النهج الإيراني في مواجهة الادارة العسكرية السورية الجديدة

النهج الإيراني في مواجهة الادارة العسكرية السورية الجديدة

صعدت إيران من خطابها السياسي في مواجهة المتغيرات الميدانية التي آلت إليها نتائج التغيير السياسي السوري وعملت إلى المواجهة المباشرة عبر الحديث الذي أدلى به المرشد الأعلى علي خامنئي خلال حضوره الاحتفالية الدينية في العاصمة (طهران) في 22 كانون الأول 2024 والتي تطرق فيها الي الأوضاع السياسية والعسكرية في الميدان السوري، وأظهر فيها الموقف الرسمي الإيراني الذي يرى في التغيير السوري عوامل رئيسية دولية إقليمية ساهمت فيه، وأن المجموعة التي استلمت مقاليد السلطة ( هم من مثيري الشغب دربتهم حكومات أجنبية تزرع الفوضى).
حديث المرشد خامنئي يعطي دلالة واضحة على الانزعاج الإيراني من تطور الاحداث في سوريا التي كانت إيران ترى فيها الجسر الاستراتيجي والممر الحيوي الذي يوصلها إلى شواطئ وسواحل البحر الأبيض المتوسط والذراع الذي تتكئ عليه في إيصال الامدادات العسكرية من الأسلحة والمعدات الثقيلة والذخائر إلى مقاتلي حزب الله اللبناني، وعندما يتحدث خامنئي فهو يعبر عن الرأي العام في هيكلية النظام الإيراني ومواقف القيادات العسكرية والأمنية في فيلق القدس والحرس الثوري، ويرسل عدة رسائل إلى المجلس العسكري الجديد في سوريا حول الانطباع السائد في الأوساط السياسية الإيرانية.
أن الخطاب يوحي بخطورة الحال ويعبر عن تدخل في الشأن السوري وعودة إلى المنهج والسلوك الإيراني في التعامل مع دول المنطقة رغم الخسائر التي مُني بها المشروع السياسي الإيراني في المواجهات التي حصلت في الجنوب اللبناني وغياب غالبية القيادات السياسية والعسكرية والأمنية لحزب الله، ثم الانهيار الكامل لنظام الأسد بفرار رئيسه وانكفاء مؤسساته وتشكيلاته الأمنية والعسكرية وعدم قتالها ومواجهتها للزحف الذي قامت الفصائل المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام و دخولها إلى مدينة دمشق.
أن القول الذي بدأ فيه المرشد خامنئي في مواجهة المتغير السياسي السوري معتبرًا ما حصل يشكل خطورة كبيرة على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، معلنًا عن (ظهور مجموعة من الشرفاء الاقوياء) الذين سيعودون الوضع العام إلى ما كان عليه كونهم يشكلون أداة الرفض السياسي ضد الوضع السوري الجديد، وهذا يعني في العلاقات الدولية مخالفة صريحة للقانون الدولي الذي يراعي طبيعة العلاقات السياسية بين دول العالم وتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا ودعوة لمواجهة النظام القائم فيها واشاعة الفوضى والاقتتال الداخلي بين أبناء الشعب السوري.
لا يزال النظام الإيراني متمسك بسياسة ( التعنت وإظهار القوة) مبتعدًا عن الاعتراف بحقيقة الأوضاع الميدانية والخسائر البشرية والمادية التي أصابت حلفائه ووكلائه في سوريا ولبنان وعدم الاكتراث لما أصاب المؤسسة الأمنية والعسكرية لحزب الله اللبناني وسقوط نظام الأسد الحليف الاستراتيجي ورمح المشروع السياسي الإيراني في التمدد والنفوذ في المنطقة، وهو باعلانه عن وجود مجموعة من الذين وصفهم ب ( الأقوياء الشرفاء) إنما تأكيد لوجود حلفاء و وكلاء له في سوريا، ويمثل القول حالة من نوع اعلان الحرب غير المباشرة ضد دولة ذات سيادة وعضو في جمعية الأمم المتحدة والجامعة العربية، وهو أمر يعتبر بالغ التعقيد في مسار العلاقات الدولية ومستقبل العلاقات الإيرانية السورية.
