باريس – حين تصل مارين لوبان رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف إلى الدورة الأخيرة في الانتخابات الرئاسية في فرنسا، فإن مسألة الإسلام والمسلمين في فرنسا تصبح شأنا يتصدر ميادين الجدل ليس بين المرشحين فقط، بل لدى كافة منابر الإعلام والبحث والرأي.
وبالإمكان تخيل وضع الملايين من المسلمين في فرنسا الذين، رغم سعيهم لعيش روتيني رتيب داخل المجتمع الفرنسي، يجدون أنفسهم وبمناسبة هذه الانتخابات تحت مجهر تتحدد عبره المواقف حولهم وتناقش مسائل مستقبل حضورهم.
وتعاقبت أجيال من المسلمين في فرنسا، أكثر هؤلاء هم فرنسيون ولدوا في فرنسا، يتكلمون الفرنسية ولا يعرفون لغة أخرى ولا يعرفون بلدا آخر.
وتروي حنان شريحي، وهي مسلمة فرنسية تعمل صيدلانية وتعيش في إحدى ضواحي باريس، كم “نحتاج إلى التسامح أكثر من أي وقت مضى”. وتضيف أن “التسامح موجود في فرنسا، لكن الفئات المعادية له ترفع الصوت وتحظى بتغطية إعلامية كبرى”.
ليست حنان نموذجا خاصا، قبل عام فقدت والدتها فاطمة في الهجوم الإرهابي الذي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه، والذي قام به شخص اجتاح المتنزهين بشاحنة في جادة نيس البحرية الصيف الماضي.
ولم يشفع للمسلمين أن ثلث الذين قتلوا في ذلك الهجوم كان منهم. حتى أن بعضا ممن كنّ يرتدين الحجاب من عائلة فاطمة تعرضن للشتائم في وقت كن فيه متجمعات يندبن المصيبة حول الجثمان في موقع الهجوم.
ولم يخفف موت مسلمين في كل الهجمات الإرهابية التي طالت فرنسا من تركيز الجدل السياسي على موقف الإسلام ودور المسلمين الملتبس في فرنسا.
حنان شريحي: هاجس الإسلام يقضّ مضجع السياسة في فرنسا
وتكتشف حنان وهي “فرنسية تحب بلدها” أنه رغم موت والدتها، مازال هاجس الإسلام يقضّ مضجع السياسة في فرنسا، وأن مارين لوبان تحظى بأصوات 7.6 مليون فرنسي في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
وتؤمن حنان المسلمة المحجبة بعمق بفرنسيتها وتعوّل كثيرا على قيم التسامح في فرنسا.
صحيح أن لوبان نالت تقدما مقلقا، لكن حوالي 80 بالمئة لم يصوتوا لها، ما يعكس حرص الفرنسيين على البحث عن سبل أخرى بعيدة عن التطرف.
والأمر ليس سهلا، ذلك أن لوبان التي مازالت إمكانية فوزها واردة رغم استبعاد استطلاعات الرأي لذلك، فإن خسارتها بنسبة تصويت عالية أمر مقلق أيضا.
ويمثل إيمانويل ماكرون الوجه النقيض لمارين لوبان. وعلى الرغم من حاجة أي مرشح إلى شعبوية انتخابية لحصد الأصوات يمينا ويسارا، إلا أن الرجل حافظ على خطاب إنسانوي جامع عد قبل عام مضادا لروح البريكست البريطاني وظاهرة دونالد ترامب في الولايات المتحدة.
ويشدد ماكرون على أن لوبان وريثة أبيها جان ماري لوبان، مازالت تمثل “حزب الكراهية” ويقول في آخر مهرجان انتخابي له “لن أقبل أن يشتم الناس فقط لأنهم مسلمون”.
ويقدم ماكرون ردا حازما على أطروحة لوبان التي تعتبر الإسلام “الخطر المميت” لفرنسا وتتهم خصمها بالتساهل وحتى بالتواطؤ مع الجمعيات الإسلامية. وفي رد ماكرون تحذير صارخ من أن لوبان “تحضر فرنسا للحرب الأهلية”.
ويعوّل المسلمون على ثقافة التسامح والتنوع في فرنسا، لكنهم يقارنون بين التحرك الشعبي المليوني الذي خرج إلى الشوارع منعا لوصول جان ماري لوبان إلى الرئاسة عام 2002، فيما التحرك هذه الأيام نسبي لا يرقى إلى مستوى التحدي والخطر.
ولم يعد الفرنسيون يعتبرون اليمين المتطرف خطيئة، وبات حزب لوبان مقبولا داخل المشهد العام حيث فاقت شعبيته كبرى الأحزاب الفرنسية العريقة. وهذا تماما ما يقلق المسلمين في فرنسا.
ويروي عزالدين من ضاحية باريس الشمالية أن “لوبان تثير الذعر، وهي تستهدف المسلمين والأجانب، انظروا هنا كيف حشروا الأجانب في غيتوات، حتى إذا كنت فرنسيا وولدت هنا فسيعيدونك دائما إلى أصولك، أنت فرنسي لكنك تبقى عربيا أو أسود أو يهوديا”.
العرب اللندنية