بيروت – لطالما شكل العامل الديموغرافي هاجسا بالنسبة للنخبة السياسية المسيحية في لبنان، بالنظر لتداعياته على مشاركتهم وتأثيرهم في القرار السياسي في هذا البلد.
وضاعفت الأوضاع الإقليمية وخاصة في الجارة سوريا من حجم هذا الهاجس، الأمر الذي انعكس سلبا على العلاقة بين القوى السياسية، وزاد من حاجز انعدام الثقة بينها.
ويشكل وجود حوالي مليوني لاجئ سوري في لبنان أزمة كبيرة للوجود المسيحي الذي تقول الإحصائيات إنه لا يتجاوز أعتاب 34 بالمئة، وارتفعت مؤخرا المخاوف المسيحية من إمكانية توطين السوريين، مع ظهور نوايا أوروبية بدعم اللاجئين، وتحسين شروط إقامتهم في البلد.
وينظر المسيحيون بعين الريبة إلى المواقف الأوروبية والدولية من قضية اللاجئين السوريين، ويعتبرون أن أوروبا تحاول حماية نفسها من موجات تدفق اللاجئين من خلال إغراءات المساعدات الإنمائية.
ويثير هذ الموضوع رعب المسيحيين من التحول إلى أقلية ديمغرافية، بالنظر لأن معظم السوريين يعتنقون الإسلام، وينتمون إلى الطائفة السنية بشكل خاص.
وتعتبر القراءة المسيحية لهذا الواقع أن الغلبة الديموغرافية الإسلامية الكبيرة والنهائية التي يمكن أن تتحقق في حال تم اتخاذ خطوات جدية في اتجاه توطين اللاجئين السوريين، أو محاولة إيجاد مخرج لقضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال مدخل التوطين، ستدفع القوى الإسلامية إلى طرح تغيير كل المعادلة السياسية في البلد وضرب الوجود المسيحي فيه.
ووقع مؤخرا كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري أول مرسوم استعادة الجنسية اللبنانية الذي سمح للأميركي نزيه مخايل خزاقة المتحدر من أصل لبناني بأن يستعيد جنسيته اللبنانية.
وتم التوقيع في إطار فعاليات الدورة الرابعة من مؤتمر الطاقة الاغترابية الذي عقد في “البيال” وسط بيروت.
وكانت التيارات المسيحية تسعى من فترة طويلة لإقرار هذا المرسوم في محاولة لتحقيق نوع من التوازن الديموغرافي الذي اختل بشكل كبير لصالح المسلمين.
وأقر مجلس النواب قانون استعادة الجنسية بتاريخ 2015-11-12 إثر اقتراح قدمه النائب عن كتلة القوات اللبنانية إيلي كيروز والنائب عن كتلة الإصلاح والتغيير آلان عون.
عمار حوري: بعض القوى تحاول إدراج ملف إعادة الجنسية في إطار حسابات ضيقة
وكانت المنطلقات التي اعتمدتها القوى المسيحية الدافعة في اتجاه إقرار هذا القانون، تقول بشكل واضح إنه يرمي إلى التقليل من حدة انعدام التوازن الديموغرافي.
وغابت هذه الصيغة عن الصياغة الرسمية للقانون واستبدلت بضرورة الاستفادة من ثروة الاغتراب اللبناني. ولا يلزم مرسوم استعادة الجنسية المستفيدين منه بالعودة إلى لبنان والإقامة فيه لا جزئيا ولا بشكل كامل.
ويعطي نص القانون الحق في استعادة الجنسية لـ“من كان مدرجا هو أو أحد أصوله الذكور لأبيه أو أقاربه الذكور لأبيه حتى الدرجة الرابعة على سجلات الإحصاء التي أجريت بعد إعلان دولة لبنان الكبير أي سجلات 1924-1921 مقيمين ومهاجرين وسجل 1932 مهاجرين… شرط ألا يكون المدرج اسمه على السجلات قد اختار صراحة أو ضمنا تابعية إحدى الدول التي انفصلت عن السلطنة العثمانية ومن كان مدرجا هو أو أحد أصوله الذكور في سجلات المقيمين 1932… وأغفل في ما بعد هو أو أحد فروعه تسجيل وقوعاته الشخصية”.
ولا ينكر النائب عن كتلة المستقبل عمار حوري أن القوى المسيحية كانت الأكثر تحمسا لإقرار هذا القانون بهدف “السعي إلى إقامة بعض التوازن الديموغرافي مع الوجود الإسلامي”، ويدعو إلى انتظار النتائج وأعداد من سيقدمون على استعادة الجنسية للحكم على الأمر وآثاره.
ويشير حوري في تصريحات لـ“العرب” إلى أن النقاش حول مدى قدرة الجنسية على إغراء المغتربين باستعادتها ليس جوهريا، ويلفت إلى أن المسألة “لا تعدو كونها حقا يمكن لصاحبه أن يستعمله أو أن يتجاهله”.
ويؤكد النائب المستقبلي أنه قد تكون لبعض القوى السياسية المعينة قراءة تحاول إدراج الموضوع في إطار “حسابات ضيقة”، ولكن ما تجدر الإشارة إليه أن هذا القانون “ينسجم مع حقوق اللبنانيين عموما وليس مع مذهب محدد أو طائفة بعينها”.
وكانت رحلات وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الخارجية قد تواترت بشكل لافت في الأشهر الأخيرة. وتستهدف حركة باسيل وفق محللين المغتربين المسيحيين بشكل خاص، بهدف إعادة وصلهم بلبنان للاستفادة منهم في إطار التحضير لمعركة الانتخابات النيابية التي تمهد لوصوله إلى سدة الرئاسة في الفترة القادمة.
وكان باسيل قد استبق هذا المسار بالدفع في اتجاه إقرار قوانين انتخابية ذات طابع طائفي بحت تحت عنوان الدفاع عن حقوق المسيحيين، وهو العنوان نفسه الذي طبع خطاب الثنائية المسيحية (التيار الحر والقوات) إبان طرح قانون استعادة الجنسية.
وأشار رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في لقاء تلفزيوني مؤخرا إلى طموحات باسيل الرئاسية قائلا إن “ما يجري اليوم هو معركة رئاسة وليس معركة قانون انتخابي”.
وقال النائب عن كتلة الكتائب سامر سعادة لـ“العرب” “الوزير باسيل يحاول على أبواب الانتخابات النيابية، وفي ظل مشاركته في حكومة لم تنجح في تسجيل أي إنجاز، توظيف هذا الموضوع في إطار يخدم مصالحه”.
ويرى مراقبون أن هاجس الديموغرافيا وحسابات الحر والقوات يمكن تفهمها، في ظل إعلاء فكرة الطائفة على حساب الوطن الجامع، التي تسود العقلية اللبنانية والعربية إجمالا.
العرب اللندنية