البااحثة شذى خليل*
قدمت صندوق النقد الدولي تقييمًا مفصلاً للاقتصاد العراقي، مشيرًا إلى التحديات والفرص التي تنتظر العراق في المستقبل. وفقًا للصندوق، انكمش الاقتصاد العراقي بنسبة 2.2٪ في عام 2022، لكن التوقعات للأعوام 2024 و2025 أكثر تفاؤلاً. يتوقع الصندوق أن يحقق الاقتصاد نموًا بنسبة 1.4٪ في عام 2024 و5.3٪ في عام 2025. ومع ذلك، يحذر الصندوق من أن الوضع المالي للعراق لا يزال مقلقًا، حيث يُتوقع أن يتسع عجز الميزانية إلى 7.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، مقارنةً بـ 1.3٪ في عام 2023. كما يتوقع أن يصل الدين الحكومي إلى 48.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 و54.6٪ في عام 2025.
الاستقرار الداخلي والتعافي
على الرغم من هذه المخاوف المالية، شهد العراق تحسنًا كبيرًا في الاستقرار الداخلي. يشير صندوق النقد الدولي إلى أن الاستقرار الداخلي قد تحسن منذ تولي الحكومة الجديدة منصبها في أكتوبر 2022، مما خلق بيئة مواتية للإصلاحات الاقتصادية. كان هذا الاستقرار عاملاً رئيسيًا في الموافقة على أول ميزانية ثلاثية للعراق، والتي رغم التوسع المالي الذي تتضمنه، ساعدت في التعافي القوي لقطاع الاقتصاد غير النفطي.
بالإضافة إلى ذلك، كان العراق محصنًا إلى حد كبير من النزاعات الإقليمية، خاصةً الصراعات المستمرة بين إسرائيل وقطاع غزة. هذا الاستقرار النسبي، جنبًا إلى جنب مع تعافي الاقتصاد غير النفطي، سمح للعراق بالتركيز على التعديلات الاقتصادية الداخلية.
التضخم وعدم التوازن المالي
من الجوانب الإيجابية في أداء العراق الاقتصادي مؤخرًا هو انخفاض التضخم المحلي، الذي تراجع إلى 4٪ بحلول نهاية عام 2023. ويعزى هذا التحسن إلى انخفاض أسعار الغذاء العالمية، وإعادة تقييم العملة في فبراير 2023، وعودة التمويل التجاري إلى طبيعته.
ومع ذلك، يحذر صندوق النقد الدولي من أن التوسع المالي في العراق، بالتوازي مع انخفاض أسعار النفط، قد يؤدي إلى تفاقم الاختلالات الاقتصادية. في حين أن التوسع المالي المتوقع في عام 2024 من المتوقع أن يحفز النمو، فإنه قد يؤدي إلى تدهور إضافي في الحسابات المالية والخارجية. لا يزال العراق عرضة لتقلبات أسعار النفط التي تمثل جزءًا كبيرًا من إيراداته.
بدون تعديل سياسات عاجل، يحذر الصندوق من أن العراق قد يواجه ضغوطًا في الدين السيادي على المدى المتوسط ومخاطر على الاستقرار الخارجي. تتزايد هذه المخاوف بسبب عدم اليقين العالمي، مثل احتمال انخفاض حاد في أسعار النفط أو تصعيد الصراع في منطقة الشرق الأوسط.
الإصلاحات المالية والهيكلية
من أجل استقرار الاقتصاد وتقليل الضعف المالي، يؤكد صندوق النقد الدولي على ضرورة إجراء تعديلات مالية كبيرة. يحتاج العراق إلى إصلاحات تدريجية ولكنها مؤثرة في سياساته المالية من أجل استقرار الدين على المدى المتوسط وإعادة بناء الاحتياطيات المالية. ويوصي الصندوق بالتركيز على السيطرة على فاتورة الأجور العامة، وإلغاء السياسات الإلزامية للتوظيف تدريجيًا، وتعزيز تعبئة الإيرادات غير النفطية. علاوة على ذلك، يمكن أن تساعد برامج الدعم الاجتماعي المستهدفة بشكل أفضل في تخفيف الفقر وتعزيز المالية العامة.
كما يشدد الصندوق على أهمية تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الرئيسية لدعم التنمية الاقتصادية على المدى الطويل. من أولويات العراق تعزيز نظام الضرائب والإيرادات، ويعد تنفيذ “الحساب الموحد للخزينة” وتقليل استخدام الأموال خارج الميزانية خطوات حاسمة في تحقيق التوحيد المالي الفعال. تشمل الإصلاحات الأخرى الحد من التمويل النقدي، وإصلاح نظام المعاشات التقاعدية، وتحسين الحوكمة ومكافحة الفساد.
تعزيز القطاع المالي
لقد بذل البنك المركزي العراقي جهودًا لتحسين السياسة النقدية وتقوية إدارة السيولة، وقد أشاد صندوق النقد الدولي بهذه الجهود. ومع ذلك، يبرز الصندوق الحاجة إلى تنسيق أفضل بين العمليات المالية والنقدية لإدارة السيولة الزائدة وتحسين فعالية السياسة النقدية.
علاوة على ذلك، يرى الصندوق أن إعادة هيكلة البنوك الحكومية الكبيرة أمر ضروري لتحسين كفاءة القطاع المالي. يحث الصندوق على استمرار تحديث القطاع المصرفي الخاص من خلال تسهيل إقامة علاقات مصرفية مع البنوك المراسلة، وتقليل حالة عدم اليقين التنظيمي، وزيادة التنافسية بين البنوك الخاصة.
إطلاق إمكانيات القطاع الخاص
يعتمد مستقبل الاقتصاد العراقي بشكل كبير على تحويل قطاعه الخاص، الذي لا يزال غير متطور. يوصي صندوق النقد الدولي بإصلاحات هيكلية لإطلاق إمكانيات القطاع الخاص، مع التركيز على خلق فرص متساوية بين الوظائف في القطاعين العام والخاص، وتعزيز مشاركة النساء في سوق العمل، وإصلاح قوانين التعليم والعمل لتلبية احتياجات الاقتصاد المعاصر.
علاوة على ذلك، يحتاج العراق إلى تحسين أنظمته الحكومية، ومعالجة الكفاءات في المشتريات العامة، ومواجهة التحديات في القطاعات الحيوية مثل الكهرباء. تعد هذه الإصلاحات ضرورية لإنشاء اقتصاد أكثر استدامة وتنوعًا. كما أشار الصندوق إلى الجهود المتجددة للعراق للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية (WTO)، وهي خطوة يمكن أن تساعد العراق على الاندماج في الاقتصاد العالمي وجذب الاستثمارات الأجنبية.
آفاق 2025 وما بعده
بحلول عام 2025، من المتوقع أن يبدأ الاقتصاد العراقي في تحقيق انتعاش ملموس، مع نمو قوي في قطاعه غير النفطي وزيادة الاستثمارات في مجالات مثل التكنولوجيا والبنية التحتية. إذا تم تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية المطلوبة، فإن العراق قد يتمكن من تقليل اعتماده على النفط وتعزيز قطاعه الخاص.
ومع ذلك، سيظل الاقتصاد العراقي عرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية، لا سيما في ما يتعلق بأسعار النفط. إذا استمرت أسعار النفط في الانخفاض أو إذا زادت الأزمات الإقليمية، فإن العراق قد يواجه تحديات في استدامة نموه الاقتصادي. في هذا السياق، من الضروري أن تواصل الحكومة العراقية تنفيذ الإصلاحات التي تعزز التنوع الاقتصادي، مع التأكيد على بناء احتياطيات مالية قوية لتحصين الاقتصاد ضد الصدمات المستقبلية.
الخلاصة
يقدم تقييم صندوق النقد الدولي لآفاق الاقتصاد العراقي صورة مختلطة: بينما توجد مؤشرات على التعافي وتوقعات نمو إيجابية لعامي 2024 و2025، تظل هناك تحديات كبيرة. لا يزال الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسعار. ويؤكد الصندوق على ضرورة اتباع انضباط مالي، وتنفيذ إصلاحات هيكلية، ووضع خطة شاملة لتنويع الاقتصاد. إذا تم معالجة هذه التحديات، فإن العراق لديه إمكانيات كبيرة لوضع أسس اقتصاد أكثر استقرارًا وازدهارًا في السنوات القادمة، خاصة بعد عام 2025.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية