصريحات العبادي، في كلمته في الجلسة الافتتاحية للاجتماع التاسع لشورى علماء أوراسيا بإسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول، أي قبل ثلاثة أشهر، وقال: “أنت لست نظيري، ولست من مستواي. ليس من المهم مطلقا كيف تصرخ من العراق. عليك أن تعلم بأننا سنفعل ما نريد أن نفعله”، مضيفا: “من هو هذا؟ رئيس الوزراء العراقي! اعرف حجمك أولا”.
ما الذي تغير خلال ثلاثة أشهر ومهَّد الطريق لهذه الزيارة؟ الجواب يكمن في التقارب التركي الروسي الذي قلب الموازين الإقليمية وفرض معادلة جديدة على المنطقة لا يمكن أن تتجاهلها حكومة العبادي ولا غيرها. وكان وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري أعلن في نهاية ديسمبر/ كانون الأول أن بغداد تأمل في الانضمام إلى المجموعة الثلاثية التي تضم روسيا وإيران وتركيا. وقد تكون هذه الرغبة صدرت بإيعاز من طهران التي لا شك في أن انضمام بغداد إلى هذه المجموعة الخاصة بتسوية الأزمة السورية من شأنه أن يعزز يدها أمام موسكو وأنقرة، إلا أن تطورا من هذا القبيل لا يمكن أن يتحقق في ظل العلاقات المتوترة بين تركيا والعراق، الأمر الذي دفع حكومة العبادي إلى تغيير لهجتها تجاه أنقرة.
تركيا، بدورها، تحتاج إلى تخفيف التوتر مع العراق لينخفض صوت حكومة العبادي التي يعتبرها المجتمع الدولى الممثل الشرعي للشعب العراقي ويلح على ضرورة التنسيق معها، كما تحتاج إلى عدم الانشغال بملفات أخرى في الوقت الذي تخوض فيه حربا شرسة ضد تنظيمات إرهابية مثل داعش وحزب العمال الكردستاني.
حيدر العبادي، في تصريحات أدلى بها عقب اجتماعه مع نظيره التركي ونقلتها وسائل الإعلام العراقية، قال إن بغداد توصلت لاتفاق مع أنقرة حول سحب القوات التركية من معسكر بعشيقة، دون أن يذكر تفاصيل ذاك الاتفاق. ولكن المفهوم من تصريحات الجانب التركي أنه لا توجد في المستقبل القريب أي خطوة باتجاه سحب القوات التركية من معسكر بعشيقة.
وفي البيان المشترك الصادر فى ختام المباحثات الرسمية بين رئيسي وزراء العراق وتركيا، رفض الطرفان السماح بتواجد أي منظمات إرهابية على أراضيهما وعدم القيام بأي نشاط يهدد الأمن القومي لكلا البلدين. وعلى الرغم من هذا الرفض الصريح، يعرف الجميع وجود معسكرات لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية في الأراضي العراقية ينطلق منها الإرهابيون لاستهداف أمن المدن التركية.
رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، إثر عودته من العراق، عقد مؤتمرا صحفيا في مطار أسنبوغا بالعاصمة التركية، وأكد فيه أن تمركز عناصر حزب العمال الكردستاني في منطقة سنجار بشمال العراق يشكل تهديدا للأمن القومي التركي، وأضاف قائلا: “إما أن تخرج القوات العراقية والبشمركة عناصر حزب العمال الكردستاني من سنجار أو تقوم تركيا بما يجب. هذا موقف واضح أبلغناه للجانب العراقي”، مشددا على أن التواجد العسكري التركي في معسكر بعشيقة ليس كيفيا، بل اضطراري حتى يتم تحرير الموصل.
يتمركز في معسكر بعشيقة 790 جنديا وضابطا بقيادة عقيد، كما أن هناك معسكرات أخرى للجيش التركي في شمال العراق. ويعود التواجد العسكري التركي في الأراضي العراقية إلى ما قبل الغزو الأمريكي. ويشير الخبراء إلى أن حجم القوات المتمركزة في معسكرات الجيش التركي بشمال العراق يفوق حجم القوات التركية التي دخلت الأراضي السورية في إطار عملية درع الفرات.
تركيا خلال زيارة يلدريم لبغداد جددت احترامها لسيادة العراق والتزامها بوحدة أراضيه، إلا أنها تقول أيضا للمسؤولين العراقيين باختصار: “أنهوا تواجد المنظمات الإرهابية التي تهدد الأمن القومي التركي في الأراضي العراقية، كما وعدتم في البيان المشترك، لتنحل أزمة معسكر بعشيقة تلقائيا وبطريقة ودية”.