طهران – يتخبّط البنك المركزي الإيراني في إجراءات يائسة وقاسية لوقف تراجع الريال أمام العملات الأجنبية مثل الدولار، في وقت لجأ فيه القادة السياسيون إلى التهديد والاتهامات وخاصة ضغوط واشنطن على البنوك الأوروبية التي “التي لا تجرؤ” على العمل مع طهران.
وخسر الريال الإيراني أكثر من 25 بالمئة من قيمته مقابل الدولار خلال الأشهر الستة الماضية وهبط إلى أكثر من 48 ألف ريال للدولار يوم الأربعاء مع تلاشي الآمال بطفرة في الاستثمار الأجنبي إثر تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب المستمر بإنهاء الاتفاق النووي مع إيران.
وأعلن البنك المركزي التساهل في سقف أسعار الفائدة الذي فرضه في سبتمبر الماضي على فوائد الأموال المودعة، وذلك لتشجيع المودعين على إبقاء أموالهم بالريال بدلا من شراء عملات أخرى وتهريب الأموال إلى الخارج.
وأكد متعاملون اتساع موجة هروب الأموال إلى الخارج وذلك بسبب خشية فقدان قيمتها، وخاصة الأموال العراقية المودعة في إيران من قبل التجار والمسؤولين العراقيين الفاسدين.
وسوف تسمح تدابير البنك المركزي للمصارف الإيرانية في الأسبوعين المقبلين بإعطاء فائدة تصل إلى 20 بالمئة على الإيداعات المثبتة لمدة سنة مقابل 15 بالمئة سابقا، بحسب تأكيد وسائل الإعلام.
كما اتخذ البنك المركزي إجراء آخر لوقف تزايد الطلب على الدولار، حيث عرض في الفترة الأخيرة بيع عملات ذهبية بأسعار “مغرية”.
وذكرت صحيفة إيران الحكومية أن السلطات أغلقت كذلك حسابات مصرفية تعود إلى حوالي 775 شخصا اعتبرت أنهم “يثيرون اضطرابا في أسواق الصرف” المحلية بعد أن قالت إنهم تداولوا في السوق ما يعادل حوالي 200 تريليون ريال، أي أكثر من 4 مليارات دولار.
محمد باقر نوبخت: مشكلتنا هي المناخ الثقيل الذي خلقته واشنطن. لا أحد يجرؤ على العمل معنا
وتأتي هذه الخطوات بعد أن أغلقت الشرطة عشرة مكاتب صرافة الأربعاء الماضي واعتقلت حوالي 100 صراف، وأذاع التلفزيون الرسمي صورا لحملة المداهمات.
ونقلت الصحف المحلية عن حاكم البنك المركزي ولي الله سيف قوله إن السلطات المالية تمكّنت من “التعرف على المضاربين في سوق الصرف… سنستخدم كل الوسائل للخروج من هذا الوضع وإعادة الهدوء إلى السوق”.
وكان الدولار يساوي 10 آلاف ريال في عام 2010 لكن تشديد العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي اعتبارا من نهاية عام 2011، أدى إلى تراجع العملة الإيرانية.
وأثار الاتفاق النووي الموقّع بين إيران والدول الكبرى الست في يوليو 2015، آمالا في تحسن الوضع الاقتصادي ووصول المستثمرين الأجانب وارتفاع قيمة العملة الوطنية.
لكن هذه الآمال تراجعت منذ وقت طويل وتفاقمت بشكل كبير بعد موجة من التظاهرات اجتاحت إيران الشهر الماضي لأسباب اقتصادية، في وقت تجنّبت فيه البنوك الأجنبية الرئيسية دخول إيران مجددا بسبب الخوف من التعرّض لعقوبات في حال انتهاك العقوبات الأميركية.
وأشار نائب الرئيس الإيراني محمد باقر نوبخت، وهو مسؤول أيضا عن الميزانية والتخطيط، إلى وجود مشكلات كبيرة تواجه التوازنات المالية وكذلك الاحتياطات النقدية للبلاد.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى نوبخت قوله إن “بعض البلدان، مثل الهند والصين، وضعت شروطا نستلم بموجبها جزءا من عوائدنا النفطية على شكل بضائع من هذه البلدان” في اتفاق مقايضة.
وأضاف نوبخت أن “مشكلتنا الأساسية هو المناخ الثقيل الذي خلقته الولايات المتحدة للمصارف الأوروبية، التي لا تجرؤ على العمل معنا”.
وأدى انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يندد باستمرار بالاتفاق النووي، إلى تشديد الموقف الأميركي تجاه طهران، وأدى إلى إبعاد المستثمرين الأجانب والمصارف الدولية الكبرى.
وحاول مسؤولون حكوميون بينهم الرئيس حسن روحاني في الأسابيع الأخيرة طمأنة المواطنين بشأن الريال، لكن السلطات واجهت انتقادات أخذت عليها تقاعسها وعدم اتخاذ تدابير عملية.
وتشير الأوساط الاقتصادية والشعبية في العراق إلى أن تراجع العملة الإيرانية بدأ يظهر مؤشرات إيجابية من خلال تراجع واردات السلع الإيرانية، وعودة الكثير من الأموال التي كانت مودعة في طهران من قبل التجار والطبقات السياسية الفاسدة الموالية لطهران.
ونسبت صحيفة المدى العراقية إلى مدير إعلام البنك المركزي العراقي أيسر جبار قوله إن تراجع العملة الإيرانية له مردود ايجابي من خلال خفض فاتورة الواردات وتقلص الاستثمارات العراقية المتواجدة في إيران، التي بدأت بالعودة إلى البلاد في تحسن الوضع الأمني والاقتصادي في الآونة الأخيرة.
ويرى محللون أن موجة عودة الأموال العراقية يمكن أن تتسارع بعد موافقة مجلس الوزراء على تأسيس شركة لضمان الودائع في المصارف الحكومية والخاصة بهدف تشجيع المواطنين على إيداع أموالهم في المصارف المحلية.
ويشير مراقبون في طهران إلى أن الكثير من الإيرانيين في أنحاء إيران أصبحوا يطاردون أي عملة أجنبية يمكن أن تصل أياديهم إليها من أجل الحفاظ على قيمة مدخراتهم في ظل السقوط الحر لقيمة الريال الإيراني.
وبدأ ذلك ينعكس في ارتفاع كبيـر في أسعـار جميـع السلع والمـواد الاستهـلاكية، الأمر الذي يعيد الاحتقان والغضب الشعبي من سياسات الحكومـة، ويمكـن أن يشكل شرارة جديدة لانفجار الاحتجاجات مرة أخرى.
العرب اللندنية