الاحتجاجات تأخذ أبعادا متعددة في مواجهة قبضة السلطة الدينية بإيران

الاحتجاجات تأخذ أبعادا متعددة في مواجهة قبضة السلطة الدينية بإيران

طهران – لم تكن المواجهة بين قوات مكافحة الشغب والمئات من أنصار الصوفيين، التي كانت العاصمة الإيرانية مسرحا لها، أمرا مفاجئا للسلطات في ضوء توسع دائرة الغضب بين الإيرانيين بسبب القبضة الأمنية والمذهبية التي تعيشها البلاد، فضلا عن تركيز الحكومة على “تصدير الثورة” والتدخل في الملفات الإقليمية عوضا عن تطوير الأداء الاقتصادي بما يسمح بتطويق أزمة البطالة وارتفاع الأسعار.

وقالت الشرطة الإيرانية إن خمسة أفراد من قوات الأمن قتلوا في طهران الليلة قبل الماضية في اشتباكات مع محتجين من الجماعة الصوفية حيث ألقي القبض على 300 منهم.

واشتبك أتباع طريقة دراويش كنابادي الصوفية، الذين تعتبرهم المؤسسة الدينية الإيرانية خطرا عليها، مع شرطة مكافحة الشغب بعد أن احتشدوا أمام مركز للشرطة للمطالبة بالإفراج عن أفراد من طريقتهم.

وذكر مسؤولون أن ثلاثة من أفراد شرطة مكافحة الشغب قتلوا عندما اخترقت حافلة صفوفهم بينما دهست سيارة متطوعا في قوات الباسيج وقتل آخر طعنا.

وتجمع بعض الصوفيين أمام منزل زعيمهم نور علي تابنده الذي يبلغ من العمر 90 عاما في الحي ذاته بشمال طهران وصاحوا قائلين إنهم لن يتهاونوا مع احتمال اعتقاله.

وتأتي الاحتجاجات بعد أسابيع من موجة من المظاهرات المناهضة للحكومة في أكثر من 80 بلدة أسفرت عن مقتل 25 شخصا واعتقال الآلاف.

ورغم أن الاحتجاجات الصوفية لا صلة لها بهذه المظاهرات فإنها تمثل استعراضا آخر للتحدي العلني الذي دفع قوات الأمن الإيرانية إلى الرد بشكل قوي.

ويرى متابعون للشأن الإيراني أن سرعة الاشتباك بين الشرطة والمحتجين تكشف عن توتر عال بين الإيرانيين بسبب السيطرة الأمنية، فضلا عن استهداف الأقليات العرقية والمذهبية ومنعها من التعبير عن أفكارها ولو بشكل محدود.

ويضيف هؤلاء المتابعون أن السلطات التي تمكنت من إسكات هذه الأقليات طيلة أربعين عاما، لم تعد قادرة على ذلك في ظل الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام الحديثة وسرعة انتشار المعلومة، فضلا عن أن الإيرانيين، الذين صبروا طويلا على الوعود التي كانت تطلقها السلطات، لم يعودوا بوارد السكوت على تجاوزاتها.

وقال منتظر المهدي المتحدث باسم الشرطة إن ما يربو على 300 محتج اعتقلوا، وأضاف أن نحو 30 من أفراد الشرطة والمحتجين أصيبوا.

وأفاد موقع “مجذوبان” الإلكتروني الذي تربطه صلات بصوفيي كنابادي أن الشرطة أطلقت النار على بعض المحتجين.

وأظهرت صور بثتها وسائل إعلام إيرانية محتجين تلطخت وجوههم بالدماء، وسيارات ودراجات نارية مشتعلة بعد أن أضرم فيها المحتجون النار في ما يبدو. كما أظهرت مقاطع فيديو على الإنترنت الشرطة وهي تطلق الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين.

وقال مركز حقوق الإنسان في إيران، وهي منظمة لا تهدف للربح مقرها نيويورك، إن السلطات ألقت القبض على عدد من الصوفيين خلال الشهرين الماضيين.

وأضاف أن عشرة من أتباع الطريقة الصوفية أصيبوا وألقي القبض على ثلاثة آخرين في مدينة كوار بإقليم فارس في 14 يناير الماضي بعدما هاجمت الشرطة مسيرة تطالب بالإفراج عن معتقلين صوفيين آخرين.

وعبرت مقررة الأمم المتحدة الخاصة لحقوق الإنسان في إيران أسماء جهانجير، عن قلقها في 2017 من “الاستهداف والمعاملة الخشنة” لأتباع الطرق الصوفية المتعددة، بما في ذلك دراويش كنابادي واليارسانية التي تعرف أيضا باسم أهل الحق.

وأضافت جهانجير التي توفيت الأسبوع الماضي في تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في مارس الماضي أن هذه الجماعات “ما زالت تتعرض للاعتقال التعسفي والمضايقة والاحتجاز وكثيرا ما تواجه اتهامات مثل الإضرار بالأمن القومي”.

وطريقة كنابادي هي إحدى أكبر الطرق الصوفية في إيران، نشأت في مقاطعة خراسان رضوي شمال شرق البلاد، لكنها منتشرة في المدن. وتتهم هذه الطريقة الحكومة الإيرانية بمضايقة مريديها وممارسة التمييز بحقهم.

والصوفية ليست محظورة في إيران، لكن ممارستها لا تلقى قبولا لدى رجال الدين المحافظين.

وتطلق المؤسسة الدينية الرسمية اسم “خانقاه” على تكايا وحسينيات ومساجد الصوفيين وتتعرض هذه الأماكن إلى الهجوم من قبل قوات الحرس الثوري والباسيج التي تشكل اليد الضاربة للسلطة الدينية في إيران والتي تقوم بالقمع خارج إطار القانون.

وخلال حكم محمود أحمدي نجاد تعرضت حسينيات وتكايا تابعة للصوفيين في مدينة قم وبروجرد وشرامين إلى الهجوم واعتقلت السلطات المئات من أتباع الطريقة ومنع الكثريين منهم من الدراسة في الجامعات.

العرب اللدنية