وامعانًا في الانزعاج السياسي من التغيير السوري فقد اقدمت إيران على إيقاف شحنات النفط التي كانت تصدرها في حقبة النظام السوري السابق وتستخدم كحالة ضرورية في توليد الطاقة الكهربائية، وهو موقف يعكس طبيعة التحول الاستراتيجي في العلاقة بين طهران ودمشق في ظل الحكومة الانتقالية التي شكلها المجلس العسكري الجديد.
ليس بالسهولة قبول النظام الإيراني الهزيمة السياسية له في بلد كان يمثل مساحة واسعة لمشروعه في التمدد والنفوذ ولنظام سياسي قدم له كل الدعم والاسناد منذ أربعة عقود من الزمن ورغم العقوبات الاقتصادية الدولية على طهران إلا أنها استمرت في مساندتها للنظام السوري وقدمت له ما يقارب 50 مليار دولار عبر مساعدات اقتصادية ومصرفية وعسكرية ساعدته في البقاء والاستمرار في الحكم ومواجهة التظاهرات الشعبية والاحتجاجات الجماهيرية التي انبثقت منها شرارة الثورة السورية التي قادتها المعارضة السورية في 15 آذار 2011 حتى هروب الأسد وسقوط نظامه السياسي التعسفي.
أن الممارسات والأساليب التي أتبعتها القيادات العسكرية لفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني بتشكيل مليشيات وفصائل مسلحة تابعة لها وفق أهداف وغايات المشروع السياسي الإيراني في التمدد والهيمنة وإنشاء المعسكرات التدريبية لهم وتقديم الأموال والمساعدات التي تعينهم على تنفيذ الواجبات الموكلة لهم من قبل هذه القيادات وفق معطيات وأهداف السياسة الخارجية الإيرانية التي إتسمت بالتدخل المباشر والسيطرة على عدد من العواصم العربية في ( العراق وسوريا ولبنان واليمن)، كانت تمثل نظرية العمق الاستراتيجي التي توافق مبادئ العقيدة الأمنية الإيرانية وليس حالة وضعية لمرحلة معينة، ولكنها اخفقت في التعبير الحقيقي الذي خاطبت به الجموع الشعبية أن كانت في المحيط الإسلامي أو العربي في أن تشكيل هذه المليشيات إنما كان لهدف أسمى وهو تحرير الأراضي والمقدسات الفلسطينية، وإنما أوجدتها لتحقيق مساحات تتعلق بالمنافع والمكاسب الإيرانية على حساب تضحيات أبناء الشعب العربي عامة والفلسطيني خاصة، فلم تكن عملية تسليح حزب الله اللبناني من أجل تحرير مزارع شبعا ولا الدخول إلى منطقة الجليل الأعلى وتحريره من الكيان الإسرائيلي، بل كانت النوايا والأهداف الإيرانية بجعل ساحل البحر الأبيض المتوسط قاعدة متقدمة لإيران ولادامة تأثيرها في العمق العربي وفي أي متغيرات تشهدها منطقة الشرق الأوسط، كما هو الحال في تسليح جماعة الحوثيين واستخدامهم في القيام بعمليات واسعة في البحر الأحمر وخليج عدن لإحياء التواجد الإيراني وليكون قاعدة متقدمة أمام القواعد الدولية والإقليمية المتواجدة في العمق الاستراتيجي للبحار والمحيطات القريبة من اليمن.
يدرك النظام الإيراني أن طبيعة التحولات السياسية والمتغيرات الميدانية التي شهدتها المنطقة العربية بزوال النظام السوري وفرار رئيسه إلى حليفه الروسي والضعف الكبير الذي واجهه حزب الله ونالت منه المواجهة العسكرية في الجنوب اللبناني قد أعطى مساحة من التغيير الكبير الذي ستشهده أوضاع المنطقة، ويمثل لإيران هزيمة سياسة كبيرة وباتت تخشى ان تكون محطة قطار التغيير القادمة في طهران.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة