معمر فيصل خولي
سيذكر العالم بأن الثامن من كانون الأول ديسمبر من كل عام، بأنه شكل أو مثّل أو كتب صفحة جديدة من صفحات الشرق الأوسط المعاصر بشكل عام وسوريا بشكل خاص، وقد شاركت تركيا بشكل كبير في صياغتها، عندنا قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ” “إدلب وحماة وحمص وبالطبع الهدف دمشق.. تقدم المعارضين متواصل. نأمل أن يستمر هذا التقدم من دون وقوع مشاكل” بالتوافق الإقليمي والدولي وعبر فصائل المسلحة السورية في إسقاط حكم بشار الأسد، وبهذا السقوط المثير والمذهل والمدهش طويت صفحة عائلة الأسد الإبن والأب التي حكمت سوريا بالحديد والنار ووفق “قواعد حماة” أكثر من 54 عامًا.
ولم يتأخر الموقف التركي في توضيح رؤيته لسوريا ما بعد بشار الأسد، ففي أول تعليق تركي بعد فراره، وعلى هامش منتدى الدوحة قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: “أن الأولوية الآن تتمثل في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وضمان استقرارها، مشددا على أن المرحلة الانتقالية يجب أن تسير بسلاسة ودون الإضرار بالشعب السوري، مع ضرورة تأسيس إدارة شاملة لا تتسم بالانتقامية”
وذكر “أن التطورات التي شهدتها سوريا، شكلت “بصيص أمل”، داعيا الجهات الفاعلة دولياً وعلى رأسها الأمم المتحدة، إلى التواصل مع الشعب السوري ودعم جهود تشكيل حكومة شاملة”.وجدّد “تأكيد أن المصالحة الوطنية هي السبيل الوحيد للوصول إلى الحلّ الدائم والسلام والاستقرار في سوريا، وأوضح أنه على الرغم من كل الجهود المبذولة والفرص المتوافرة، فإن نظام بشار الأسد لم يسعَ للتوصل إلى السلام مع شعبه”. وأعرب فيدان عن رغبة تركيا” في رؤية سوريا يعيش فيها مختلف المجموعات العرقية والدينية في سلام وفي ظل مفهوم شامل للحكم”.
فتركيا ومن خلال هذه العبارات الواضحة التي لا لُبس فيها لا ترغب أن تتكرر تجربة العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين، في سوريا ما بعد بشار الأسد، فهي تدعم وتؤيد استقرار دول جوارها وخاصة العراق وسوريا، فهذا الاستقرار ينعكس على الداخل التركي. فتركبا من الناحية الأمنية تضررت كثيرًا من سقوط صدام حسين، حيث أصبح لحزب العمال الكوردستاني حضور قوي في شمالي العراق الأمر الذي دفع تركيا للقيام بعدة عمليات عسكرية لملاحقة مقاتليه واستهداف عناصره من خلال عمليات استخباراتية.
فتركيا عندما قررت خوض مخاطرة إسقاط الأسد كان لسببين جوهرين الأول إيجاد حل لمسألة اللاجئين السوريين من خلال السماح لعودتهم إلى ديارهم بعد سقوطه، وأما الثاني الذي لايقل أهمية عن الأول حماية الحدود التركية من أي تواجد لحزب العمال الكوردستاني. فهذا الحزب منذ أن نشأ في ثمانيتنيات القرن الماضي وهو يشكل تهديدًا لوحدة وسلامة الجغرافيا التركية المعاصرة، ومواجهته كانت مستمرة على الدوام من قبل الحكومات التركية المتعاقبة التي سبقت حكومات العدالة والتنمية واستمرت مع الأخيرة. فحزب العمال الكوردستاني كان -ولا يزال- يشكل إحدى الخطوط الحمر في السياسة الخارجية للدولة التركية.
تركيا نظرتها إلى دول الجوار وخاصة العراق وسوريا ليست كنظرة إيران إليهما، فإيران مع عراق ضعيف وسوريا مرتهنة، فلما ضعف العراق ما بعد الاحتلال الأمريكي له، تحول إلى مجال حيوي للنفوذ الإيراني واستعاد صانع القرار السياسي في إيران من خلال العراق أمجاد ” ملوك فارس”، وشاهدنا من أجل أن يحافظ بشار الأسد على حكمه، سلّم بلاده اقتصاديا وأمنيا وثقافيًا إلى إيران، فهل يعقل في دولة تدعي إنها ذات سيادة أن ترفع فيها صور الخميني، ومرشد الثورة الإيراني علي خامئني ؟!، وتدار الدولة السورية ذات السيادة التي كانت تحاك ضدها مؤامرة عالمية من قبل ضباط الحرس الثوري الإيراني!، ناهيك عن الروسي. هذا الواقع المرير في سوريا والعراق ، كان يذكرني – كمتابع- على الدوام بالقول الشهير المؤلم الذي قاله إمبراطور الياباني ” هيرو هيتو” عندما أجبر على التوقيع في نهاية الحرب العالمية الثانية، على وثيقة الاستسلام والتي وصفت بأنها وثيقة مذلة لليابان، “قبول ما لا يقبل، وتحمل ما لا يحتمل”.
أما تركيا فهي مع سوريا قوية قادرة على ضبط شؤونها وكذلك العراق، فكما أشرنا آنفًا قوتهما الداخلية الأمنية والعسكرية من قوة تركيا، وهذا الأمر من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي على مجمل القضايا الثنائية. فتركيا ترى بأنه لا استقرار سياسي وازدهار اقتصادي دون تحقيق أمن مستدام مع دول الجوار سوريا والعراق.
خلاصة القول، وبعد مشهد التحول الجذري التاريخي ونهاية حكم الفرد واستعادة الشعب السوري عروبته، على الدول العربية وخاصة المشرقية أن لا تترك سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، كما تركت العراق في مرحلة مابعد صدام حسين ليقع فريسة سهلة بيد الإيرانيين، على تلك الدول التي ابتعدت وجنبت نفسها “اليوم التالي” في العراق، أن لا تكرر ذات الخطأ الإستراتيجي وأن يكون لها دور بارز في ” اليوم التالي” في سوريا.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية