على مدار ثلاثة أيام رعت دولة الكويت مؤتمراً دولياً لإعادة إعمار العراق، بمشاركة عدد من الدول المانحة والمنظمات الإقليمية والدولية برئاسة خمس جهات هي الاتحاد الأوروبي والعراق والكويت والأمم المتحدة والبنك الدولي. ومئات الشركات الخاصة ورجال الأعمال الأفراد، ومن جانبها أعلنت الحكومة العراقية برنامجاً هائلاً للاستثمار في مختلف ميادين إعادة الإعمار، بينها قرابة 40 مشروعاً له صفة استراتيجية. واستهدف المؤتمر -الذي انعقد من 12 إلى 14 فبراير/شباط 2018- حشد الزخم لرفع المعاناة عن ملايين النازحين والمتضررين العراقيين من ضحايا ما توصف بالحرب على الإرهاب، فضلا عن إعادة إعمار المناطق المحررة من قبضة تنظيم داعش، والمناطق المحتاجة إلى المساعدات. وقد شارك في المؤتمر 76 دولة و51 منظمة مساعدة دولية و107 جمعيات ومؤسسات و850 رجل أعمال، فضلا عن مشاركة 2300 شركة من 70 دولة، تسعى للحصول على عشرات الفرص الاستثمارية التي يفترض أن تتحقق ضمن إعادة الإعمار.
وفي ختام المؤتمر حصل العراق من المانحين على تعهدات بتأمين 30 مليار دولار للمساعدة في إعادة إعماره بعد نحو 17 عاما من الغزو الأميركي وسنوات من الصراع الداخلي وأخرى من الحرب على تنظيم داعش. وفي ختامه، ، قال وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري إن التعهدات التي قدمت في مؤتمر دولي للمانحين لإعادة بناء العراق ستساعد في الإعمار لكنها “أقل مما يتطلبه العراق”.وقد بلغ إجمالي التعهدات والمنح العربية نحو 7.5 مليارات دولار ما بين قروض واستثمارات وتمويل صادرات. وخصصت تركيا خمسة مليارات دولار للعراق على شكل قروض واستثمارات. وأعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون عن توقيع اتفاقية بين مصرف التجارة الخارجية الأميركي والعراق لمنح بغداد قروضا بنحو 3 مليارات دولار. قالت بريطانيا، التي قادت مع الولايات المتحدة اجتياح العراق عام 2003، إنها ستمنح بغداد تسهيلات ائتمانية في مجال الصادرات تصل مليار دولار سنويا ولمدة عشرة أعوام.أعلن الاتحاد الأوروبي على لسان مسؤولة شؤونه الخارجية فيديريكا موغيريني أن الاتحاد سيقدم 400 مليون دولار على شكل مساعدات إنسانية.تعهدت منظمات غير حكومية في اليوم الأول من المؤتمر بتقديم 330 مليون دولار على شكل مساعدات أيضا.وقع العراق والبنك الدولي مشروعين بقيمة 510 ملايين دولار مخصصة لتحسين ظروف عيش العراقيين، ويضاف المشروعان إلى برنامج يموله البنك الدولي بقيمة 750 مليون دولار، مما يرفع إجمالي تعهدات البنك في العراق إلى 4.7 مليارات دولار مقابل 600 مليون دولار قبل أربع سنوات. أعلن الصندوق العربي الإنمائي عن الوصول إلى تسوية مالية مع العراق بقيمة 1.5 مليار دولار.سيقدم البنك الإسلامي للتنمية قرضا إلى العراق بقيمة 500 مليون دولار.- أعلنت ألمانيا اعتزامها تقديم مساعدات بقيمة 350 مليون يورو (425 مليون دولار) في 2018. أعلنت إيطاليا عن منح العراق قروضا ميسرة بقيمة 260 مليون يورو (316 مليون دولار)، ومساعدات بـ 11.5 مليون يورو (14 مليون دولار). أعلنت فنلندا دعمها العراق بنحو 10 ملايين دولار لإزالة الألغام. تعهدت ماليزيا بتقديم 100 ألف دولار. تضمنت المساعدات حوالي 130 مليون دولار من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في حين تعهدت وزارة الأوقاف وبيت الزكاة الكويتي بتقديم قرابة 35 مليون دولار. وتعهدت جمعية السلام بتقديم 15 مليون دولار، وجمعية العون المباشر 10 ملايين دولار، وجمعية النجاة 10 ملايين دولار. كما تعهدت الجمعية الكويتية للإغاثة بتقديم 10 ملايين دولار، وجمعية الهلال الأحمر الكويتي 2.5 مليون دولار.
ولكن الأمر الذي لفت انتباه الحاضرين للمؤتمر، موقف الغائب الحاضر عن هذا الاحتشاد من أجل العراق، فلم تقدم إيران أي دعم المالي للعراق، حيث امتنع وزير خارجيتها جواد ظريف عن إعلان أي التزام بمساعدة العراق، وهو ما يتناقض مع التصريحات الإيرانية المتوالية بشأن مساعدة بغداد. واكتفى وزير الخارجية الإيراني، في كلمته التي ألقاها، بأن بلاده «أدت واجباتها تجاه العراق خلال السنوات الماضية». ولم يكن حاضراً بشخصه في الصورة الجماعية التي التقطت لرؤساء الوفود المشاركة.
