تدهور الجنيه يبدد أحلام السودانيين بعوائد رفع العقوبات

تدهور الجنيه يبدد أحلام السودانيين بعوائد رفع العقوبات


الخرطوم – خابت التوقعات المتفائلة داخل الأوساط الاقتصادية والشعبية السودانية، عقب إلغاء الحظر التجاري الأميركي، بتحسن سعر صرف الجنيه، الذي تعرض لمضاربة من تجار العملات، تسببت في انخفاض قيمته بشكل لافت مقابل العملات الأجنبية.

وتتزايد الضغوط على الحكومة من أجل الإسراع في انتهاج سياسات اقتصادية جديدة للحد من تراجع قيمة العملة المحلية ومحاصرة التضخم وتحقيق معدلات نمو مستقرة مع دخول البلاد في مرحلة جديدة.

وكان منتظرا، اتخاذ السلطات بما فيها بنك السودان المركزي إجراءات مالية ونقدية سريعة، تتواءم وأوضاع مرحلة ما بعد العقوبات، من أجل استقرار سعر الصرف، وبالتالي إنعاش الاقتصاد المتعثر والخروج من الأزمات المتراكمة.

وأعلن البنك المركزي مطلع الأسبوع الجاري عن حزمة سياسات وإصلاحات جديدة تشمل إجراءات اقتصادية نقدية ومصرفية، لكن المحللين أجمعوا على أنها تأخرت كثيرا.

وتشمل الإجراءات الجديدة وفقا لبيان أصدره البنك ترشيد فاتورة الاستيراد وزيادة عائدات الصادرات ومحاصرة وإقصاء المضاربين بالعملة المحلية.

واضطربت أسعار العملات في السوق السوداء عقب رفع العقوبات، فانخفض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار إلى 19 جنيها، بعد الإعلان مباشرة بعد أن كان سعره في حدود 21.5 جنيها مقابل 6.7 للسعر الرسمي.

لكن بعد أسبوعين، استعادت السوق الموازية توازنها، وعاد الدولار ليسجل ارتفاعا متجاوزا سعره قبل رفع العقوبات ليبلغ 21.85 جنيها عند الشراء و21.6 جنيها عند البيع.

بكري حسن صالح: الجهود الاقتصادية لم تفلح في إيقاف تراجع الجنيه السوداني أمام الدولار
واعترف رئيس الوزراء بكري حسن صالح قبل أيام أمام أعضاء البرلمان بأن “الجهود الاقتصادية، لم تفلح في إيقاف تراجع الجنيه السوداني أمام الدولار”.

ووفقا لصالح، فإن العجز في الميزان التجاري بلغ 678 مليون دولار، ولم تفلح المعالجات الاقتصادية في مواجهته.

وتشير بيانات رسمية إلى أن صادرات البلاد البالغة 3.1 مليار دولار العام الماضي، تراجعت بنحو 3.3 بالمئة، مقارنة بنحو 3.2 مليار دولار في العام السابق، في حين بلغت فاتورة الواردات العام الماضي 8 مليارات دولار، مقابل 11 مليارا للعام 2015.

وأوجد الشحن السياسي الزائد وهما بين المواطنين بأن العلة تكمن في رفع العقوبات، وأن الخروج من مصيدتها يعني انفراجة سريعة تنسيهم آلام الحرمان.

ويرى خبراء ومستثمرون أن السياسات التي أعلنها البنك المركزي ليست كافية لتحقيق سعر صرف مستقر، واشترطوا انتهاج سياسات تدعم الإنتاج والصادرات.

لكن المركزي بدلا من هذا أعلن منتصف الأسبوع الحالي اقتراض مبلغ 200 مليون دولار من ثلاثة بنوك إماراتية، لتمويل المنتجات النفطية والقمح والأدوية.

ودعا سمير أحمد قاسم نائب رئيس الغرفة التجارية إلى اتخاذ سياسات جاذبة للاستثمارات الأجنبية، لتضاف لسياسات البنك المركزي، بهدف استقطاب رؤوس أموال كبيرة إلى البلاد.

وقلل قاسم من إمكانية الوصول إلى سعر صرف مستقر في الوقت الراهن، “لأن رفع العقوبات لم ينعكس على الحياة الاقتصادية في البلاد” بعد.

وقال إنه “من المبكر جدا الحديث عن استقرار سعر الصرف، لأن الأمر بحاجة إلى فترة لا تقل عن ستة أشهر، ليشعر المواطن السوداني بأثر ملموس على حياته ومعيشته”.

سمير أحمد قاسم: يحتاج السودانيون ستة أشهر ليشعروا بأثر ملموس على حياتهم ومعيشتهم
وأوضح أن المشكلة ليست في السياسات وحدها، بل في البيئة الاقتصادية التي تحتاج إلى وقت أطول للتهيئة. واعتبر الخبير أن ضعف تمويل القطاعات المنتجة وضعف استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة وعدم تصنيع المنتجات المحلية ومنحها قيمة مضافة، يهزم سياسات البنك المركزي الأخيرة.

وكان محافظ البنك المركزي حازم عبدالقادر قد توقع في وقت سابق هذا العام زيادة الموارد والإيرادات المالية خلال الفترة المقبلة في أعقاب رفع الحظر الاقتصادي الأميركي على بلاده، مؤكدا التزام الخرطوم بجميع المطلوبات والمعايير المصرفية والمالية العالمية.

وتقول سمية سيد المحللة الاقتصادية إن تأخر صدور سياسات البنك المركزي، التي كان من المفروض إعلانها منذ العام الماضي، أثر كثيرا على الاقتصاد.

وأوضحت أن مشكلة عدم استقرار سعر الصرف تعود بالأساس إلى ندرة الموارد الحقيقية للنقد الأجنبي وأنه من الصعب حدوث استقرار في سوق الصرف حتى مع سياسات نقدية جديدة. وقالت إن “استقرار سعر الصرف لن يحدث بأي حال من الأحوال في المدى القريب، بل على المدى المتوسط أو البعيد”، وحددت ثلاث سنوات على الأقل لحدوث الاستقرار المنشود يندمج خلالها الاقتصاد السوداني في الاقتصاد العالمي.

ووسط توقعات التحسن، تواصل ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، ما أدى إلى تراجع توقعات المواطنين بـ“انفراجة سريعة”. ومع ذلك، تترقب شريحة واسعة من السودانيين جني ثمـار رفـع العقـوبات التي كـانت مفروضة على بلدهم منذ عقدين للدخول في عهد جديد.

وتدهور اقتصاد السودان منذ انفصال الجنوب في عام 2011 مستحوذا على 3 أرباع إنتاج البلاد من النفط وهو المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي وإيرادات الحكومة.

العرب اللندنية