وفسّر البعض ذلك بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي تعيشها إيران والتي تجلّت مؤخرا في احتجاجات الشارع على غلاء المعيشة وتفشي البطالة، لكنّ البعض الآخر اعتبر ذلك موقفا إيرانيا من المؤتمر ككلّ والذي حمل في بعض أبعاده ومعانيه السياسية مساندة إقليمية ودولية لحكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي وتشجيعا له على سياسة الانفتاح والتوازن، التي تعني إرساء علاقات طبيعية للعراق مع مختلف البلدان، بما في ذلك بلدان الجوار العربي على سبيل الندية والتعاون، لا على سبيل التبعية على غرار العلاقة القائمة مع إيران منذ سنة 2003. ويذهب منتقدو السياسات الإيرانية في العراق حدّ القول إنّ إيران التي استفادت كثيرا من إضعاف العراق وتراجع مكانته الإقليمية غير معنية بعودة الاستقرار إليه واستعادة قوّته. وحسب هؤلاء فإنّ انفتاح السياسة الخارجية لحكومة العبادي على قوى عالمية وأخرى إقليمية يشكّل قلقا لإيران، ودافعا للعمل مع حلفاء لها في الداخل العراقي من كبار قادة الأحزاب السياسية، على منعه من الفوز بولاية ثانية على رأس الحكومة خلال الانتخابات النيابية المقرّرة لشهر مايو القادم.
وأظهر مؤتمر الكويت الذي شارك فيه عدد كبير من الدول أنّ أمام بغداد فرصة كبيرة لإعادة بناء علاقاتها الإقليمية والدولية على أساس من التوازن والاستفادة سياسيا واقتصاديا من تلك العلاقات، خصوصا وأنّ العراق مقدم على مرحلة جديدة بعد الحرب على تنظيم داعش يتطلّع خلالها إلى الاستقرار الذي لن يكون مرتبطا فقط بالجوانب الأمنية وهزيمة المتشدّدين، ولكن بعملية إعادة الإعمار التي ترتّب أعباء مالية كبيرة على البلد المنهك اقتصاديا بفعل ظروف عدم الاستقرار التي يعيشها مضافة إلى تراجع أسعار النفط. ويمكن أن يلعب الدعم العربي للعراق دورا حاسما في موازنة النفوذ الإيراني في البلاد قبيل انتخابات حاسمة في مايو القادم. وشهدت الكواليس السياسية في بغداد تطورات متسارعة خلال الأسابيع القليلة الماضية، قادت إلى حشد معظم حلفاء إيران من العراقيين في تكتل سياسي واحد يستهدف منع العبادي من الحصول على ولاية ثانية في منصب رئيس الوزراء. كلا الطرفين، العراق ودول محيطه العربي، أمام اختبار تصحيح العلاقة بينهما وفتح صفحة جديدة من التواصل والتعاون والوفاق.. فعلى بغداد إثبات جدّيتها وقدرتها على الفكاك من الارتهان لطهران والتبعية لها. وعلى العواصم العربية إقناع العراقيين بشكل عملي، بفاعلية دورها في مساعدتهم على تحقيق الاستقرار والتنمية وتجاوز مخلّفات حرب داعش في بلدهم.
من المؤكد أن في العراق ثمة فرص «استثمارية» حقيقية، وهذا حاضر في شطر كبير من الأموال التي خصصت في مؤتمر الكويت، هذا لا ريب فيه، لكن أيضاً هناك رغبة سياسية عميقة في تثبيت الاستقرار وتطويره بالعراق، وتخصيص أموال من أجل ذلك، ولا تناقض بين الرغبة في السلم والميل للاستثمار، كلاهما يؤدي إلى بعض.إيران لديها مشكلة في الاقتصاد، وهي من أسباب الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، وفي الشهر الماضي أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن الحكومة لا تسيطر إلا على ما يقارب ثلث الميزانية فقط. الباقي لجهات مثل الحرس الثوري، وبغمرة الاحتجاجات الإيرانية الحالية رفع المتظاهرون هتافاً لرأس النظام الخميني: «اترك سوريا وعالج مشاكلنا».ربما يعطي مثال الكويت فكرة واضحة، عن تباين الأهداف بين جيران العراق… تجاه العراق.
خلاصة القول يعد الموقف الإيراني شديد الغرابة تجاه مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق متّسق تماما مع سياسة “الجمهورية الإسلامية” تجاه هذا البلد والتي لم تحد عن هدف تخريبه وإضعافه وإخراجه من المعادلة الإقليمية منذ حرب الثماني سنوات، مرورا باحتلاله من قبل الولايات المتحدة ووصولا إلى حرب داعش التي شهدها طيلة ثلاث سنوات، حيث شاركت إيران في إحداث الدمار الذي نجم عنها ولا تبدو راغبة في المشاركة بإعادة الإعمار
وحدة الدراسات إيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية